أصابت الحرب الإسرائيلية على قطاع غزة الرياضة الفلسطينية في مقتل، وتوقفت عجلة النشاط الرياضي عن الدوران منذ اللحظة الأولى لنشوبها، وأجهزت على قرابة 80% من البنى التحتية الرياضية، وقضت على أحلام وطموحات اللاعبين محلياً وعربياً ودولياً، الذي باتوا ضحايا، ومعتقلين، وجرحى، وتحت الركام؛ ولم تأبه السلطات الإسرائيلية لقوانين الاتحاد الدوليّ لكرة القدم "الفيفا"، واللجنة الأولمبية الدولية، وتجاهلت كل النداءات التي طالبت بتحييد المنشآت الرياضية نار الحرب.وبحسب الإحصائيات الرسمية فقد تسببت الحرب الإسرائيلية على قطاع غزة لليوم الـ277 توالياً، بمقتل مئات الرموز الرياضية واللاعبين والمتدربين، وأطاحت بالملاعب والنوادي، ودمرت قوات الجيش الإسرائيلي مقرات: الاتحاد الفلسطيني لكرة القدم، واللجنة الأولمبية الفلسطينية، والمجلس الأعلى للشباب والرياضة. وفقدت الرياضة الفلسطينية في قطاع غزة أكثر من 190 فرداً من كوادرها، سواء اللاعبون واللاعبات في مختلف الألعاب الرياضية، وكذلك الأطقم الفنية من حكام ومديرين فنيين، ناهيك عن اعتقال وجرح العشرات منهم على يد قوات الجيش الإسرائيلي خلال العملية البرية في قطاع غزة، كما وتسبب القصف الحربي والمدفعي بتسجيل حالات بتر في أطراف العديد من اللاعبين. وأسفرت مآسي الحرب وتبعاتها عن توقف النشاط الرياضي، وخسارة أكثر من 6000 كادر رياضي مصدر رزقهم، وحرمان لاعبي ومدربي وكوادر الأندية من تمثيل فلسطين في البطولات العربية والدولية، وأدت لنزوح آلاف الرياضيين بعد تعرض منازلهم للتدمير والخراب في أرجاء قطاع غزة.الملاعب والأندية أثراً بعد عين حولت قوات الجيش الإسرائيلي الملاعب الخضراء إلى سوداء، أكبرها "ملعب اليرموك" لكرة القدم في مدينة غزة، الذي بات مركزاً لتعذيب واعتقال مئات الأسرى الغزيّين، وفق الفيديوهات التي سربت منه، في أكتوبر 2023، لتجتاحه الدبابات والجرافات الإسرائيلية وتدمره كلياً فيما بعد، الملعب الذي تأسس في العام 1938 وفق "الاتحاد الفلسطيني لكرة القدم"، يحتوي على أكثر من 8000 مقعد للجمهور لممارسة الرياضة؛ بات الآن ملاذاً لآلاف النازحين، وقطعة من الركام والغبار. "حال ملعب اليرموك، لا يختلف عن ملعب المدينة الرياضية في مدينة خانيونس، وملعب فلسطين الدولي شمالي غزة، وملعب بيت حانون أشهر الملاعب الرياضية في المدينة، كلها تعرضت للتخريب الإسرائيلي المقصود للقضاء على طموحات الشباب في غزة، وأخرجتها عن الخدمة"، وفق عمار طميزة من اللجنة الأولمبية الفلسطينية في حديثه لمنصة "المشهد". وأكد طميزة بأن "الملاعب والنوادي والصالات الرياضية، منشآت محمية وفق القانون الدولي، لكن قوات الجيش الإسرائيلي وفي خضم الحرب المندلعة في قطاع غزة، استهدفت معظم المنشآت الرياضية، ودمرتها بشكل كامل، وحولت العديد منها لمراكز تحقيق وتوقيف، وهذا يتنافى مع كل الأعراف الدولية، ويجب أن تحاسب إسرائيل على كل هذه الجرائم الفظيعة". تلاشي أحلام الأبطال"عشت وأسرتي أياماً شاقة وبالغة القسوة بفعل الحرب الطاحنة على شمال قطاع غزة، واجهت الموت مرات عدة، لكني تحديت الصعاب وواصلت التدريب بأقل الإمكانيات، فحلم المشاركة بأولمبياد باريس ظل يرادوني في كل اللحظات".رغم الإصرار والعزيمة التي تمتع بها الرباع محمد حمادة (22 عاماً)، بطل فلسطين في لعبة رفع الأثقال، للمشاركة في أولمبياد باريس، إلا أن الحرب ومآلاتها حالت دون مشاركته، بحسب ما صرح به حمادة لمنصة "المشهد"، واستطرد بالقول "تحديت المستحيل وتجاوزت كل الصعاب للسفر من قطاع غزة، للمشاركة في الأولمبياد، خرجت في منتصف شهر فبراير، لكني لم أتمكن من المشاركة في أول بطولتين بسبب التواجد في غزة خلال الفترة المطلوبة، وبالتالي لم أتمكن من جمع النقاط اللازمة، وبالتالي حرمت من المشاركة في الألعاب ورفع اسم فلسطين عالياً من قلب المأساة".وتحدث لاعب رفع الأثقال حمادة لـ"المشهد" عن التحديات التي واجهها طوال الأشهر الماضية: "خسرت 20 كغم من وزني، بفعل ظروف الحرب، وسوء التغذية التي تسببت بها المجاعة التي تعرضنا لها، كذلك الحصار الإسرائيلي، ورغم قلة الإمكانيات والاحتياجات للتدريب، واصلت التمرينات المطلوبة، لكن ظروف الحرب القاهرة منعتني من تحقيق الحلم". ومؤخراً، اشتدت الدعوات لحظر المشاركة الإسرائيلية في الرياضة الدولية، بسبب الحرب الضارية على غزة، وتمكن نشطاء إيرلنديون من جمع 72 ألف توقيع بهدف تعليق مشاركة إسرائيل في الرياضة العالمية. الحرب تقضي على الرموز الرياضية أنهت الحرب حياة نجمة فلسطين في رياضة الكاراتيه، نغم أبو سمرة (26 عاماً) والتي لقبت بـ"الأسطورة"، جراء إصابتها بغارة استهدفت منزل عائلتها في مخيم النصيرات للاجئين وسط قطاع غزة، البطلة صاحبة مسيرة رياضية متفانية، حاصلة على الحزام الأسود، أنهت دراستها للماجستير في التربية الرياضية، وافتتحت مركزاً لتدريب الفتيات على لعبة الكاراتيه. وتحدث مروان أبو سمرة والد نغم لـ"المشهد" حول الشخصية الطموحة التي تمتعت بها نغم، كذلك حرصها على تحقيق حلمها في رياضة الكارتيه منذ نعومة أظافرها، وأشار بأنّ "إسرائيل قتلت كل شيء جميل في غزة، وليس ابنته فحسب، على الرغم من أن الأهالي يحبون الحياة ويكرهون الحرب". واقعة نغم لم تكن الأولى ولن تكون الأخيرة، حيث خسر قطاع الرياضة الفلسطيني "أسطورة الملاعب" هاني المصدّر (42 عاماً)، بشظايا صاروخ أطلقه الطيران الإسرائيلي قرب منزله وسط قطاع غزة، تاركاً خلفه إرثاً كبيراً في الملاعب كمدرب ولاعب بارع، وتسبب فقدانه بألم وحزن في قلوب عائلته ومحبيه، وخسارة فادحة لكرة القدم الفلسطينية.وفي قطاع غزة، من اتخذوا الرياضة أملاً وحلماً لبناء مستقبلهم، حرمتهم إصابتهم من بلوغ أمنياتهم، حيث أصيب عشرات اللاعبين بجراح بالغة، وبعضهم بترت أجزاء من أجسادهم جراء الإصابة، كحال الطفل عاصف أبو مهادي البالغ (11 عاماً)، بكى حاله وصحته النفسية لمنصة "المشهد". وقال " فقدت ساقي وأنا أمارس كرة القدم في الشارع أمام بيتي بصاروخ إسرائيلي، ضاعت آمالي بأن أصبح لاعب كرة قدم". وأضاف الطفل عاصف لـ"المشهد": "رغم الوجع وضيق الحال، تحول حلمي من أن أصبح لاعب كرة قدم متمرس، لتركيب طرف صناعي، من أجل أن أعود للمدرسة وأواصل السعي لمواصلة ممارسة كرة القدم". أسماء كثيرة رحلت في خضم الحرب المشتعلة، نذكر منها، الحكم الدولي الفلسطيني محمد خطاب وعائلته، وعمر أبو شاويش عضو مجلس إدارة اتحاد الثقافة الرياضية، ولاعب المنتخب الوطني للجودو عبد الحافظ المبحوح، ورئيس اتحاد كرة الطاولة محمد الدلو.(المشهد - القدس)