يسيطر نادي شيكاغو بولز على المشهد في تسعينيات القرن الماضي عندما حقق ستة ألقاب ضمن الدوري الأميركي للمحترفين في كرة السلة (1991 و1992 و1993 و1996 و1997 و1998). في تلك الفترة الذهبية الذي قاد الفريق فيها المدرب الأسطوري فيل جاكسون، بدا الوضع مثاليًا بين مايكل جوردان وسكوتي بيبن عندما كانا ينشطان سويًا ضمن صفوف الفريق البطل. كانا حاسمين كثنائي متفاهم داخل الملعب وجرى تشبيههما بـ"التوأمين" رغم أفضلية جوردان الذي يُعتبر على نطاق واسع الأفضل في التاريخ."الرقصة الأخيرة"ظهرا كصديقين حميمين للغاية نتيجة التفاهم البيّن. لكنّ المفاجأة تفجّرت بعد سنوات حين كشف بيبن، لدى سؤاله، بأنه لم يكن مقربًا من زميله اجتماعيًا، بدليل قوله: "إنه شخص من الصعب التعامل معه للغاية. لم نتناول العشاء معًا أبدًا. كان زميلًا جيدًا في الفريق، لكننا لم نكن أبدًا أصدقاء مقربين".ولا شك في أنّ مسلسل "الرقصة الأخيرة"، الذي تحدث فيه جوردان عن مسيرته، زاد من تآكل الرابط حيث قال سكوتي: "الحلقتان الأخيرتان، مثل الحلقات الـ8 السابقة، مجّدتا مايكل من دون إعطاء أهمية كبيرة لي أو لزملائي في الفريق. ها أنا ذا، في الخمسينيات من عمري، بعد سنوات من آخر مباراة لي، نُهان مرة أخرى"، متسائلًا: "كيف يجرؤ مايكل على معاملتنا بهذه الطريقة بعد كل ما قدمناه له ولعلامته التجارية الثمينة؟"، مضيفًا: "ما زاد في الطين بلة، أنّ مايكل حصل على 10 ملايين دولار مقابل دوره في الفيلم، بينما لم أكسب أنا وزملائي سنتًا واحدًا"، واستطرد: "لم يكن مايكل يرغب في التمرير، ولا في التقاط الكرات المرتدة، ولا في الدفاع على أفضل لاعب في الفريق المنافس. أراد أن يُنجز كل شيء من أجله. لهذا السبب أعتقد أنّ ليبرون جيمس (لاعب لوس انجليس ليكرز الحالي) هو الأعظم على مر العصور. إنه يفعل كل شيء ويُشرك زملاءه في الفريق".ورد بيبن في مذكراته التي حملت عنوان "غير محمي"، بشكلٍ قاسٍ على متن ما اعتبر على نطاق واسع تصفية حسابات.وذكر في موقع آخر: "كان يعتبرني أفضل زميل له على الإطلاق. كان متعاليًا للغاية. قضيت وقتًا طويلًا مع هذا الرجل. كنت أعرف ما الذي يجعله يتصرف كما كان يفعل. كم كنت ساذجًا لأتوقع أيّ شيء آخر".من جهته، عبّر مايكل عن حبه لسكوتي، ووصفه بأفضل زميل، وأقرّ بأنه لم يكن ليصل إلى قمة المجد لولاه.قد يُفَسّر ما جاء على لسان بيبن على أنه غيرة أو ربما استنقاص من دوره أمام الهالة التي أحاطت بجوردان، غير أنها لم تنعكس يومًا نتائج سلبية أو مشاحنات داخلية في صفوف الفريق، سواء في المباريات أو التمارين، أو حتى في تصريحات الجانبين خلال فترة تحقيق البطولات.قصة مماثلةويبدو بأنّ ملاعب كرة القدم بدأت تشهد اليوم قصة مماثلة على مستوى عالٍ ضمن صفوف فريق ريال مدريد الإسباني، وإن كانت لا تُظهّر إعلاميًا بشكل صارخ. فقد أثار الوافد الجديد إلى "الملكي"، الفرنسي كيليان مبابي، العديد من التساؤلات حول مدى فاعليته وتألقه في حضور أو غياب زميله فينيسيوس جونيور، إذ تكفل بالتسجيل في مناسبات عدة، ساحبًا البساط من تحت قدمي البرازيلي بشكل واضح، بعدما كان الأخير مشعًّا و"المنقذ" في كثير من المناسبات.وأشارت صحيفة "ماركا" الإسبانية إلى أنه بين أهداف مبابي الـ20 في الـ"ليغا" هذا الموسم، سجل 10 منها عندما غاب فينيسيوس عن أرضية الملعب.إحصائية دفعت الصحيفة وأنصار ريال مدريد إلى التساؤل: "هل إنّ مردود مبابي أفضل من دون وجود فينيسيوس؟".ووصل مبابي إلى هدفه الـ30 مع ريال مدريد في 43 مباراة ضمن البطولات كافة هذا الموسم، بينما أحرز فينيسيوس 18 في 39 مباراة، ليصبح الفرنسي صاحب ثالث أفضل بداية لمهاجم في تاريخ النادي.يمر البرازيلي بفترة صعبة خصوصًا وأنّ علاقته بزملائه تدهورت بعدما سئموا من تصرفاته، خصوصًا إثر المباراة أمام أتلتيكو مدريد في إياب ثمن نهائي دوري أبطال أوروبا.وخير دليل على فقدان "فيني" لتركيزه، حصوله على 14 بطاقة صفراء معظمها بسبب احتجاجه على قرارات الحكام. وهو دخل في مشادة مع زميله الإنجليزي جود بيلينغهام خلال "ديربي مدريد"، وتحدّى مدربه الإيطالي كارلو أنشيلوتي، الوحيد الذي ما زال يدافع عنه، وأحد مساعديه فرانشيسكو موري.وذكرت الصحيفة ذاتها: "بسبب غروره وتعاليه، لم يعد فيني يحظى بالمكانة نفسها داخل غرفة الملابس، حيث يَعتقد بأنه اللاعب الأكثر أهمية، بل ويقول للمقربين منه إنّ ريال مدريد فاز بدوري الأبطال بفضله".معلوم أنّ أحد التقارير أشار إلى أنه يطالب براتب أعلى من ذاك الذي يتقاضاه مبابي حتى يوقّع على العقد الجديد، الأمر الذي عزز فكرة بيعه إلى السعودية بمبلغ ضخم.تألق مبابي في غياب فينيسيوس، جاء بعد إثارة الجدل بشأن العلاقة بين النجمين وصعوبة التفاعل الكيميائي بينهما داخل الملعب بسبب "صراع النجومية".وذكرت صحيفة "سبورت" الإسبانية: "يخوض كل منهما معركته الخاصة ويتنافسان في ما بينهما. يتبادلان النظرات، يشجعان بعضهما البعض، ويعتذران إن لزم الأمر على كرة ضائعة، لكن عندما تكون الكرة في حوزة أحدهما، فهما لا ينظران إلى بعضهما البعض. كل منهما يلعب بأسلوبه الخاص"، وواصلت: "لا أحد يعرف ما يحدث داخل غرفة الملابس إلا من خلال التسريبات أو التكهنات التي قد تكون مدفوعة بنوايا خفية، لكن ما هو واضح على الملعب أنّ فينيسيوس ومبابي لا يتواصلان أو أنهما لا يريدان ذلك". تقرير آخر أكد بأنّ العلاقة الشخصية بين اللاعبَين باردة للغاية بدليل الصداقة المتينة التي نسجها مبابي مع زميليه الآخرين في الفريق، البرازيلي رودريغو وبيلينغهام. يعيش ريال مدريد موسمًا متطلبًا للغاية محليًا وقاريًا ودوليًا، ولا شك في أنّ أنشيلوتي يحتاج إلى تضافر الجهود للوقوف أمام هجمة برشلونة في الدوري وأمام الاستحقاقات الخارجية الصعبة. يحتاج أكثر من كل ذلك إلى الوحدة والسعي إلى تحقيق الأهداف المشتركة المرسومة، ويعتبر المدرب الذي يحظى باحترام اللاعبين كافة، بمثابة الجرّاح الذي ينتظر منه نزع فتيل النزاع الذي يلوح في الأفق.تعالى بيبن وجوردان عن تباينات شخصية لتحقيق المجد مع "بولز"، فهل يتعلم فينيسيوس ومبابي الدرس أو يدفع ريال مدريد ثمن الـ"أنا" في مقاربة التحديات الملحّة؟