انطلقت بطولتا كأس آسيا وكأس إفريقيا لكرة القدم قبل أيام، الأولى في قطر، والثانية في ساحل العاج.صحيح أنّ أنظار جماهير اللعبة تتجه دائمًا نحو منتخباتها المشاركة في أيٍّ من الحدثين، وإلى المنتخبات المؤهلة لاعتلاء "العرش" في كل من القارتين، بيد أنّ ثمة من لا يهتم بهوية الفائز، بل ينحصر اهتمامه في متابعة اللاعبين، ومحاولة الحصول على البارزين منهم، تمهيدًا لنقلهم إلى الأندية الأوروبية التي تُعتبر الأكثر جاذبية بالنسبة إلى كل باحث عن تألق على أعلى مستوى، وعن مردود ماليّ يسيل له اللعاب. تسمى تلك الفئة بـ"الكشافين"، ويعود إلى هؤلاء الفضل في اكتشاف النجوم في أيّ ركن من أركان المعمورة، وأبرز مثال على ذلك الأرجنتينيّ ليونيل ميسي الذي اكتُشِف يافعًا في روزاريو من قبل نادي برشلونة الإسباني، بيد أنّ الأمر يختلف عندما يتعلق الأمر ببطولات قارية مثل كأس آسيا وكأس إفريقيا. هنا يكون اللاعب قد اختُبر نوعًا ما وأدرك أهمية تحمّل مسؤولية ارتداء الزيّ الوطني، ويعرف بأن العيون ستكون عليه، سواء من أبناء جلدته الذين ينتظرون منه تقديم الأفضل للمنتخب، أم من "الكشافين" الأوروبيّين تحديدًا.عناصر مجهولةلا خلاف على أنّ معظم المنتخبات المشاركة في البطولتين، خصوصًا الإفريقية منها، تضم عشرات اللاعبين الناشطين أساسًا في أوروبا. هؤلاء غير مطلوبين بشكل أساسيّ من "الكشافين". من هو مطلوب هي العناصر المجهولة والقادرة على التطور، بعد القيام بالنقلة النوعية من بيئة إلى بيئة، ومن جو تنافسيّ متوسط إلى جو المنافسة الحقيقية. الانتقال من آسيا أو إفريقيا إلى أوروبا يشكل حلمًا بالنسبة إلى أيّ لاعب، لكنّ التجارب تشير إلى أنّ النجاح لا يصيب الجميع نتيجة عوامل عدة أبرزها اختلاف المناخ، العقلية الاحترافية، البعد عن الأسرة، وغيرها. سؤال منطقي يفرض نفسه: هل تألق اللاعب في بطولة دولية قارية، يؤشر حكمًا إلى أهليته في نقل نجاحه إلى النادي الأوروبيّ الذي ينضم إلى صفوفه؟ فلندرس الواقع في "القارة العجوز" قبل الحديث عن آسيا وإفريقيا، ونسأل سؤالًا موازيًا: هل إنّ التألق في كأس العالم أو في كأس أوروبا يُعتبر مؤشرًا على قدرة اللاعب على فرض الذات في حال انضمامه إلى نادٍ مرموق؟ ثمة من يؤمن بأنّ أسوأ فترة لشراء لاعب هو بعد أداء جيد له في بطولة دولية كبرى. بعيد كأس أوروبا 1996 في إنجلترا، نجح المدرب السابق لفريق مانشستر يونايتد، الإسكتلنديّ أليكس فيرغوسون، في الحصول على خدمات الهولنديّ جوردي كرويف، والتشيكي كاريل بوبورسكي، اللذين فرضا نفسيهما نجمين في البطولة. المحصّلة كانت أنهما فشلا فشلًا ذريعًا مع "الشياطين الحمر". مردّ ذلك إلى أنّ البطولات الدولية الكبرى تمنح حافزًا إضافيًا للاعب، انطلاقًا من واقع تمثيله لبلاده. دليل آخر، الإيطاليّ سالفاتوري سكيلاتشي الذي دخل كأس العالم 1990 بديلًا مع منتخب بلاده، بيد أنه قلب الطاولة على الجميع فارضًا نفسه هدافًا للبطولة وأفضل لاعب فيها. خطف "توتو" الأنظار غير أنه فشل في نقل نبوغه "العابر" إلى فريقه يوفنتوس وبعده إنتر ميلان، إلى أن انتهى به المطاف في 1994 في اليابان، وتحديدًا مع نادي جوبيلو إيواتا. حتى أنّ مسيرته مع "الآزوري" لم تعمر سوى عامين (1990 و1991) خاض خلالهما 16 مباراة شهدت تسجيله 7 أهداف فقط، 6 منها في مونديال 1990. من جانبه، سجل الدنماركيّ جون ينسن هدفًا رائعًا في مرمى منتخب ألمانيا في نهائيّ "يورو 92" في السويد، ساهم في تتويج بلاده باللقب الغالي. مدرب أرسنال الإنكليزي في حينها، جورج غراهام، ضمه إلى صفوف فريقه، معتبرًا أنه لاعب وسط هداف. ينسن غادر "المدفعجية" في 1996 وفي رصيده هدف واحد لا أكثر. حتى أنّ جماهير أرسنال طبعت قمصانًا تذكارية تهكّمية كُتب عليها: كنا هنا عندما سجل ينسن هدفه الوحيد.بيئة جديدةأمر آخر بات يؤخذ في الاعتبار منذ سنوات، ويتركز في وجوب مساعدة اللاعب على التموضع في البيئة الجديدة عندما ينتقل من قارة إلى أخرى أو حتى من نادٍ إلى آخر. في 1961، شدّ الأيرلنديّ الشماليّ جورج بست الرحال من بلفاست متوجهًا إلى إنجلترا للانضمام إلى نادي مانشستر يونايتد. ركب القارب وعبر البحر الويلزي مع زميله إريك ماكموري. وصلا إلى مدينة ليفربول الشمالية ولم يجدا أحدًا في انتظارهما. بحثا عن قطار بنفسهما إلى أن بلغا "أولد ترافورد". في اليوم التالي، أوصلا رسالة إلى النادي مفادها أنهما ينويان العودة إلى بلدهما في أول قارب، قبل أن يقرر بست منح "يونايتد" فرصة ثانية، بينما عاد ماكموري إلى بلفاست. وما لبث الأول أن تحول إلى أسطورة لناديه. الهولندي رود غوليت انتقل إلى تشلسي اللندنيّ في 1996، فأنزلوه فندقًا قبيحًا، فيما انضم العاجي ديدييه دروغبا إلى النادي نفسه في 2004 قادمًا من مرسيليا الفرنسي مقابل 44 مليون دولار، وكشف بعد فترة بأنّ أحدًا لم يساعده لدى وصوله، وبأنه كان يبحث بنفسه عن منزل، بعد أداء التدريبات. لكن عام 2005 شهد تعيين أشخاص في الأندية تتركز مهامّهم في مساعدة اللاعب على الاستقرار والتأقلم في المكان الجديد. هؤلاء لم يكونوا موظفين في النادي، بل عناصر مختارة من وكيل أعمال اللاعب أو من الشركات الراعية له. أما اليوم فقد تبدل الوضع تمامًا وبات لمعظم الأندية "مكتب رعاية اللاعب". وعندما وقّع البلجيكيّ كيفن دي بروين مع مانشستر سيتي الإنكليزي قادمًا من فولفسبورغ الألمانيّ في 2015، انتقل بطائرة خاصة إلى إنكلترا. وقال وكيل أعماله: "كان الأمر أشبه بالفيلم. اعتقدنا بأنه سيكون أمامنا الكثير من العمل لإيجاد منزل وفتح حساب مصرفي، والحصول على خط هاتف وشراء سيارة. لكن جرى تأمين كل شيء في غضون ثلاث ساعات من قبل النادي". ما بين ضم لاعب متألق في بطولة دولية كبرى، وما بين محاولة مساعدته على التأقلم في البيئة الجديدة، ثمة رهان ينبغي على النادي أن يأخذه معتمدًا في البداية على رؤية الكشافين المتخصصين، ومن ثم على فريق عمل لتقديم المعونة الشخصية، فهل تكون الرهانات كبيرة في كأس آسيا وكأس إفريقيا؟ (المشهد)