قبل انطلاق بطولة كأس آسيا 2023 في قطر، لم يكن أشد المتفائلين في الجانبين القطري والأردني يتوقع أن يصل فريقه إلى المباراة النهائية للبطولة، ولكن في مساء السبت 10 فبراير، أصبح أحد الفريقين على موعد مع اللقب.مرت قطر بأزمة فنية، حيث تخلّت عن خدمات البرتغالي كارلوس كيروش، واستعانت بمدرب الطوارئ الإسباني ماركيز لوبيز من صفوف نادي الوكرة القطري حتى نهاية البطولة.وعلى الجانب الآخر، فإن نتائج منتخب الأردن قبل بداية المُعترك القاري لم تكن لتُبشر بالوصول بعيدا في البطولة.كان نهائيا بين الأردن وقطر، وما صنع الفارق هو التمرُّس وفارق الخبرات.حامل اللقببعيدا عن الحسابات الفنية لما قبل البطولة، فإن قطر تقدمت في أحداث المنافسات بخبراتها كحامل للقب في النسخة الماضية.أراد "العنابي" أيضا تعويض النتائج السلبية في السنوات القليلة الماضية، وتحديدا بعد الخروج مبكرا من نهائيات كأس العالم 2022 التي نظمتها قطر.مسار البطولة كان تصاعديا، فلم يواجه الفريق القطري صعوبات تُذكر في مرحلة المجموعات، ثم عبر مرحلتي دور الـ16 ودور الـ8 دون مضايقات، ليواجه إيران في نصف النهائي في أصعب اختبار.نجح لوبيز ولاعبو قطر في اجتياز "أسود فارس" في أمتع مباريات البطولة، ليضربوا موعدا مع الأردن في النهائي.مرورا بجميع هذا المواجهات، وحتى صافرة نهاية المباراة النهائية، فإن قطر كانت الأكثر ذكاء والأكثر هدوءا خلال المواجهات.أكرم الاستثنائيفي مراحل الحسم بالبطولة، كان أكرم عفيف هو الرجل الاستثنائي الذي ارتدى قميصا عنابيا، ويمكن القول إنه قد ساهم في الحفظ على الكأس لتبقى في الدوحة، بعزف منفرد.اكتسح عفيف كل الألقاب الفردية، فأصبح أفضل لاعب في البطولة وهدّافها منفردا برصيد 8 أهداف، كما رفع عدد مساهماته التهديفية مع قطر خلال آخر نسختين إلى 22 هدفا ما بين تسجيل وصناعة، حيث سجل 9 أهداف وصنع 13.في المباراة النهائية، تواجد عفيف في كل بقعة من أرض الملعب، كما تحامل على إصابته مع نهاية الشوط الأول، ليضع لمسة الختام في الأوقات الحاسمة من عمر اللقاء.سوء حظ أم سذاجة؟قاد المغربي الحسين عموتة منتخب الأردن في مسيرة استثنائية، حيث نجح في تغيير الانطباع المأخوذ عنه خلال الأشهر السابقة.براتب لا يتجاوز 720 ألف دولار أميركي سنويا، صنع عموتة ما لم يصنعه من يتقاضون أضعاف ذلك المبلغ مع عمالة القارة الآسيوية.صنع المغربي كتية قوية ومتماسكة ذهنيا على مدار البطولة، ولا يوجد مثال أقوى من الفوز على العراق بسيناريو خيالي في دور الـ16، والنجاح في قلب النتيجة بهدفين متتاليين خلال الوقت المحتسب بدلا من الضائع.حافظ الأردن على هدوءه أمام طاجيكستان في ربع النهائي، وكان أكثر امتاعا وفاعلية أمام كوريا الجنوبية في نصف النهائي، ولكن يبدو أن ضغوط المباراة النهائية قد تمكّنت من "النشامى" في تجربتهم الأولى في حدث مماثل.امتلك لاعبو قطر تجربة سابقة بعد الفوز في النسخة السابقة، فكانوا أكثر هدوء من نظيرهم الأردني الذي قدّم مستوى مميز في دقائق عديدة من عمر المباراة، ولكنه اندفع بما يكفي لتكون 3 ركلات جزاء هي ما يكفي لمنح الأفضلية لأصحاب الأرض.من وجهة نظر تحكيمية، لا يوجد شك في أي من ركلات الجزاء المُحتسبة، وإن كان البعض يظن أن الركلة الأولى كان فيها قدر من التحامُل في احتسابها، ولكن لا يمكن إنكار أن الاندفاع الأردني في الحالات الدفاعية قد كلفهم الكثير.إعادة ترتيب الأوراقفي النهاية، انتهت المسابقة في نسختها الـ18.فازت قطر بلقبها الثاني، وفاز الأردن باحترام وثقة جماهيره، وقد حان الوقت ليقرر كل منهما كيف سيرتّب أوراقه قبل الفترة المُقبلة.يستمر الفريقان في حملتها في التصفيات المزدوجة المؤهلة إلى كأس آسيا 2027 وكأس العالم 2026.بدأت قطر بداية مثالية بانتصارين متتاليين في مجموعتها تحت قيادة البرتغالي كيروش، والآن على الاتحاد القطري أن يُحدد ما إذا كان ماركيز لوبيز سيُكمل الرحلة، أم سيعود إلى نادي الوكرة، ويبدأ البحث عن اسم جديد في القيادة الفنية لتحقيق التأهل الثاني إلى المونديال.على الجانب الآخر، فإن عموتة نجح في إعادة الثقة إلى الأردنيين بعد بداية سيئة بالتصفيات، من الواجب تداركها من أجل التأهل إلى المرحلة الثالثة، المؤهلة إلى المونديال المُقبل.فهل تكون كأس آسيا 2023، وما انتهت عليه من نتائج، فرصة مناسبة لطرفي النهائي في المقام الأول، ولكافة الفرق المشاركة بشكل عام، لإعادة ترتيب الأولويات وإدراك نقاط القوى والضعف؟(المشهد)