يستعيد العراقيون أياما كروية سعيدة، في ظل تألق منتخب "أسود الرافدين" في الملاعب القطرية خلال الأيام الأخيرة، حيث تربع العراق على صدارة المجموعة الرابعة من بطولة كأس آسيا 2023 لكرة القدم في نسختها الـ18.ونجح العراقيون في تحقيق العلامة الكاملة خلال 3 انتصارات متتالية على كل من إندونيسيا واليابان وفيتنام، تحت قيادة المدرب الإسباني الواعد خيسوس كاساس، الذي أعاد بريق كرة القدم العراقية خليجيا وآسيويا خلال العامين الأخيرين.أسد يزأريتألق "الأسود" ويقدمون أداء متناغما، ولكن لم يكن ذلك ليتم لولا توهج أيمن حسين التهديفي، وتحقيقه لأرقام غير مسبوقة لموطنه في مرحلة المجموعات.سجل ذو الـ28 عاما 5 أهداف خلال 3 مباريات، ليتربع على عرش هدافي المسابقة منفردا حتى الآن، ويصبح أول عراقي يسجل في 3 مباريات متتالية في مرحلة المجموعات في المسابقة القارية، وكذلك أول عراقي يصل إلى رصيد 5 أهداف في المرحلة ذاتها.هز شباك إندونيسيا في مرة، وهز شباك اليابان في مناسبتين فبكى من "قهر الرجال" في ظل انتصار تاريخي، وكرر الثنائية أمام فيتنام ليمنح العراق العلامة الكاملة، ويحتفل على طريقة أسطورة المنتخب السابق يونس محمود، الذي يستبشر به العراقيون بعد أن حمل لقب كأس آسيا قبل 17 عاما.أيام سعيدة لأيمن حسين، الذي تصدر هدافي كأس الخليج قبل عام من الآن، وقاد العراق للقب مفقود منذ عقود، ولكن تلك الأيام قد جاءت أخيرا بعد بدايات مأساوية، ولحظات قاسية تملؤها سهام الانتقادات التي لا ترحم.الحرب.. الفقد.. وأشياء أخرىوُلد أيمن حسين في مدينة الحويجة التابعة لمحافظة كركوك في شمال العراق، في عام 1996، وقد مرّ بطفولة صعبة.كان والده ضمن أفراد الجيش العراقي، وكان بالكاد يتمّ عامه الـ12، حين قُتل الوالد على أيدي تنظيمات مسلحة في عام 2008.عن فقدان والده، قال نجم منتخب العراق الحالي في لقاء تلفزيوني سابق: "اتصلنا بوالدي لطلب شيء منه للمنزل، فأجابنا أحد الأشخاص وقال إنه في المستشفى".وتابع: "لم أصدق في البداية وقلت لأخي إنه كاذب، تحدثت والدتي بعدها مع أحد الأشخاص وعلمت أن الأمر حقيقي".وأوضح: "تنظيم القاعدة هدده عدة مرات وطالبه بترك الجيش العراقي لكنه رفض، أحد عناصره أطلق عليه رصاصة في قلبه وقد استشهد قبل وصوله المشفى. للأسف لم يستطع أن يعيش ليراني نجما في ملاعب كرة القدم".وما بين مولده وفقدان أبيه، حاول الطفل أيمن التعايش مع أصوات الانفجارات والاشتباكات التي ملأت أنحاء بلاده، تزامنا مع الغزو الأميركي للعراق في 2003، وما تبعه من أحداث.لم تتوقف الأحداث المأساوية هنا، فقد عاش لاحقا فقدان أخيه الأكبر، الذي لا يُعرف مصيره حتى كتابة هذه السطور، بعد أن تعرض للخطف على يد تنظيم "داعش" في عام 2014.أحداث أليمة اضطر لمعايشتها، ولكنه أصرّ على استكمال مسيرته في عالم كرة القدم، لتعويض نفسه وأسرته عن هذه الآلام، وإن لم يسلم من سهام النقد.مسيرة مليئة بالصعوباتلم تكن مسيرة أيمن حسين نحو النجومية الحالية بالسهلة، فقد شقّ طريقه بداية من فريق الناشئين بنادي "العلم" التابع لمحافظة صلاح الدين، ومنه إلى نادي الطوز المغمور في محافظة كركوك، والذي ينافس في الدرجة الثالثة العراقية، ثم لعب لناشئي نادي "غاز الشمال"، قبل أن تبدأ مسيرته الاحترافية مع نادي دهوك.تزامن خطف أخيه الأكبر، ثم قصف قوات "داعش" لمنزل أسرته وتدميره بالكامل مع فترة لعبه في دهوك، الذي قرر الاستغناء عنه نظرا لأزمة مالية ضربت إقليم كردستان في ذلك الوقت، ليقرر بعدها الابتعاد عن الملاعب لما يقارب العامين.في شتاء عام 2015، عاد حسين إلى ممارسة اللعبة بألوان فريق النفط، وكان تألقه الأبرز في موسم 2016-2017 حين سجل 12 هدفا في 10 مباريات ووضع الفريق على قمة الدوري المحلي، قبل أن تضربه الإصابة وتغيّبه عن الملاعب حتى اقتراب نهاية الموسم، حيث عاد مرة أخرى وقاد الفريق إلى وصافة الدوري، وكانت أفضل نتيجة لفريق النفط في تاريخه.في أغسطس 2017، وقّع حسين لنادي الشرطة العراقي، ولكنه لم يستمر طويلا ليعود إلى النفط في الموسم التالي.لا يصلح لتمثيل العراق؟بداية من 2018، خاض أيمن حسين أول تجاربه خارج العراق، فانتقل إلى الصفاقسي التونسي، ولكنه لم يستمر طويلا ليعود إلى بلاده من بوابة فريق القوة الجوية، حيث كان تألقه الأكبر على مدار موسمين.بعد أن سجل 26 هدفا في 33 مباراة، عاد أيمن لتخوض تجربة احترافية فانتقل إلى الدوري القطري، ولعب موسما بألوان أم صلال، وآخر بألوان المرخية، وسجل 17 هدفا إجمالا مع الفريقين.عام 2023 كان مليئا بالتقلبات، فبعد تألقه في كأس الخليج انتقل إلى الجزيرة الإماراتي، ولكنه لم يثبت أقدامه، ليخوض تجربة قصيرة للغاية مع الرجاء البيضاوي المغربي، وقد تم فسخ عقده بعد خوض 5 مباريات فقط في ظل عدم رضا الجماهير عن ما قدمه، ليعود مرة أخرى إلى القوة الجوية ويتألق خلال الموسم الجاري، ويجذب أنظار خيسوس كاساس.يظن كاساس أن نجم هجوم منتخب العراق هو "لاعب قمة"، وقد أكد في تصريحات عقب مباراة اليابان الأخيرة أنه لا يبالي بالانتقادات الموجهة إلى نجم فريقه، ولكن وقع الانتقادات لم يكن سهلا على أيمن حسين.يمكن أن تبحث بتواريخ قديمة عن آراء الجماهير العراقية على مواقع التواصل الاجتماعي، فتجد آراء عن "اللاعب الفاشل" أو ذلك الذي "لا يستحق تمثيل ألوان العراق"، وما شابه من الآراء.رأسيتان تهزان شباك العملاق الياباني في الملاعب القطرية، كانت الحد الفاصل الذي جعله يذرف الدموع، وقد علّل ذلك بـ"إصابته بالإنفلونزا"، ولكن الواقع أنها دموع جاءت بعد كثير من المعاناة.نحو اللقب الثانيقبل 17 عاما، كان هناك "سفاحًا تهديفيًا" بلغة كرة القدم، يُدعى يونس محمود، قاد العراق إلى تتويج تاريخي في عام 2007.سجل أيمن حسين في شباك فيتنام، فاحتفل على طريقة يونس، وقد منح العراقيين الأمل نحو تكرار هذه المعجزة التي لا زال يُحكى عنها مع حلول كل نسخة من كأس آسيا.عقب الفوز على اليابان، قال أيمن في تصريحات صحفية: "مساندة الجماهير العراقية والعربية كان لها الأثر البالغ.. نعدهم بتحقيق المزيد".فإلى أي مدى تصل أحلام "سفاح العراق التهديفي" الجديد في ملاعب قطر؟(المشهد)