تشهد بطولتا كأس آسيا وكأس إفريقيا في كرة القدم، واللتان تستضيفهما حاليًا قطر وساحل العاج على التوالي، مشاركة 15 منتخبًا عربيًا، بعضها ودّع المنافسات مبكّرًا والبعض الآخر ما زال حاضرًا في معمعة الصراع.في "القارة الصفراء"، تحمل السعودية (3 ألقاب) بالتخصص وقطر المتسلحة بالأرض والجمهور وحاملة لقب واحد (2019)، إلى جانب العراق بطل 2007 والعائد بقوة، لواء التحدي في مواجهة منتخبات تقليدية اعتادت دخول "العرس الآسيوي"، مرشحة لولوج النقطة الأعلى من المنصة، تتقدمها اليابان الأكثر تتويجًا (4 مرات)، إيران (3)، كوريا الجنوبية (2)، وأستراليا (1) التي لا تنتمي إلى القارة بل جرى إقحامها في آسيا عام 2006 بحجة واهية تتمثل في "رفع جودة المنافسات". مطلوب وغير مطلوب ما هو مطلوب من السعودية عادةً هو غيره المطلوب من قطر، لكنه يتساوى اليوم لأنّ "الأخضر" لاعب أساسيّ في القارة، و"العنابي" مستضيف وحامل اللقب. أما بقية العرب من منتخبات فهي مجرد "محاولات" لاجتراح معجزة من هنا وأخرى من هناك. لدى تقدم العراق على اليابان بهدفين في النسخة الراهنة، فرض سؤال نفسه: أيعقل أن يسقط منتخب "الساموراي الأزرق" أمام فريق عربي، هو من تغلب على ألمانيا وإسبانيا في مونديال 2022 قبل أن يعود ليسحق الألمان أنفسهم 1-4 وديًا قبل أشهر في عقر دارهم؟ فاز العراق 1-2 ووُضع الانتصار في إطار "المفاجأة الكبرى". وعندما تقدم الأردن على كوريا الجنوبية 1-2 حتى اللحظات الأخيرة التي شهدت التعادل، كان البعض يفترض عيشَ حلمٍ ورديٍّ. خسارة سوريا أمام أستراليا "العملاقة" بهدف اعتُبر نتيجة مشجعة لـ"نسور قاسيون". هي مفاجآت يمثل تحليلها لازمة تطل برأسها مع كل بطولة ولا يجري البناء عليها لجعلها "ثابتة". "العمل بالقطعة" يفرز في الغالب تراجعًا مطّردًا أمام "القوى الكبرى"، وهنا الحجة جاهزة لتبرير الهزيمة، فهي جاءت أمام عملاق من عمالقة آسيا. وقد يعكس تقدمًا حقيقيًا يأتي في بعض الأحيان متلازمًا مع تقدّم "كبار آسيا"، وهنا تنحصر الحجة بعد الخسارة في "أننا حاولنا ولم نفلح". لم يجرِِ يومًا تحليل سبب التخلف وعلاجه. ربما تمّ ذلك، لكنّ عشرات الأعوام مرت من دون تغيير جذريّ في الواقع المرّ. السؤال المحيّر يتمثل في معرفة السبب في ثبات "القوى الكبرى" داخل خانة الترشيح، وعدم اقتراب القوى العربية منها باستثناء السعودية أحيانًا، قطر مؤخرًا، والعراق حتى اللحظة. نسأل أيضًا: أين الكويت أول بطلة عربية لكأس آسيا في 1980؟ لديها 10 مرات (رقم قياسي) لم تتأهل حتى إلى النسخة الراهنة. لا تفوز اليابان أو كوريا الجنوبية أو أستراليا أو إيران دائمًا باللقب. هذا واقع يؤكده سجل البطولة، لكن فرْض هوية "المرشح الدائم" هو ما يميزها استنادًا إلى معطيات راسخة، بينها أنّ عددًا كبيرًا من لاعبيها ينشط في أوروبا. حضورها الدوريّ في كأس العالم ربما وتحسن مردودها في المحفل الدوليّ نسخة بعد أخرى، يمنحها أيضًا تلك الميزة. النوعية والعقلية في مقابل مشاركة 10 منتخبات عربية في كأس آسيا، ثمة 5 في كأس إفريقيا. مصر التي بلغت ثمن نهائيّ البطولة الراهنة من دون فوز (3 تعادلات)، هي حاملة اللقب 7 مرات (رقم قياسي). اعتادت دخول المعترك مرشحة من الصف الأول. "الفراعنة" يقاربون الحدث بشكل فريد. هي بطولتهم المحبّبة التي صنعت منهم زعماء لـ "القارة السمراء". المغرب، وبعد حلوله رابعًا في مونديال 2022، جدد هويّته كمرشح دائم، مبدئيًا، في الطريق لإضافة لقبٍ ثانٍ بعد 1976. الجزائر، بطلة 1990 و2019، خرجت من الدور الأول تجر ذيول الخيبة، على منوال تونس الباحثة دائمًا عن نفسها وعن لقبٍ ثانٍ بعد 2004. الوضع في إفريقيا مختلف عنه في آسيا. الكاميرون (5 ألقاب)، غانا (4)، نيجيريا (3)، ساحل العاج (2) والسنغال حاملة اللقب (1) وغيرها، أسماء كبيرة تستقي ذاك الكِبَر من تاريخ مجيد فرض نفسه "على مراحل"، أو ربما من اكتظاظ صفوفها بنجوم ينشطون في أكبر الأندية الأوروبية. إنها ثوابت "اسمية" وليس "فعلية". قد تتوّج إحداها بلقب. قد تخرج من دور المجموعات، أو لا تتأهل حتى. في آسيا، كل شيء منظم. بطولتها مسرحية واضحة المعالم. تبدو مفاجآتها مستقاة من سيناريوهات معروفة أحيانًا. أما في إفريقيا، فإنّ خشبة المسرح قابلة لخيانة البطل والاتجاه لتتويج "كومبارس"، من دون مشاكل. وَقْعُ وصول منتخب "عادي" إلى منصة النصر الإفريقيّ، ليس بالقوة نفسها مقارنة بوصول فريق من النوعية ذاتها إلى منصة النصر الآسيوي. عاشت كأس إفريقيا التي تقام مرة كل سنتين 33 نسخة منذ 1957، تُوّج فيها 15 منتخبًا، فيما شهدت كأس آسيا التي تقام مرة كل 4 أعوام، 17 نسخة منذ 1956 اعتلى فيها منصة التتويج 9 منتخبات فقط. كأس آسيا وكأس إفريقيا بطولتان مختلفتان تمامًا، لكن ما يجمعهما هو ذاك الترنُّح العربيّ بين مرشح دائم ومرشح موسمي... وبين بطل راسخ وبطل عابر.