ساعات قليلة تفصلنا عن المواجهة المرتقبة بين أرسنال وريال مدريد في ذهاب الدور ربع نهائي من دوري أبطال أوروبا، إذ عبّر النرويجي مارتن أوديغارد، قائد "المدفعجية"، عن سعادته الكبيرة بخوض هذا التحدي قائلاً: "إنها لحظات تعيش من أجلها كلاعب، منذ الصغر كنت أشاهد دوري الأبطال وأحلم بمثل هذه الليالي". وأضاف النرويجي للموقع الرسمي لناديه: "اللعب ضد فريقي السابق يجعل هذه المباراة أكثر تميزًا، ما زلت أحتفظ بالكثير من الأصدقاء هناك، والعديد من أفراد الطاقم الفني لا يزالون في النادي، بمن فيهم المدرب كارلو أنشيلوتي". وتابع أوديغارد حديثه قائلًا: "نعرف تمامًا مدى قوتهم، هم دائمًا يظهرون في اللحظات الكبيرة، لكننا نركز على أنفسنا، لقد تطورنا كثيرًا كفريق، ونحن مستعدون لهذا التحدي". وأكد اللاعب أن اللعب على أرضية ملعب الإمارات يمنح الفريق أفضلية معنوية، مشيرًا إلى أن الدعم الجماهيري سيكون "مفتاحًا أساسيًا" في المواجهة، كما أبدى إعجابه بمشاهدته الأخيرة لمباراة أرسنال ضد ريال مدريد في 2006 قائلاً: "الجميع يتذكر هدف تيري هنري، ونأمل أن نكتب فصلًا جديدًا الليلة". موهبة نادرة.. ونشأة مبكرة تحت الأضواء قبل أن يصبح أوديغارد أحد أعمدة أرسنال، كانت بدايته محط أنظار كبار أوروبا. ففي سن العاشرة، لفت الأنظار بمهاراته مع نادي سترومسغودست النرويجي، حيث قال مدير الأكاديمية، ستين لوند: "رأيته لأول مرة وكان صغيرًا جدًا، لكنه يملك سيطرة مذهلة على الكرة. كنا نعلم أننا أمام موهبة فريدة". وبحلول عامه الـ13، بدأ أوديغارد يتدرب مع الفريق الأول، وشارك في مباريات ودية أظهر فيها تمريرات دقيقة ورؤية استثنائية للملعب، رغم بنيته الضعيفة. وأضاف لوند: "رغم إصابته في عمر 14، كان ملتزمًا بخطة التأهيل التي وضعها له عمه، وكان يتدرب كل يوم بدقة متناهية. لم يغش يومًا، وكأنه لاعب دولي محترف". كان والد أوديغارد، هانس إيريك، لاعبًا سابقًا في سترومسغودست، وكان حريصًا على تطوير ابنه بعيدًا عن الضغوط المادية. يروي لوند واقعة، نقلها تقرير من شبكة "بي بي سي" البريطانية، من أول عقد احترافي لمارتن: "الشرط الوحيد في العقد كان ألا يُمنع من التدرب متى شاء، لا من مدرب اللياقة ولا من الطاقم الطبي. لم أرَ شيئًا كهذا من قبل". وفي موسم 2014، سجل أوديغارد أرقامًا مذهلة رغم صغر سنه. ففي عمر 15 عامًا فقط، أصبح أصغر لاعب وأصغر هداف في تاريخ الدوري النرويجي، حيث خاض 23 مباراة سجل خلالها 5 أهداف وصنع 7 أخرى، كما أصبح أصغر لاعب في تاريخ منتخب النرويج. ريال مدريد.. الحلم الكبير الذي انكسر تدريجيًا في يناير 2015، فاز ريال مدريد بالسباق على توقيع أوديغارد، بعد اهتمام من أندية مثل ليفربول، ومانشستر يونايتد، وبايرن ميونخ ودورتموند. وفي مؤتمر تقديمه، ظهر الشاب النرويجي بملابس عادية قائلاً: "لا يوجد ضغط. جئت لتطوير نفسي، سواء مع الفريق الأول أو الرديف". اختار أوديغارد ريال مدريد لأسباب فنية وعائلية، حيث عُيّن والده ضمن طاقم تدريب فرق الشباب، وسمح له بعقد استثنائي يقضي بالتدريب مع الفريق الأول واللعب مع كاستيا، تحت إشراف زين الدين زيدان. لكن هذا الوضع الغريب جعله "لا ينتمي" لأي من الطرفين، ويقول المحلل الشهير غيليم بالاغ: "كان محاطًا بكبار النجوم مثل رونالدو وبيل ومودريتش، لكنه لم يكن مندمجًا تمامًا لا مع الكبار ولا مع الرديف".ظهر لأول مرة مع الفريق الأول في مايو 2015، عندما دخل بديلًا لكريستيانو رونالدو في فوز على خيتافي، وهي المباراة التي شهدت أيضًا وداع أنشيلوتي. فيما بعد، كشف المدرب الإيطالي: "حين يشتري فلورنتينو بيريز لاعبًا نرويجيًا، فعليك أن تقبل بذلك. لقد طلب منه الرئيس الظهور 3 مرات لأغراض دعائية". تحت قيادة بينيتيز، تقلصت فرصه أكثر، ولم يشارك سوى في مباريات ودية، أبرزها لقاء في أوسلو لزيادة شعبية النادي هناك. حتى مع عودة زيدان مدربًا، لم يكن الوضع أفضل، إذ عانى أوديغارد من تراجع الثقة، وغالبًا ما كان يلعب في غير مركزه، ما أثر على مستواه بشكل ملحوظ. أدرك أوديغارد أنه لا يتطور، وقال لاحقًا: "كنت مع الفريق الرديف بلا انسجام، ومع الأول مجرد شاب يتدرب. لم أكن أتقدم". لذا، قرر مغادرة مدريد في يناير 2017 إلى هيرنفين الهولندي، ثم قضى موسمًا ناجحًا مع فيتيسه، حيث فاز بجائزة لاعب العام. العودة إلى الحياة في أرسنال في صيف 2019، انتقل أوديغارد إلى ريال سوسييداد على سبيل الإعارة، وقدم موسمًا لافتًا، سجل فيه في شباك ريال مدريد نفسه في كأس الملك. هذا الأداء جعله يعود إلى مدريد بطموحات جديدة، لكن الإصابات والاختيارات الفنية أوقفته مجددًا، ولم يشارك سوى في 9 مباريات قبل أن يطلب الرحيل. في يناير 2021، انضم إلى أرسنال على سبيل الإعارة، ثم وقع نهائيًا في أغسطس مقابل 30 مليون جنيه إسترليني. منذ ذلك الحين، أعاد اكتشاف نفسه، وأصبح قلب الفريق النابض وقائده داخل وخارج الملعب. قبل مباراة اليوم، أشاد به مدربه السابق أنشيلوتي قائلاً: "أوديغارد امتلك الشجاعة ليبحث عن فرصته، وأصبح الآن أحد أفضل لاعبي أوروبا. كان يملك نفس الموهبة حين كان عمره 17 عامًا". أما أوديغارد، فلم يبدُ يومًا نادمًا على تجربته الصعبة في مدريد، بل قال عنها: "تعلمت الكثير عن متطلبات القمة". لكنه لم يجد بيته الحقيقي إلا في شمال لندن، حيث يحظى الآن بثقة الجميع، من زملائه إلى مدربيه وجماهير "الغانرز". وختم ستين لوند حديثه بفخر قائلاً: "لم أكن أتصور أنه سيكون قائدًا لأرسنال. لو قلت لي هذا آنذاك، لظننتك مخمورًا. لكنه أثبت أنه ليس فقط لاعبًا رائعًا، بل شخص أفضل".(المشهد)