يعتقد كثر، وعن حسن نية في معظم الأحيان، أنهم يخدمون البيئة من خلال شراء ملابس معاد تدويرها، غير أن قلّة ربّما يدركون أن السواد الأعظم من المواد المستخدمة في هذه المنتجات مصدرها عبوات بلاستيكية، من دون أي حماية فعلية للكوكب.في متجر رئيسي تابع لعلامة "اتش اند ام" التجارية في باريس، يصعب العثور على ملابس لا تحمل مؤشراً إلى أنها مصنوعة من "مواد معاد تدويرها". وفي العام الماضي، كان 79% من البوليستر المستخدم في مجموعاتها متأتياً من مواد معاد تدويرها، فيما تسعى الشركة إلى أن تعتمد بالكامل على هذه المواد اعتباراً من السنة المقبلة. وقالت شركة الأزياء السويدية العملاقة لوكالة فرانس برس إن المواد المعاد تدويرها تسمح "للقطاع بتقليل اعتماده على البوليستر البكر المصنوع من الوقود الأحفوري". لكنّ المشكلة بحسب أورسكا ترنك من مجموعة "تشانجينغ ماركتس"، تكمن في أن "93% من جميع المنسوجات المعاد تدويرها حالياً تأتي من عبوات بلاستيكية، وليس من ملابس قديمة" وبعبارة أخرى، من الوقود الأحفوري. وفي حين يمكن إعادة تدوير العبوات البلاستيكية 5 أو 6 مرات، فإن القميص المصنوع من البوليستر المُعاد تدويره "لا يمكن إعادة تدويره بتاتاً" في المستقبل، وفق ترنك. ويُصنع كل البوليستر المعاد تدويره تقريباً من مادة PET (بولي إيثيلين تيريفثاليت) الموجودة في العبوات البلاستيكية، وفقاً لمنظمة "تكستايل إكستشينج" غير الربحية. في أوروبا، يتمّ التخلّص من معظم مخلّفات المنسوجات أو حرقها. ويعاد تدوير أو استخدام 22% فقط منها، ثمّ يُحوّل معظمها إلى مواد عازلة أو تُستخدم لحشو المراتب أو كأقمشة للتنظيف. وقالت المفوضية الأوروبية إن "أقل من 1% من الأقمشة المستخدمة في إنتاج الملابس يُعاد تدويرها وتحويلها إلى ملابس جديدة". كما أن إعادة تدوير المنسوجات "أكثر تعقيدا بكثير من إعادة تدوير مواد أخرى، مثل الزجاج أو الورق"، وفق شركة لينزينغ النمساوية المشهورة بأليافها الخشبية. غير قابلة لإعادة التدويرفي المقام الأول، تُعتبر الملابس المصنوعة من أكثر من نوعين من الألياف غير قابلة لإعادة التدوير. وتُفرز الملابس التي يمكن إعادة تدويرها حسب اللون، ثم تزال السحّابات والأزرار والمسامير وغيرها من المواد. ويقول الخبراء إن هذا الأمر مكلف في كثير من الأحيان ويتطلب الاستعانة بعدد كبير من العمال، على الرغم من أن مشاريع تجريبية بدأت تظهر في أوروبا، على ما تقول ليزا بانهوبر من منظمة "غرينبيس". ومع ذلك، فإن هذه التكنولوجيا لا تزال "في مهدها"، بحسب ترنك. قد تبدو إعادة استخدام القطن بمثابة حل بديهي، ولكن عندما يعاد تدويره، تنخفض جودته كثيراً لدرجة أنه غالباً ما يتعين نسجه بمواد أخرى، وفق الخبراء، ما يعيدنا إلى مشكلة الأقمشة المختلطة. ولحل مشكلة إعادة التدوير، استخدمت علامات تجارية للأزياء البلاستيك المعاد تدويره، ما أثار الغضب والانزعاج لدى قطاع صناعة المواد الغذائية، الذي يدفع تكاليف جمع العبوات المستخدمة المصنوعة من مادة PET. وكتب قطاع صناعة المشروبات في رسالة مفتوحة إلى البرلمان الأوروبي العام الماضي: "فلنكن واضحين: هذه ليست (عملية) دائرية"، مندداً بـ"الاتجاه المقلق" لقطاع صناعة الأزياء الذي تجاهر بـ"ادعاءات عن مراعاة البيئة من خلال استخدام المواد المعاد تدويرها". ولا تشكل إعادة تدوير البوليستر أيضاً الحل المناسب، بحسب العضو في شبكة "زيرو وايست نتوورك"لوريان فيار.وشددت فيار على أن البوليستر غالباً ما يكون غير نقي أو ممزوج بمواد أخرى مثل الإيلاستين أو الليكرا، ما "يمنع أي إعادة تدوير". ولا يختلف جان باتيست سولتان، من منظمة "كربون 4" غير الحكومية، في الموقف من هذه المادة. ويقول "من تصنيعه إلى إعادة تدويره، (البوليستر) يلوث الماء والهواء والتربة". في الواقع، تطالب المجموعات البيئية قطاع النسيج بالتوقف عن إنتاج البوليستر بالكامل، رغم أنه يمثل أكثر من نصف إنتاجها، بحسب "تكستايل إكستشينج". "خرافة" إعادة التدويرالحقيقة المرة في هذا المجال هي أن "إعادة التدوير ليست سوى خرافة في قطاع الملابس"، وفق الخبيرة في شؤون الاستهلاك في منظمة "غرينبيس" بانهوبر. مع ذلك، يتجه آخرون نحو ألياف نباتية جديدة، إذ تستخدم العلامة التجارية الألمانية "هوغو بوس" Hugo Boss مادة "بيناتكس" Pinatex المصنوعة من أوراق الأناناس في بعض أحذيتها الرياضية. ويتوقف توماس إيبيلي من شركة "سلو وي ار" SloWeAre عند الطريقة التي تُجمع من خلالها هذه الألياف غير المنسوجة معاً "في معظم الحالات" باستخدام البوليستر الحراري. ويشير إلى أن هذا يعني أنه على الرغم من أن الملابس يمكن أن "تتفكك في بعض الأحيان"، فإنها غير قابلة لإعادة التدوير. لكن "المشكلة الأكبر تكمن في كمية الملابس التي يتم تصنيعها"، وفق سيليست غرييه من منظمة "كربون 4". بالنسبة لبانهوبر و"غرينبيس"، الحل بسيط وهو شراء كميات أقل من الملابس. وتقول: "علينا خفض الاستهلاك، وإصلاح (الملابس)، وإعادة الاستخدام والتدوير". (أ ف ب)