غالبًا ما يُفترض أنّ الإنسان الحديث لم يعد يتطور، ولكن هناك الآن اتفاق كبير بين العلماء على أنّ التطور لا يزال يؤثر على جنسنا البشري، وأنّ هذه العملية تحدث "بسرعة أكبر" من أيّ وقت مضى، حسبما قال أحد الخبراء لمجلة نيوزويك.وفي حين تبدو الابتكارات الثقافية والتكنولوجية الآن هي المحرك الرئيسي للتكيّف لدى الإنسان الحديث، إلا أنّ هذا لم يحلّ محلّ التكيّف البيولوجي، وفقًا للعلماء.وتعيد هذه الأفكار الداروينية إلى الواجهة كنظرية تشرح التطور البيولوجي التي تنصُّ على أنَّ جميع الكائنات الحيّة تنشأ وتتطور من خلال عملية الانتقاء الطبيعي للطفرات الموروثة، التي تزيد من قدرة الفرد على المنافسة والبقاء على قيد الحياة .يقول مايكل جراناتوسكي، عالم الميكانيكا الحيوية التطورية في معهد نيويورك للتكنولوجيا، لمجلة نيوزويك: قد نفترض أنّ المجموعات السكانية الحديثة لم تعد تحت ضغوط انتقائية. ومع ذلك، فإنّ التطور يعني ببساطة تغييرًا في الجينات السكانية على مدى أجيال متتالية. ومع هذا التعريف الأوسع، لا أعتقد أنّ هناك جدلًا كبيرًا بين علماء التطور". وقال علماء الأحياء إنّ البشر ما زالوا يتطوّرون.علم الوراثة التطوريةوقال جيسون هودجسون، عالم الأنثروبولوجيا وعالم الوراثة التطورية في جامعة أنجليا روسكين في المملكة المتحدة، لمجلة نيوزويك، إنه من منظور وراثي، يتمّ تعريف التطور على أنه تغيير في تواتر جينات معينة عبر الزمن. ويتطور السكان بطريقتَين أساسيّتين: الانجراف الوراثيّ والانتقاء الطبيعي. ويشير الانجراف الوراثيّ إلى التقلبات العشوائية في ترددات جينات معينة بين الأجيال في المجموعات السكانية.وقال هودجسون: "في بعض الأجيال، سيزداد تواتر المتغيّر الجيني، وفي بعض الأجيال سيقل تواتره. ومع ذلك، فهو يحدث دائمًا". وأضاف "تعتمد قوة الانجراف الوراثيّ على حجم السكان، حيث تعاني المجموعات السكانية الصغيرة مزيدًا من الانجراف، بينما تعاني المجموعات الكبيرة انجرافًا أقل. والمصير النهائيّ لأيّ متغير جينيّ يتطور من خلال الانجراف الوراثي، هو إما الانقراض، أو استبدال جميع المتغيرات الأخرى بالكامل. في عدد السكان وتصبح ثابتة".ومن ناحية أخرى، يحدث الانتقاء الطبيعي، الذي يعرفه الناس أكثر، عندما يوفر المتغير الجينيّ ميزة إنجابية للأفراد الذين يحملونه. التغيرات في تواتر الجينات بسبب الانتقاء الطبيعيّ ليست عشوائية. يزداد المتغير المفضل في التردّد، بينما تنخفض جميع المتغيرات الأخرى. كيف يؤثر التطور على البشر؟وقال هودجسون إنّ الانتقاء الطبيعي والانحراف الوراثيّ يستمران في التأثير على جنسنا البشري، وبالتالي فإنّ البشر "بلا شك" ما زالوا يتطورون. يستمر الانجراف الوراثيّ في تغيير تواتر الأليلات، وهي إصدارات أو متغيرات مختلفة لجين معيّن، كما يحدث في جميع المجموعات البيولوجية."لقد تجاوز حجم التعداد البشريّ الآن 8 مليارات شخص. في مجتمع بهذا الحجم، يجب أن يكون الانحراف الوراثيّ ضئيلًا تقريبًا. ومع ذلك، في الواقع، ينقسم البشر إلى مجموعات أصغر بكثير، حيث من المرجح أن يختار الناس رفاقهم". قال هودجسون "هذا يعني أنه من الناحية العملية، يحدث التطور في مجموعات أصغر بكثير، ولا يزال الانجراف الوراثيّ قائمًا".وأوضح هودجسون أنه: "ليس كل التغير التطوري يتعلق بأشياء مثل الموت بسبب المرض، أو المخاطر التي تواجهها البيئة القاسية". "أيّ شيء يخلق تباينًا في معدلات المواليد بين المجموعات، طالما أنّ هناك اختلافات في ترددات الأليلات بين تلك المجموعات، سيخلق تغيرًا تطوريًا. ولأنّ ترددات الأليلات تختلف بين المجموعات البشرية، فإنّ أيّ اختلاف في معدل التكاثر بين تلك المجموعات، سوف يسبب التطور إذا كنا ينظرون إلى الجنس البشريّ ككل".(ترجمات)