قبل أكثر من 127 عاما استضافت مدينة الإسكندرية أول فيلم قصير بعد عرضه الأول في فرنسا، لتضع الخطوة الأولى في مسيرة أهم وأقدم السينمات في منطقة الشرق الأوسط وشمال إفريقيا، آخذة في عرض وإنتاج المزيد من الأفلام القصيرة، لتبدأ بحلول عام 1927، بإنتاج أول فيلم روائي مصري يحمل اسم "ليلى"، من بطولة عرابة السينما المصرية عزيزة أمير.تراجع الإنتاجخلال هذه الحقبة الممتدة لأكثر من قرن، شهدت السينما المصرية إنتاج أكثر من 4000 فيلم، من بينها نحو 24 فيلما فقط في عام 2022، ما يُعتبر العام الأقل من حيث الإنتاج خلال السنوات الماضية، وهو ما فسره النقاد وصنّاع السينما نتيجة الأزمة الاقتصادية العالمية الراهنة التي تسببت في ارتفاع تكاليف الإنتاج.ويقول المنتج السينمائي المصري عادل حسني في حديث لمنصة "المشهد": "المنتجون تأثروا بارتفاع الأسعار، وتكاليف الأفلام تزايدت بشكل كبير، حيث وصلت تكلفة (أصغر) فيلم نحو 40 مليون جنيه حاليا (1.4 مليون دولار تقريبا)".ويضيف حسني الذي أنتّج في فترة الثمانينيات مجموعة واسعة من بينها أفلام "حبيبتي من تكون" و"موعد مع الرئيس": "الممثلون قاموا برفع أجورهم بشكل كبير، نظرا لأنهم يحصلون على مبالغ ضخمة نظير المشاركة في الإعلانات الترويجية والتي يستغرق التصوير بها من يوم إلى يومي عمل، وذلك بالمقارنة مع الوقت المستغرق للتصوير في الفيلم والذي يصل إلى 6 أسابيع".وقلل حسني من تفوق السينما الهندية واكتسابها زخما على الساحة العالمية بالمقارنة مع السينما المصرية التي تعتبر الأقدم، لكنه قال إن الأفلام الهندية تنتشر في مناطق كثيرة في قارة آسيا، وذلك يرجع إلى غزارة الإنتاج السنوي للأفلام نظرا لانخفاض التكاليف.بدورها، تقول الكاتبة والناقدة الفنية ماجدة خير الله في حديثها مع منصة "المشهد": "هناك الكثير من الشركات توقفت عن الإنتاج بسبب ارتفاع التكاليف، في الوقت الراهن هناك تكاليف مرتفعة للتصوير في الشارع أو حتى الضرائب المفروضة، كما أن دور العرض السينمائية لا تشجع كل الأفلام الجيدة، بل تسعى لإتاحة الأفلام التي تحقق مكاسب كبيرة في وقت قصير".الوصول إلى العالمية وحول عدم وجود السينما المصرية على الساحة العالمية، اعتبر حسني أن اللغة هي أحد أهم العوائق في ذلك، مضيفا أنه "إلى جانب ذلك يوجد تحديات المرتبطة بالتوزيع وخطابات الضمان التي تطلبها الشركات الأجنبية والتي تصل إلى نصف مليون دولار، تأتي في المرتبة الثانية".وبنبرة متشائمة قال حسني: "لا يمكن للسينما المصرية أو العربية الوصول إلى العالمية"، ليتابع بالقول: "نعم لدينا العديد من الفنانين لهم بصمات واسعة في السينما العالمية كالممثل عمر الشريف والمخرج السوري مصطفى العقاد.. كما أن هناك بعض الأفلام المصرية كانت تشارك في مهرجانات دولية لكنها لا تترك أي بصمة".واعتبرت خير الله أن إنتاج فيلم جديد في الوقت الحالي أصبح "مجازفة"، وأن السوق المصرية تسيطر عليه نوعين من الأفلام هما أفلام الحركة والأفلام الكوميدية.وتضيف خير الله، وهي صاحبة قصة وسيناريو وحوار فيلم "العفاريت" الذي عُرض في السينما عام 1990، ولقي رواجا جماهيريا واسعا: "ليس هناك أي تشجيع للأفلام الجيدة، بل على العكس يتم مهاجمتها. كما أن الرقابة على المصنفات الفنية تعتبر سيفا مسلطا على الإبداع"، مشيرة إلى الفيلم المصري "ريش" الذي حصد جائزة أسبوع النقاد في مهرجان "كان" والذي لاقى هجوما واسعا.وحصد عدد محدود من الأفلام المصرية جوائز في مهرجان كان، فإلى جانب "ريش"، حصد فيلم "ستاشر" في 2020 على السعفة الذهبية كأول فيلم مصري، إذ يردد البعض أن هذا النوع من الأفلام هي أفلام مهرجانات ولا تلقى أي اهتمام جماهيري. لكن خير الله تختلف مع هذه الفكرة قائلة: "ليس هناك ما يسمى بأفلام مهرجانات أو مسابقات. لو نظرنا إلى الأفلام التي تحصد جوائز الأوسكار سنجدها حققت نجاحا لافتا في دور العرض"، لتضيف: "صحيح إن أفلام الحركة في هوليوود تحقق مكاسب ضخمة، لكن هناك أفلام راقية تحقق مكاسب أقل، ولكن لا تخسر و(تخرب بيت المنتج)". وتشير خير الله إلى أن القائمين على صناعة السينما المصرية ليس لديهم القدرة على التواصل مع العالم الخارجي والاستفادة من انتشار منصات الفيديو تحت الطلب التي أصبحت منتشرة عالميا، مدللة على ذلك بـ "محدودية توزيع الأفلام خارجيا خلال فترة سابقة بعد توقف موزعين كانوا يسيطرون على ذلك في السابق". وتضيف: " السينما المصرية منذ أكثر من 120 عاما، ونحن غير قادرين على التواصل مع العالم الخارجي، اللغة ليست مبررا لذلك ولا تعتبر عائقا.. الهند في الداخل لديها أكثر من لغة ومع ذلك الأفلام تحقق رواج ومكسب داخلي وخارجي. كما لديهم حضور لافت على منصات التتويج في المهرجانات العالمية". وتابعت بالقول: "السينمات الأردنية واللبنانية والفلسطينية تنتج عددا محدودا من الأفلام كل بضع سنوات. لكن هذه الأفلام يكون لها وصدى"، لتسأل خير الله في حديثها: لا أعلم أين المشكلة الحقيقية لصناعة السينما في مصر؟ وذكرت خير الله أن صناعة السينما تحتاج إلى مقومات عدة والأمر لا يقتصر بالأساس على إنتاج وإصدار فيلم أو أكثر سنويا لتضيف: "مصر هي الدولة الوحيدة بالمنطقة التي تمتلك كافة المقومات في صناعة السينما والوصول لأبعد من ذلك على الصعيد العالمي.. مصر لديها الأستوديوهات والمعامل والعنصر البشري وكل ما تحتاج إليه الصناعة". وأشارت إلى أن السينما المصرية مرت بمراحل تراجع في مراحل زمنية كثيرة خلال القرن الماضي منها ما حدث تحديد عقب نكسة 1967، "لكنها استردت عافيتها بعد ذلك في ثمانينيات القرن الماضي. من الطبيعي أن تكون هناك فترات ازدهار وتراجع".وفيما يتعلق بكيفية تعزيز الأفلام المصرية والعربية على الصعيد العالمي، تقول خير الله: "يجب أن يكون هناك حرية إبداع كاملة.. لا يمكن أن تحلق إلى العالمية من دون حرية إبداع.. القيود مثل القيم الدينية والتقاليد المجتمعية والرقابة المؤسسية تعوق المبدع والمبدعين". وتضيف: "أي رقابة لن ينتج عنها أي إبداع سواء في السينما، أو المسرح أو الكتابة أو الموسيقى، الإبداع يتطلب قدرا واضحا من المساحة حتى يتجاوز حدود الدول"، مشيرة في نفس الوقت إلى أن الفن حتى إذا كان يتجاوز "القيم الدينية أو العادات المجتمعية، سيكون له قاعدة من الجماهير. ومن لا يريد هذا النوع لا يقوم بمشاهدته".مجهود شخصيوفي السياق نفسه، توضح المخرجة اللبنانية زينة صفير في حديث لمنصة "المشهد" أنه "لا يمكن الحديث عن وجود سينما لبنانية، بل هناك تجارب أفلام وصلت إلى العالمية".وتابعت أن "في لبنان تسير الأمور بناء لمجهود شخصي مثلا أفلام المخرجة نادين لبكي تمّت بمجهودها الشخصي فأثبتت نفسها وتحلت بالإرادة للوصول". ومن هنا رأت أن الوصول للعالمية في لبنان هي "اجتهادات شخصية". وقدمت صفير أمثلة عن ذلك، مشيرة إلى أن عبر التاريخ، ذهب جورج نصر بفيلمه إلى "كان"، بعدها خلال الحرب الأهلية فاز مارون بغدادي بجائرة عن فيلم "خارج الحياة"، رندا شهابي فازت بـ"طيارة من ورق" في فنيز وغيرها من المهرجانات العالمية. وعن السينما المصرية، ذكرت صفير أن "مصر لديها اكتفاء ذاتي بالسينما، لكن لبنان ليس لديه الإنتاج الكبير"، مشيرة إلى أن "جائحة كورونا أدت إلى تراجع في السينما، لكن اليوم على السينما العربية العودة لأخذ نفس".للمزيد أفضل أفلام مصرية 2023(المشهد)