ستقف حائرا في اللحظة التي ستصل فيها باب العامود الشهير في القدس، الشاهق في ارتفاعه، والعريق في تفاصيله الزخرفية، منذ أكثر من ألفي عام. هل تلتقط صورة تذكارية مع هذا الباب؟ أم أنك ستحتسي القهوة عند درجاته؟ أو لربما تشتري الكعك والفلافل الذي تنفرد المدينة بطعمه؟ الأمر المؤكد الذي سيحدث معك أنك ستعيش تجربة مقدسية بجميع تفاصيلها، وأظن أنك تحتاج لشهقة لكسر الصورة التي رسمتها في مخيلتك قبل زيارتها. من النادر أن لا يعرج زائر لمدينة القدس على أسواقها العتيقة، القائمة على أرض قديمة العهد، ليمتع ناظريه بلوحة فنية تنسجها، وبضائع متنوعة تزينها، عشرات الأسواق القديمة مازالت قائمة حتى الآن داخل السور التاريخي للقدس، بين جنباتها العديد من المعالم الدينية والتاريخية البارزة، فكثير من الصناعات والأغراض لا تجدها إلا فيها، حتى وجوه البشر المتنوعة لا تراها مجتمعة إلا في هذه الأسواق، الملفت فيها أيضا أنها متصلة ببعضها البعض، ليتمكن الزائر من زيارتها جميعها دون ملل لما تحتويه من تنوع حضاري، أثرها سيدوم في النفس التواقة إلى كل ماهو أثري يعج بالحياة.باب العامودتبدأ تفاصيل حكاية الأسواق العتيقة عند باب العامود، أحد أهم المعالم المعمارية عراقة، ويكتسب أهمية خاصة لكونه المدخل الرئيسي لكنيسة القيامة والمسجد الأقصى والأحياء: المسيحي والإسلامي، وهو الشريان الرئيسي المفضي لبقية الأسواق والبيوت والمدارس والحارات، قناة ومنصة المشهد زارت تلك الأسواق ونقلت لكم صورة بهية من تفاصيلها اليومية.عند هذا الباب العريق المكتظ بالمارة والسياح وأصوات الباعة، كانت الوجهة نحو سوق خان الزيت العامر بالمتسوقين والمزدهر بدكاكينه المتلاصقة المحافظة على رونقها القديم، ويعتبر أطول الأسواق. وتمتد الحوانيت على جانبيه، وأرضيته فُرشت بالبلاط الحجري الذي تتميز به مدينة القدس، وتجد فيه تنوع غني وخيارات متنوعة للشراء.وفي منتصف السوق يتربع هرم من أهرامات القدس، هرم الزعتر البلدي الذي يمر منه المارة ذهابا وإيابا، بعدها ينتظرك محل العمد للحلاوة، لا تفوت فرصة شراء إصبع للحلاوة يعطيك طاقة لإكمال المسار.سوق الدباغةودّعنا سوق خان الزيت، واتجهنا نحو سوق الدباغة المجاور لكنيسة القيامة، تحتاج وقتا لتصل إليه نظرا لكثرة زواره، وهناك تستقبلك المطرزات والمشغولات اليدوية، فيما تنبهر بجمال ودقة تشييده وتتمنى لو أن لك بيتا من بيوت هذا السوق المطلة عليه، الذي كان يشتهر بصناعة الجلود والدباغة، أما اليوم فبات متخصصا لبيعها والبضائع التقليدية والتراثية والتحف الشرقية. أمتار قليلة تفصلك عن سوق الدباغة لتكون قد وصلت لسوق أفتيموس ذي النافورة البهية، وهو أحدث أسواق القدس العتيقة وأجملها، والذي يضم في جنباته أيضا كنيسة الفادي والكنيسة الروسية، يجمع ما بين المتعة والراحة لكثرة المطاعم فيه. بماذا تشتهر أسواق القدس القديمة؟ تعتبر أسواق القدس القديمة والتي هي خليط ما بين عهدي المماليك والعثمانيين، من بين أساسيات السياحة التي تحقق الإقبال على مدينة القدس من قبل السياح خاصة الحجاج المسيحيين، كذلك لأبناء البلد لشراء احتياجاتهم اليومية، حيث تميزت على مدار السنين بكونها أسواق الإستمتاع بكل المعروض قبل الشراء. فتتنوع بين التحف والهدايا والملابس والحلويات والبهارات والقطع النحاسية والفضية والتراثية، كما تشتهر المحلات ببيع القش والأشغال اليدوية، والبازارات ببيع الحرير والأقمشة والخزف، فالأسواق لاتقتصر على بيع تلك المنتجات فحسب، والتي ستجعلك تقضي وقتا ممتعا وأنت تتجول بين أحضانها، بل سيتعدى ذلك وجود المطاعم التي تقدم وجبات الإفطار والغداء التقليدية الشعبية، كذلك المقاهي والجلسات في الزوايا والأديرة. ويطلق اسم السوق بحسب المنتجات التي تباع فيه، ومن أشهر أسواق القدس: خان الزيت، العطارين، القطانين، اللحامين، الخواجات، البشارة، باب السلسلة، باب حطة، الحصر، باب الجديد والخليل. ليست هذه الأسواق والمعالم المقدسية سوى غيض من فيض في أزقة القدس الغنية بالكنوز، ولو سرنا الزقاق والحارات ذاتها مرارا وتكرارا، سنكتشف كل مرّة تفاصيل جديدة تستحق الزيارة والسياحة من جديد.(القدس - المشهد)