في مكتبه الكائن بأحد أقدم وأعرق الأحياء الدمشقيّة، استقبلَنا الفنان السوري القدير دريد لحام، إذ اعتاد ارتياده يوميّا كما أخبرَنا، سواء للقاء الضيوف أو لممارسة المطالعة التي لازمها إلى يومنا هذا. حين وصولنا، كان الفنان البالغ من العمر 89 عاما حاجزا مكانه خلف طاولته، مرتديا نظّارته الطبيّة، يطالع كتابا "دسمًا"، عندما أخبرنا أنّ الكتاب يتحدّث عن تاريخ دمشق لمؤرّخه "سامي مروان مبيّض"، ترسخت لديّ القناعة بأنّ هذه المدينة محفورة في داخل ابن دمشق. جلسنا حول طاولة على شكل طربوشٍ كبير، وأمامنا على الرفّ مجسّم لـ "قبقاب غوّار الطوشة" في زاوية المكتب، مشهد يعبّر عن حقبة فنّية كاملة، ملؤها الأمان والحب والدفء وتدغدغ ذاكرة أجيال متلاحقة. لكن ما لفتني أكثر، هو أنّ جدران المكتب لا تتّسع للشهادات والأوسمة ووثائق التكريم التي تلقّاها لحام خلال حياته، حتى أنني لم اتمكن من قراءة بعضها، لأنها مكتوبة بلغات لا أُتقنها. دائما ما يقول لحام إنّ تاريخي وانجازاتي طوال حياتي، يمكنك رؤيتها هنا على جدران مكتبي.الموسم الدرامي 2023 في ظل تنوّع وكثافة المسلسلات التي تُعرض على الشاشات العربية خلال شهر رمضان، والتي تختلف في طبيعة إنتاجها وبيئتها، يقول الفنان دريد لحام في حديث إلى منصة "المشهد": "أتابع المسلسلات التي يوجد فيها القليل من الموسيقى التصويرية، خصوصا أننا هذه الأيام نشهد كثيرا من المسلسلات التي تحتوي على موسيقى تصويرية تطغى على الحوار"، مضيفا: أتابع مسلسل "النار بالنار" الذي يتكلم عن مشكلة حقيقية تعنينا نحن السوريين، ومسلسل "كرزون وكرمة" الذي يشارك فيه صديق عمرطي أسامة الروماني، وأيضا أتابع مسلسل "العربجي" من بطولة سلوم حداد وباسم ياخور. يركز لحام على متابعة الدراما السورية بالتحديد، ويشيد بأعمالها على الرغم من الأزمات التي حلت بالبلاد، واصفا إياها بأنها "متألّقة ومتقدّمة ومحبّبة للناس في أنحاء العالم العربي، بخاصة أعمال البيئة الشامية، إذ يعجب الكثير بديكور البيت الشامي وطبيعته". وحول الظاهرة الأخيرة التي انتشرت على وسائل التواصل الاجتماعي المتمثّلة بظهور فنانين، وحديثهم عن وضعهم المادي السيّىء يقول لحام: "إنّ هذا الأمر يتعلق بنقابة الفنانين، ويجب على هؤلاء أن يلجؤوا إلى النقابة لكي تعطيهم حقوقهم وتضمن لهم حياة كريمة، وهنا تقع المسؤولية أيضًا على عاتق شركات الانتاج، إذ يجب ألّا تنسى هؤلاء الممثلين". تميز الموسم الدرامي لهذا العام بظهور الكثير من العناصر الفنية الجديدة من كتّاب وممثلين وغيرهم، ما يشير إلى تغيير في الفكر الإنتاجي، وإلى قوة هؤلاء الفنانين من الجيل الجديد، القادرين على فرض أنفسهم بقوة. يرد الفنان دريد لحام على هذا التغيير في الدراما قائلا: "إنّ الدراما السورية يمكنها أن تتطور أكثر من خلال احتوائها لهؤلاء الكتّاب والفنانين والمخرجين من الجيل الجديد، وهنا لا بد أن نشكر شركات الإنتاج التي فتحت لهم الأبواب، بخاصة أن شركات الإنتاج تعتمد عادة على الأسماء اللامعة والجاهزة، ولا تغامر باسم جديد لا يمتلك تاريخا فنيّا كافيا".الأعمال المشتركة إيجابية كان الفنان دريد لحام أول المشاركين في الدراما السورية - المصرية المشتركة، ومنذ عقد من الزمن عادت الدراما المشتركة إلى الظهور مجددا، إذ انتقد الكثير هذا النوع من الدراما بحجة أنها تُفقد المسلسل هويته، لكنّ لحام له رأي آخر، إذ يرى "أنّ الدراما المشتركة لا تحمل إلّا الإيجابيات، والتي تتمثل في التفاعل بين الكتّاب والمخرجين والممثلين من أكتر من دولة عربية، ما يحفّز على تبادل الخبرات والتجارب بين بعضهم البعض". ويستشهد لحام بمسلسل "النار بالنار" واللحمة الجميلة التي رأيناها بين الممثلين السوريين واللبنانيين، لكن برأي لحام "لكي تكون الدراما المشتركة فاعلة بشكل صحيح، يجب ألا يكون فيها إقحام أسماء لمجرد كونها "أسماء بيّاعة"، بل يجب أن تكون طبيعة السيناريو تستدعي هذه المشاركة". ويشدّد لحام على أنّ كل فنان حالة خاصة، "وقد يخرج من الدراما السورية ما هو أفضل من دريد لحام، لكن بالتأكيد لن يكون مثله، وخير مثال على ذلك الفنان الراحل عبد الحليم حافظ، الكثير قال إنه يقف في وجه خروج فنانين جدد، توفي عبد الحليم لكن لم نرَ أحدا حلّ مكانه". لا شك أنّ فنانا بمكانة وتاريخ لحام لا يمكنه قبول أيّ عمل فني، إذ يتبنى لحام معايير خاصة لقبوله أيّ دور، مشيرا إلى أنّ "التركيز الأول يكون فقط على النصّ، وعندما يكون السيناريو مناسبا وقيّما ليس لديّ مشكلة لناحية المقابل المادي إطلاقا، لكن دائمًا ما أحرص على أنّ أيّ عمل جديد ينبغي ألّا يخطف مستقبلي الذي هو خلفي، مسيرتي الفنية هي مستقبلي، ولا أقبل بأيّ عمل يقلّل من النجاحات التي حققتها سابقا". ردّا على سؤال حول علاقته بوسائل التواصل الاجتماعي، يكشف لحام بأنه "ليس صديقا مع السوشل ميديا إطلاقا، لذلك فهو متأخر كثيرا عن أحفاده في فهم التكنولوجيا، هم يسبقونه بمراحل من خلال استخدامهم للهاتف المحمول، الذي يمكّنهم من اكتشاف العالم بواسطته". السوشل ميديا وُجدت من أجل التواصل بين الناس بحسب لحام، "لكن اليوم كثيرا ما تُستخدم للقتل الاجتماعي، فعندما يتم نشر شائعة على مواقع التواصل الاجتماعي، يتبنّاها الناس فورا، وعند نفيها لا يتم نشر ذلك بالطريقة نفسها، وبالتالي الأمر يشبه استخدام السيارة، التي وُجدت لسهولة التنقل، لكن في بعض الأحيان تُستخدم السيارة للقتل عندما يتم استخدامها بطريقة غير صحيحة، ولا تمتلك أدنى درجات الأمان". دريد لحام يستذكر رمضان اتّخذ الفنان الشهير في الأزمة موقفا يعتبره عابرا للسياسة، واصفا إيّاه بالوطني، بقوله : "أنا أفصل بين الرأي السياسي وبين الرأي الوطني، ويجب أن يكون جميع الفنانين على خط وطنهم، قد يختلفون سياسيّا، لكن لا يجب لهذا الاختلاف والرأي السياسي أن يُقحَم بالأعمال الدرامية".يقول "غوار" كما يطلق عليه البعض إلى الآن، هناك ذكريات لا يمكن للإنسان نسيانها منها "صوت المسحراتي" الذي يتناغم مع صدى وهدوء الليل، أيضا لا أنسى أبدا اجتماع العائلة على الإفطار، إذ كنا نسكن نحن وأعمامي وعائلاتهم في بيت عربي بحيّ الأمين في دمشق، اعتدنا أن نفرش البُسط على "أرض الديار"، ونجتمع كلنا عند أذان المغرب، هذا المشهد لا يمكن أن أنساه، وفي الوقت ذاته لا يمكن أن يتكرر". وبرأي لحام، أنّ "الإنسان يجب أن يعتبر نفسه دائما في البداية ليستطيع أن يُقدم على خطوات جديدة، وأنا اعتبر نفسي في البداية وأمامي خطوات يجب أن أخطوها". ويختم لحام اللقاء بالقول: "أنصفتني الحياة، محبة الناس أعطتني حقي، والتكريمات التي تلقيتها من جميع أنحاء العالم أيضا أعطتني حقي. فأنا أحمل سبعة أوسمة على صدري من بلاد عربية مختلفة، محصّلة إنجازاتي في الحياة معلقة على جدران مكتبي، يمكن رؤيتها في الشهادات والأوسمة التي حصلت عليها". (سوريا - المشهد)