احتدام كبير يشهده مارثون الدراما الرمضانية في مصر هذا الموسم من أجل جذب أنظار الجمهور، الذي ينتظر كل عام شهر الصوم من أجل متابعة الأعمال الفنية الكبيرة لنجومه، ورغم التنوع الكبير الذي تتمتع به مسلسلات رمضان والتي تجاوز عددها الـ30، إلا أن فئة الدراما الشعبية التي تُقّدم دائماً الفتى الشعبي أو البطل الشعبي تربعت على عرش الأعمال الدرامية المقدمة هذا العام.أكثر من مسلسل في السباق الرمضاني الحالي يعتمد على تقديم شخصية البطل الشعبي من خلال أحداثه، ومن أبرز هذه المسلسلات التي حظيت باهتمامات الجمهور، مسلسل الغاوي الذي يتصدر بطولته الفنان أحمد مكي، ومسلسل فهد البطل للفنان أحمد العوضي، إضافة إلى مسلسل العتاولة 2 للنجوم أحمد السقا وباسم سمرة وطارق لطفي، وغيرها من الأعمال الدرامية التي باتت تعتمد على تقديم شخصية الفتى الشعبي.شخصية الفتى الشعبي لم تكن التجربة الأولي للنجوم التي ذكرناها آنِفاً وغيرهم من النجوم الأخرين، بل سبق لهم تقديم نفس النوع من الدراما الشعبية في ماراثونات رمضانية سابقة، وهو ما جعل الكثير من المتابعين يتساءلون عن أسباب استمرار تقديم هذه الدراما في كل موسم رمضاني.منصة "المشهد" حاولت الوقوف على معرفة أسباب انتشار الدراما الشعبية وتصدرها المشهد الدرامي للموسم الرمضاني الحالي، وذلك من خلال صُنّاع الأعمال الدرامية التي تُبرز شخصية الفتى الشعبي في أعمالهم الفنية لهذا العام، حيث يقول مخرج مسلسل الغاوي ماندو العدل، إن وجود الدراما الشعبية في السباق الرمضاني هو أمر طبيعي، ودائماً ما يكون هناك بطل شعبي في هذا النوع من الدراما. لكن العدل أشار في حديثه مع منصة "المشهد" إلى أهمية أن تكون التيمة الشعبية معبرة عن الناس بشكلٍ فعليٍ وليست مصطنعة، وأن يحتوي المسلسل على تفاصيل حقيقة ومعبرة عن الواقع الفعلي للمواطنين، مؤكدا أن هناك الكثير من المسلسلات الكلاسيكية المصرية العظيمة التي كان بطلها دائماً شعبي، وضرب مثالاً بمسلسل أحلام الفتى الطائر للزعيم عادل إمام، ومسلسل لن أعيش في جلباب أبي للفنان القدير نور الشريف.الورقة الرابحةوأكد العدل على ضرورة أن تتمتع شخصية البطل في الدراما الشعبية بمميزات وخصائص لكي تؤهله لأداء دور الفتى الشعبي، وذكر أن من أهم هذه المميزات هو أن يكون شبه الناس في الشارع وقريب منهم، وذلك من خلال امتلاكه مواصفات شخصية خاصة تجعل من ينظر إليه يقول إنه من الطبقة المتوسطة وما دون، وهذا الأمر يتجلى من خلال طريقة كلامه وملامح جسده، حتى يشعر الناس بالشخص الذي يُقّدم لهم الأعمال التي تشبههم، ويصل إليهم بطريقة سريعة، بالإضافة إلى أن يكون قادراً على إقناع الجمهور بما يقدمه.بدوره أكد الفنان محمد أمين الذي شارك في عدد من الأعمال الدرامية الشعبية، أن نوعية هذه الأعمال تتفوق عن غيرها من ألوان الدراما الاخرى، وذلك بسبب أنها تلقي قبولاً واسعاً لدى الجمهور، ودائما ما يكون النجاح حليفها وبالتالي يلجأ إليها المنتجون وصناع العمل الدرامي كل عام وخاصة في الموسم الرمضاني.وشدد أمين على أهمية أن تكون نوعية الأعمال الدرامية الشعبية انعكاساً للواقع الحقيقي للناس وتجسيداً له، وأن يتم تقديمها للجمهور بالشكل الصحيح والمطلوب، لكي تظل عالقة في أذهان الناس لأعوام عديدة، لافتاً إلى أن الدراما الشعبية التي تُقدم بشكل مبالغ فيه وغير مُقنع دائما ما يكون مصيرها الفشل، ولن يذكرها الجمهور بعد انتهاء موسم عرضها.ومن جهته أشار الناقد الفني محمد شوقي إلى أن الدراما الشعبية موجودة منذ بدء الفن في مصر، سواء في السينما أو المسرح أو حتى في الإذاعة المصرية والتلفزيون، لكنها تختلف من جيل إلى جيل ومن عبارات إلى عبارات ومن طقوس إلى طقوس، موضحاً أن الدراما الشعبية هي الورقة الرابحة في أعمل فني في أي عصر وأي ثقافة وفي أي مكان.وحول الأسباب التي تقف وراء انتشار شخصية الفتى الشعبي في الأعمال الدرامية في مصر، أكد شوقي في حديثه مع منصة "المشهد" أن أي عمل درامي أحداثه تستعرض الأمور الشعبية، تستوجب وجود بطل شعبي لها، كاشفاً أن المجتمع المصري يميل إلى الدراما الشعبية التي يتعلّق فيها بشخصية البطل، والذي يراه المُخلّص ومُحقِق أحلام الناس، وبالتالي تحظى هذه المسلسلات باهتمام واسع بين المصريين.وأشار إلى أن هذا الأمر كان دائما يحدث في المسلسلات التلفزيونية القديمة، واستعرض في حديثه أسماء لفنانين مصريين كبار لعبوا هذا النوع من البطولة أمثال أنور وجدي، ويوسف وهبي، ورشدي أباظه، وفريد شوقي، وعادل إمام، ونور الشريف.وذكر شوقي أن الفن المصري على مدي تاريخه يمتلك عدداً من الفنانين المتميزين الذي يمتلكون القدرة على تجسيد شخصية الفتى الشعبي في أي عمل درامي، وهناك عدد لا يستهان به من نجوم الجيل الحالي قادرين على لعب هذا الدور ببراعة، أمثال أحمد السقا، وكريم عبود العزيز، ومحمد رمضان، وأحمد العوضي، بالإضافة إلى عمرو سعد لكنه أكد أنه على الرغم من وجود أكثر من نموذج للبطل الشعبي في الدراما المصرية في الفترة الحالية، إلا أنه لم يستطع أحد من هذه النماذج أن يصل إلى مكانة أحمد ذكي وفريد شوقي وعادل إمام في تجسيدهم لشخصية الفتى الشعبي في الدراما المصرية.تأثيرات قويةوأشار شوقي إلى أن الجمهور دائما ما يكون لديه الرغبة في رؤية أعمال فنية تتحدث باسمه وتنقل همومه، موضحاً أن من كثرة ارتباط الجمهور بالفتى الشعبي، أصبح يقوم بإطلاق أسماء هؤلاء الأبطال على محالهم التجارية وشوارعهم والمقاهي الخاصة بهم، وهو الأمر الذي يؤكد على أهمية وجود دراما شعبية قريبة من الناس.وفيما يتعلق بالأعمال الدرامية الشعبية التي تركت بصمة كبيرة بين الجمهور، فيري شوقي أن مسلسلي جعفر العمدة والأسطورة للنجم محمد رمضان، ما زال عالقان في أذهان المصريين إلى اليوم رغم أن عرضهما مر عليهما قرابة 3 أعوام ، وذلك لأنهما استطاعا أن يصلا إلى الجمهور، كما أن طريقة تقديمهما كانت بالشكل الصحيح وبالتالي نجحا نجاحاً ساحقاً، وما زال الجمهور يتذكرهما إلى اليوم.ويري أن المقياس الحقيقي للحكم على أي أعمال فنية هو الشارع فقط، فقد يختلف النقاد الفنيين فيما بينهم لتقييم هذه الأعمال، إلا أن الجمهور يظل رأيه هو الأساسي والأهم في الأعمال التي يقدمها الفنانون طوال العام، وهذا الأمر يعتمد بشكلٍ قاطع على وصول هذه الأعمال إلى الجمهور.وكشف شوقي أن الأعمال الشعبية في الموسم الرمضاني الحالي ليست أفضل شيء، لكنه في ذات الوقت توقع أن يكون مسلسل الغاوي للنجم الموهوب أحمد مكي والذي يظهر خلال أحداثه بشخصية مجرم تائب، هو الحصان الرابح في الدراما الشعبية المقدمة في الموسم الرمضاني الحالي، لأن أحداثه غير مصطنعة وبعيدة عن المغالة ومن ثم سيشعر بها الجمهور بشكل سريع.(المشهد - القاهرة)