يشهد العالم اليوم تحولا ملحوظا في النهج الذي يتعامل به المجتمع مع العمل. لم يعد الاهتمام بالمهارات الفنية والمعرفية كافيًا لتحقيق النجاح في بيئة العمل الحديثة، بل أصبح الاهتمام بالجانب العاطفيّ والقدرة على التعامل مع العواطف والمشاعر، لهما دور حاسم في تحقيق النجاح الفرديّ والتنمية المؤسساتية، وأصبح رواد الأعمال يعلمون جيدًا أهمية الذكاء العاطفيّ في العمل.إنّ القدرة على فهم ومعالجة العواطف في بيئة العملن تعزز التواصل والتفاعل الإيجابيّ بين الأفراد، ما يؤدي إلى تحسين العمل الجماعيّ وتعزيز التعاون. عندما يكون لدينا قدرة على فهم مشاعر الآخرين والتعامل معها بشكل حساس وملائم، يمكننا بناء علاقات متينة وثقة مع الآخرين، ما يعزز العمل الجماعيّ ويعزز الإنتاجية. ولذا، دعونا نتعرف إلى أهمية الذكاء العاطفيّ في العمل، وكيفية تطويره.ما هو الذكاء العاطفي في العمل؟يمكن تعريف الذكاء العاطفيّ بأنه "القدرة على التعرف إلى مشاعرنا ومشاعر الآخرين، والقدرة على التحكم فيها وتعديلها للحصول على تأثير أكثر إيجابية". وفقًا للاختصاصي النفسيّ غولمان، يتكون الذكاء العاطفيّ من خمس عناصر أساسية هي:الوعي العاطفي: هو أساس الذكاء العاطفيّ. فهو يساعدنا على فهم مشاعرنا ومعرفة تأثيرها علينا وعلى الآخرين. عندما يكون لدينا وعي عاطفيّ جيد، يمكننا أن نكون أكثر قدرة على إدارة عواطفنا بطريقة صحية وفعالة.التنظيم العاطفي: هو القدرة على التعامل مع مشاعرنا بطريقة صحية وفعالة. عندما يكون لدينا تنظيم عاطفيّ جيد، يمكننا أن نتحكم في ردود أفعالنا على الضغوط والمواقف الصعبة.التحفيز الذاتي: هو القدرة على استخدام مشاعرنا لتحفيز أنفسنا على تحقيق أهدافنا. عندما يكون لدينا تحفيز ذاتيّ جيد، يمكننا أن نبقى متحمسين لتحقيق أهدافنا حتى في مواجهة التحديات.الوعي الاجتماعي: هو القدرة على فهم مشاعر الآخرين واحتياجاتهم. عندما يكون لدينا وعي اجتماعيّ جيد، يمكننا أن نكون أكثر قدرة على بناء علاقات إيجابية مع الآخرين وإدارة الصراعات.المهارات الاجتماعية: هي القدرة على بناء علاقات إيجابية مع الآخرين وإدارة الصراعات. عندما تكون لدينا مهارات اجتماعية جيدة، يمكننا أن نكون أكثر قدرة على التواصل بشكل فاعل مع الآخرين وحل المشكلات.أهمية الذكاء العاطفي في العملالذكاء العاطفيّ في مكان العمل هو القدرة على فهم وإدارة عواطفك وعواطف الآخرين. إنه مهارة مهمة في مكان العمل يمكن أن تساعدك على التواصل بشكل أفضل، وحل النزاعات، وبناء العلاقات، وتحقيق أهدافك. ولعلّك تتساءل الآن: كيف تطبق الذكاء العاطفيّ في العمل؟في ما يلي بعض إيجابيات الذكاء العاطفيّ في العمل، وأمثلة على تطبيقه في بيئة العمل:1. تحسين التواصلمن فوائد الذكاء العاطفيّ في العمل أنه يمكن للأشخاص ذوي الذكاء العاطفيّ المرتفع، التواصل بشكل أكثر وضوحًا وفاعلية مع زملائهم في العمل. يمكنهم فهم احتياجات الآخرين والاستجابة لها بشكل أفضل، ما يؤدي إلى اتصالات أكثر إنتاجية وتعاونًا. على سبيل المثال، يمكن أن يخبر الموظف ذو الذكاء العاطفيّ المرتفع مديره، أنه مشغول ويحتاج إلى بعض الوقت للردّ على طلب. يمكنه أيضًا أن يسأل زميلًا عن شعوره عندما يلاحظ أنه يبدو متوترًا.2. التحكم في المشاعر السلبيةيتحكم الأذكياء عاطفيًا في الصراعات والمشاعر السلبية بطريقة أفضل من غيرهم. على سبيل المثال، إذا لم تعترف الإدارة بنجاح الموظف في نجاح المشروع، فقد يشعر بالإحباط وتسوء حالته النفسية. ونتيجة لذلك، فقد يلجأ الموظف إلى مهاجمة الإدارة ويوجه لها تعليقات سلبية إما مباشرة أو عن طريق الرسائل الإلكترونية، ما يؤدي إلى الإضرار بعلاقات العمل. أما لو كان الموظف يتمتع بالذكاء العاطفي، فإنه سيحدد مشاعره أولًا ويقيّمها، ثم يحاول حل المشكلة بطريقة أكثر عقلانية، وهو ما سيؤدي حتمًا إلى نتيجة إيجابية واستمرار العلاقة المتناغمة مع الإدارة.3. حل النزاعاتيمكن للأشخاص الذين يتمتعون بذكاء عاطفيّ مرتفع، أن يشاركوا في حل النزاعات بشكل أكثر فعالية. لدى أولئك الأشخاص مهارات لفهم وجهات نظر الآخرين وإدارة عواطفهم الخاصة، ما يؤدي إلى تسويات عادلة ومرضية لكل الأطراف المعنية. على سبيل المثال، يمكن للموظف ذي الذكاء العاطفيّ المرتفع، أن يبقى هادئًا عندما يواجه موقفًا صعبًا مع عميل. يمكنه أيضًا أن يحاول فهم وجهة نظر العميل وتقديم حلول مناسبة للطرفين.4. بناء العلاقاتيمكن لمن يتمتعون بمهارات الذكاء العاطفيّ في العمل، أن يبنوا علاقات قوية مع الآخرين. يمكنهم فهم مشاعر الآخرين وبناء الثقة والتفاهم، ما يؤدي إلى بيئة عمل أكثر تعاونًا وإنتاجية. كما يحترم الذكيّ عاطفيًا أفكار الآخرين حتى لو لم يكن متفقًا معهم، أي أنه منفتح على التعاون مع الفريق، وهو أحد أهم الأشياء التي تبرز أهمية الذكاء العاطفيّ في بيئة العمل.على سبيل المثال، يمكن للموظف ذي الذكاء العاطفيّ المرتفع، أن يكون داعمًا لزميل يمر بوقت عصيب. يمكنه أيضًا أن يأخذ الوقت الكافي للتعرف إلى زملائه ومعرفة ما هو مهمّ لهم.من ناحية أخرى، فإنّ الموظف ذا معدل الذكاء العاطفيّ المنخفض، لا يمكنه الانخراط مع الآخرين، وبالتالي لا يمكنه العمل في فريق. كذلك، فإنّ غير الاذكياء عاطفيًا تكون مهاراتهم في الاستماع أقلّ من الآخرين، ولا يعترفون بأخطائهم، كما قد تؤدي تصرفاتهم إلى تحطيم الثقة وروح الفريق.5. تحقيق الأهدافيعد تحقيق الأهداف وتحسن الأداء بشكل أكثر فاعلية، من أهم مميزات الأشخاص ذوي الذكاء العاطفي المرتفع،. يمكنهم إدارة التوتر والتحفيز الذاتي، ما يؤدي إلى أداء أفضل ونتائج أفضل. كما يمكن للأذكياء عاطفيًا اتخاذ القرارات الإيجابية، ويتمكنون من الانخراط بسهولة في بيئة العمل.على سبيل المثال، يمكن للموظف ذو الذكاء العاطفيّ المرتفع، أن يضع أهدافًا واقعية وقابلة للتحقيق. يمكنه أيضًا أن يبحث عن الدعم من زملائه أو مديريه عندما يحتاج إليه.6. تعزيز القيادةيمكن للذكاء العاطفيّ أن يُسهم في تعزيز القيادة الفعالة في محيط العمل. القادة الأذكياء عاطفيًا يمتلكون القدرة على تحفيز الفرق وتوجيهها نحو أهداف مشتركة، ويتمتعون بمهارات التواصل القوية، والقدرة على فهم احتياجات الأفراد وتحفيزهم وتطويرهم. هذا يؤدي إلى تعزيز الروح المعنوية للفريق وزيادة الانخراط والإنتاجية.بشكل مجمل، تكمن أهمية الذكاء العاطفيّ في العمل في أنه يساعد على تحسين الأداء الوظيفي، وزيادة السعادة والرضا الوظيفي، وتعزيز التواصل والتعاون وحل المشكلات، وتنمية القدرات القيادية، وتشجيع الآخرين على تطوير مهاراتهم الشخصية.تطوير الذكاء العاطفي في العمليمكن تطوير الذكاء العاطفيّ من خلال الممارسة والتغذية المرتدّة. فيلاما يلي بعض النصائح لتطوير ذكائك العاطفي:1. كن على دراية بمشاعرك، وارفع مستوى وعيك الذاتيأول خطوة لتطوير الذكاء العاطفيّ هي أن تكون على دراية بمشاعرك الخاصة. عندما تشعر بمشاعر قوية، خذ بعض الوقت لفهم سبب شعورك بهذه الطريقة. استيعاب أنّ المشاعر موقّتة وتجنب اتخاذ القرارات بناءً عليها.عندما يدرك الموظف كيفية التحكم في مشاعره وترتيب أفكاره ومراقبة حالته النفسية والعقلية، يمكنه بذلك أن يعطي لكل موقف حجمه الطبيعي، ويحسن التصرف في مختلف المواقف.بالنسبة لرب العمل، عليه أن ينتبه إلى كيفية تفاعل الموظفين معه؛ لأنّ ذلك سيدلّه على أفضل طريقة للتفاعل معهم.2. تواصل مع الجميع بشكل متكرر وفعاليعد توصيل مشاعرك للآخرين والسماح لهم بالتحدث عن مشاعرهم، أمامك طريقة جيدة لفهم مشاعر بعضهم البعض. فهو لا يعزز مكان العمل إيجابية فحسب، بل يسهّل أيضًا تكوين علاقات صحية بين الأشخاص.بالنسبة للمديرين، فيمكنهم مساعدة الموظفين على أن يكونوا أكثر إيجابية تجاه شركتهم، لأنه يتم التخلص من الخوف من التعرض للانتقاد بسبب مشاركة أفكارهم. بالإضافة إلى ذلك، فهو يساعد في تعزيز الرؤية الموحدة للمؤسسة، وهو ما يُبرز أهمية الذكاء العاطفيّ في العمل.3. تعلم إدارة عواطفكبمجرد أن تفهم مشاعرك، يمكنك البدء في تعلم كيفية إدارتها بشكل صحي. إبحث عن استراتيجيات للتعامل مع التوتر والمشاعر السلبية الأخرى. مارس هوايات ونشاطات خارج العمل تساعد في التنفيس عن المشاعر السلبية.4. كن متعاطفًا مع الآخرينركّز على فهم مشاعر الآخرين ووجهة نظرهم، واستمع إليهم بطريقة فعالة، تفاعل مع مشاعر الآخرين بتعاطف. حاول أن تضع نفسك في مكانهم، وفكّر في ما قد يشعرون به، وعبر عن مشاعرك بالطريقة والوقت المناسبين.التعاطف هو القدرة على تصور ما يشعر به شخص آخر، من خلال تخيل ما ستشعر به لو كنت في مكانه. لا يسمح لك التعاطف بفهم مشاعر زملائك بدقة فحسب، بل يسمح لك أيضًا بفهم مشاعرك بدقة، لأنك تأخذ الوقت الكافي لفهم وتصوّر ردود أفعالك ومشاعرك في المواقف مع الآخرين.5. بناء علاقات قويةإعمل على بناء علاقات قوية مع الآخرين في مكان عملك. ابحث عن طرق للتواصل مع الآخرين وإنشاء روابط معهم، وطوّر مهاراتك الاجتماعية مثل التواصل والاحترام والإقناع.بالنسبة للمدير، عليه أن يعترف بجهود موظفيه، فهذا من شأنه أن يحفّزهم ويزيد إنتاجيتهم. يشعر الموظفون بالانتماء إلى الفريق والعمل عندما يتم تكريمهم على العمل الجيد الذي قاموا به، وعندما يتم منحهم الفرصة لمناقشة كيفية العمل بشكل أكثر ذكاءً لتحسين مناصبهم وواجباتهم.(المشهد)