تتواصل أزمة القهوة في تونس منذ أسابيع عديدة ما يزيد مخاوف أرباب المقاهي والمواطنين خصوصا مع اقتراب شهر رمضان.ويواجه أصحاب المقاهي صعوبات كبيرة في عمليّة التزوّد بمادّة القهوة بمختلف أصنافها بعد أن فقدت من الأسواق بشكل يكاد يكون كليّا منذ أشهر. ويقول أشرف وهو صاحب مقهى بوسط العاصمة تونس لمنصّة "المشهد" أنّه صار يكابد مشقّة يومية من أجل توفير كميّات صغيرة من مادة القهوة لا تكفيه إلا لساعات قليلة، مضيفا أنه أُجبر في بعض الأحيان على تعليق تقديم مشروب القهوة لزبائنه مساء بعد أن نفذت الصغيرة التي استطاع تحصيلها من مزوّد باعه إياها بسعر أرفع من السعر العادي. كما يؤكد أن الإشكال لا يتعلّق فقط بندرة القهوة، بل أيضا بجودتها "إضافة إلى أننّا لا نستطيع الا توفير كميّات صغيرة فإنّ مذاق القهوة التي تُعرض في السوق هذه الأيّام سيّء" يصرّح المتحدث الذي يخشى أن تتواصل الأزمة خلال شهر رمضان، مواصلا "ستكون خسارتنا كبيرة حينها فنحن نعوّل على هذا الشهر لتعويض خسائرنا". وعلى مجموعة على موقع "فيسبوك" خاصّة بأصحاب المطاعم والمقاهي يكتب أرباب المقاهي تفاصيل المعاناة التي يواجهونها من أجل التزوّد بمادّة القهوة، في المقابل يعرض بعض المزوّدين كميات من القهوة مستوردة من دول الجوار للبيع دون تقديم تفاصيل عن طريقة توريدها.طوابير طويلةوأمام محّال بيع القهوة يقف التونسيون يوميّا في طوابير طويلة بحثا عن مادة القهوة، وفي حين اختار البعض منها تحديد الكميات المسموح بها لكلّ زبون أُجبر البعض الآخر على إغلاق أبوابه بسبب النقص الكبير لهذه المادّة. وأمام أحد هذه المحلات قالت سيّدة كانت تتذّمر من طول مدّة الانتظار لمنصّة" المشهد" إنّها حرصت على القدوم باكرا قبل أن يفتح المحل بابه أملا في العثور على كمية من القهوة لكنها فوجئت بأن العشرات سبقوها، مضيفة بنبرة تحسّر" حتّى فنجان القهوة الذي يعدّل مزاجنا صرنا نعاني من أجل الحصول عليه". والقهوة من المشروبات التي يقبل التونسيون على شربها بكثافة، ويصل معدّل استهلاك الفرد منها إلى 1.4 كيلوغرام شهريا، ما يجعل تونس في المرتبة السابعة في ترتيب أكثر الشعوب العربيّة استهلاكا للقهوة.ويقول أرباب المقاهي إنّهم أجبروا على تسريح عدد من العمّال بسبب أزمة القهوة، وأكّد رئيس غرفة أصحاب المقاهي فوزي الحنافي لمنصّة "المشهد" أنّ أزمة القهوة أّثرت على مردود المقاهي وقاعات الشاي. وتوّقع أن يضطر البعض منهم إلى إغلاق محلّه وتسريح عمّاله في صورة تواصل الأزمة، ويشغّل القطاع نحو 120 ألف عامل. أمّا عن أسباب هذه الأزمة فهي منقسمة إلى أسباب داخليّة وأخرى عالميّة. أزمة داخليّةأرجع المدير العام للديوان التونسي للتجارة (حكومي)، إلياس بن عامر، في تصريحات صحفيّة سابقة الاضطراب الحاصل في التزوّد بالقهوة في بلاده إلى تأخير في إجراءات بعض العقود المتعلقة باستيراد هذه المادّة من بعض الدول. وأوضح أنّ هذا الاضطراب أثّر على توزيع مادّة القهوة وأدّى إلى الاحتكار والمضاربة، مشيرا إلى اتخاذ إجراءات لتجاوز هذا الاضطراب. وتقوم تونس سنويّا بتوريد ما يناهز الـ 30 ألف طنّ من القهوة. ومنذ أسابيع تكثّف السلطات التونسية حملات المراقبة على فضاءات خزن المواد الأساسية، وفي هذا الإطار أُعتقل منذ أيّام صاحب واحدة من أكبر شركات القهوة في البلاد بعد العثور على كميّات كبيرة مخزنة لديه. لكن الرواية الرسميّة لا تبدو مقنعة بالنسبة للمهنيين الذين يرون أنّ ديوان التجارة التونسي عجز عن خلاص المزودين العالميين بسبب أزمة سيولة يعاني منها منذ سنوات وهو ما نفاه المسؤول التونسي.ويعيش ديوان التجارة صعوبات مالية بسبب الأزمة الاقتصادية التي ضربت تونس منذ سنوات إضافة إلى تراجع قيمة الدينار التونسي مقابل الدولار ما أدّى إلى مضاعفة خسائره الماديّة مع مرور الأعوام. وتكبّد الديوان بنهاية عام 2022 خسائر تناهز الـ 100 مليون دينار (30 مليون دولار) في قطاع توريد القهوة لوحده فقط. على صعيد آخر، يشتكي أصحاب مصانع تحميص القهوة من عمليّة تقييد توريد مادّة القهوة التي يحتكرها ديوان التجارة مطالبين بفتح الباب أمامهم لتوريدها مباشرة من المزودين. في المقابل، يقول مدير عام المنافسة والأبحاث الاقتصادية بوزارة التجارة التونسية حسام التويتي لمنصّة "المشهد" إنّ هذه السياسة تضمن المحافظة على عرض هذه المادة بالسوق بأسعار تتماشى والمقدرة الشرائية للتونسيين، مضيفا أن المهنيين سيفرضون بيعها بالأسعار الحقيقية في حالة تحرير علميّة التوريد. ويؤكد التويتي في تصريحه أن أزمة القهوة في طريقها للانفراج خلال الفترة القادمة، مضيفا أنه تم تمنح تراخيص استثنائية لكبار المحمصين لتوريد كميات إضافية بشكل مباشر دون المرور بديوان التجارة. وتوقّع أن تساهم في هذه الخطوة في المساعدة على حلّ الأزمة الحالية مشددا على أنّ "مادة القهوة ستكون متوفرة في الأسواق بكميات كافية قبيل شهر رمضان". أزمة عالميّة أكّد الخبير في البيئة حمدي حشاد أنّ أزمة القهوة لا تخصّ تونس فقط، مضيفا في تصريح لمنصّة" المشهد" أن التغييرات المناخية أثّرت على إنتاج القهوة في الدول المنتجة مثل البرازيل والبيرو وكولومبيا وأندونيسيا. وأوضح أنّ موجة الصقيع التي ضربت العالم أدّت إلى تراجع كبير في حجم الإنتاج بالبرازيل التي تستأثر بنحو 37% من الحاجيات العالميّة من هذه المادّة. ويفسر أنّ موجة الصقيع يمكن أن تكون مدمّرة بشكل خاص إذا جاءت بعد فترة طويلة من الجفاف، مثل ما حدث في الموسم المنقضي بالبرازيل، حيث تذبل الأوراق بسبب موجات الجفاف الطويلة، مما يجعلها عرضة للموت مع انخفاض درجات الحرارة، لافتا إلى أنّ تعافي أشجار البنّ قد يستغرق أكثر من عامين بينما يتطلب نموّ الشتلات الجديدة ودخولها مرحلة الإنتاج نحو خمس سنوات. وتوقّع الخبير أن يتواصل انخفاض إنتاج القهوة خلال الأعوام القادمة بشكل تدريجي مع ارتفاع أسعارها ما قد يجعل منها "مادّة نادرة غير متاحة للجميع" وفق تعبيره. وتؤكد تقارير عالمية انخفاض مخزون القهوة العالمي إلى أدنى مستوى له في القرن الحادي والعشرين بنسبة تجاوزت 60% إذ تراجع من 1.54 مليون كيس في بداية العام إلى 0.61 مليون كيس في 9 أغسطس 2022، في المقابل ارتفعت أسعار هذه المادّة بنسبة تصل إلى أزيد من 37% بالنسبة لبعض الأصناف على غرار قهوة "أرابيكا". كما زادت أزمة كوفيد-19 إضافة إلى الحرب الأوكرانية في رفع أسعار هذه المادة عالميا بعد أن سجّلت أسعار النقل ارتفاعا بدورها. (المشهد)