تصرّ ابتسام على مقاضاة زوجها السابق الذي طلقها، وتركها فجأة وأولادها الأربعة، رافضا تحمل نفقتهم أو تعويضها عن الأضرار الناجمة عن طلاقه لها.تتنقل ابتسام التي تبلغ من العمر 43 سنة يوميا ما بين منزل أهلها والمحكمة لمتابعة إجراءات رفع الدعوى على الزوج، الذي يتنصل من حقوق أبنائه، وهي غير قادرة على إعالتهم لوحدها، نظرا للظروف الصعبة.اختارت اللجوء إلى القضاء أملا في إنصافها وإنصاف أطفالها، على الرغم من ممارسة الضغوط عليها من أجل سحب الدعوى.ويعدّ الطلاق في موريتانيا واحدا من أكثر الظواهر انتشارا وخطورة، حيث تؤكد الأرقام الرسمية أن نسبة الطلاق تبلغ نحو 31%.أسباب الطلاق ودقت عدد من المنظمات وهيئات المجتمع المدني ناقوس خطر انتشار هذه الظاهرة، وانعكاساتها السلبية على المجتمع. وترى الباحثة الاجتماعية تربه بنت صالح في تصريحات لمنصة "المشهد" إن "ارتفاع نسب الطلاق في موريتانيا، يرجع إلى أسباب عدة بينها ما هو اقتصادي واجتماعي".وأضافت أن المرأة الموريتانية عندما تتطلق تجد محيطها الاجتماعي في صفها خصوصا أهلها يقفون ويدعمونها ما إن تترك بيت زوجها. وتشير بنت صالح إلى أن من الأسباب كذلك، هو الزواج المبكر الذي "ينخر جسد هذا المجتمع"، والمنتشر في البلاد، على حد تعبيرها. وتابعت: "حسب متابعتي لهذا الموضوع وتقصي هذه الظاهرة، أرى أن الزواج المبكر هو السبب الرئيسي للطلاق، وذلك أن الأسر التي تدفع بناتها اللائي لم يبلغن سن الرشد للزواج لا يدركون خطورته".إحصائيات مخيفة وكشف تقرير رسمي صادر عن وزارة العمل الاجتماعي والطفولة والأسرة أن نسبة الطلاق تبلغ 31%، يتم الانفصال في 60% منها في السنوات الـ 5 الأولى بعد الزواج. في هذا الإطار يرى المكلّف بمهمة في وزارة العمل الاجتماعي بونه ولد انيني، أن هذه الأرقام "صادمة" تكشف مدى شيوع الطلاق في البلاد، وتبرهن على أن الزوجين يلجأن إلى الانفصال عند أول مشكلة بوصفه هو "الحل الأنجح".ويوضح ولد انيني في تصريح لمنصة "المشهد"، وهو الذي ساهم في إعداد دراسة حكومية عن انتشار هذه الظاهرة، أن "5 زيجات من أصل عشرة تنتهي بالطلاق، والسبب في ذلك يعود إلى ارتفاع تكاليف الزواج الباهظة، وارتفاع معدلات البطالة من جهة".وتوافق بنت صالح على هذا الرأي، حيث تعتبر أن "معظم الموريتانيين يعتقدون أن الزواج أمر سهل وبسيط، وعندما يتفاجأون بمسؤولياته يتهربون، ويفضلون الانفصال، ويكون ضحايا فشل هذا الزواج، هم الأطفال". أطفال يدفعون ثمن الطلاق وحذّر التقرير الحكومي من انعكاسات نسبة الطلاق على الأطفال الموريتانيين، حيث تؤكد الأرقام أن 44% فقط من الأطفال من مختلف الفئات العمرية يعيشون مع أحد أبويهم دون الآخر بعد الطلاق. منذ سنتين تطلقت ابتسام بعد زواج دام لأكثر من 15 سنة، كانت تعيش مع زوجها سعيدة وحياة عائلية ملحها الأطفال الأربعة، إلا أن مع السنوات الثلاث الأخيرة من ذلك الزواج بدأت المشاكل تتسلل إلى العائلة "السعيدة" لتكون نهايتها الطلاق ثم الصراع داخل أروقة المحاكم. وتقول ابتسام في تصريحاتها لمنصة "المشهد" إن "زوجها عندما طلقها، رفض تحمل نفقة أولاده، أو تعويض الأضرار النفسية والمادية عن هذا الطلاق". وأضافت أن "زوجها لا يرغب في تحمل نفقة أولاده، وذلك من أجل الانتقام منها"، مؤكدة أنه "أقحم الأبناء في صراع ما كان يجب أن يكونوا جزءا منه". وأشارت ابتسام، إلى أنها "مستعدة للتنازل عن حقوقها كمطلقة، بشرط أن يتعهد بتحمل نفقة أولاده وألا يكونوا ضحايا لهذا الطلاق". وعن دفع الأطفال ثمن التفكك الأسري، يقول الخبير الاجتماعي محمد ولد الوالد، أن "الأطفال أكثر من يدفع ثمن الطلاق في موريتانيا، ويؤثر على حالتهم النفسية وعلى مسار دراستهم ومستقبلهم". ويؤكد ولد الوالد في حديث لـ"المشهد" أن "تفكك الأسرة يعد من بين أسباب ارتفاع معدلات التسرب المدرسي في موريتانيا التي تصل نسبته نحو 27%".موقف القانونوينصّ القانون الموريتاني على معاقبة بالحبس من 10 أيام إلى سنتين وبغرامة من 5 آلاف أوقية إلى 20 ألف أوقية أو بإحدى العقوبتين "كل من امتنع عن إعطاء النفقة الواجبة عليه للولد مع القدرة عليها". ويؤكد المحامي مولاي ولد الحافظ أن "القانون أعطى للمرأة حقوقها وشدد عليها عندما تُطلّق".ويقول ولد الحافظ لمنصة "المشهد": "المشرع حدد النفقة في المادة 142 تشمل الطعام الكسوة والمسكن، وما يعتبر من الضروريات في العرف"، لافتا إلى أن "أكثر النزاعات التي توجد اليوم أمام القضاء هي تلك المتعلقة بقضايا النفقة بعد الطلاق".وأكد المحامي أن "معظم الرجال يتهربون من مسؤولية نفقة أطفالهم بعد الطلاق"، معتبرا أنه "لا بد من مراجعة شاملة لمدونة الأحوال الشخصية حتى تتماشى مع التحولات الاجتماعية في موريتانيا، ومن الضروري إنشاء محاكم متخصصة في قضايا الأسرة".(المشهد)