بعد مرور قرابة نصف قرن على رحيلها، عاد اسم سيدة الغناء العربيّ أم كلثوم إلى الواجهة من جديد، متصدرًا مواقع التواصل الاجتماعيّ ومحركات البحث الإلكترونية خصوصا "غوغل"، وذلك على إثر نشوب أزمة تتعلق بحقوق الملكية الخاصة بكوكب الشرق، بين شركة صوت الفن والتي يمتلكها المنتج محسن جابر، وبين جمعية المؤلفين والملحنين التي يترأسها السيناريست مدحت العدل، إضافة إلى أهل الفنانة الراحلة.ثمة حالة واسعة من الغموض وعدم وضوح الرؤى، تكترث من يمتلك الحقوق المادية لتراث كوكب الشرق وما تركته من أفلام وحفلات، فعلى سبيل المثال تبثّ إحدى القنوات الفضائية بشكل يومي حفلاتها، ويقدم التلفزيون والإذاعة في مصر أغانيها وأفلامها ولقاءات معها، كأنها "ملكية عامة".الأزمة بدأت مؤخرًا مع إقدام منصة يوتيوب بحذف أغنية (اسأل روحك) من قناة شركة إسرائيلية استولت عليها، وجاء قرار الحذف من إدارة الموقع بعد الإجراءات التي اتخذها أمين الموجي وهو نجل الموسيقار الراحل وملحن الأغنية محمد الموجي، وظهر رابط فيديو الأغنية غير متاح على موقع "يوتيوب" للمستخدمين، مع الإشارة فيه إلى أنّ أمين الموجي هو من يملك حقوق ألحان والده.أما جيهان الدسوقي حفيدة أسطورة الفن وكوكب الشرق، فسارعت إلى توجيه اتهام مباشر للمنتج محسن جابر مالك شركة صوت الفن، بـ"بيع حقوق استغلال أغانٍ لكوكب الشرق إلى إسـرائيل"، معلنة استياءها عما وصفته بتشويه التراث الخاص بأم كلثوم.وأضافت الدسوقي في تصريحات لوسائل إعلام محلية، قائلة: "محسن جابر يتحدث عن أنّ العقد المبرم مع عائلة أم كلثوم، موقع منذ 24 عامًا، ووقتها لم يكن هناك الهولوغرام ولا يوتيوب ولا انستغرام ولا ذكاء اصطناعي، ما يستجد كلمة غير قانونية نعترض عليها وكأنه يبيع سمك في مياه". وتابعت: "إذا كان والدي باع أعمال أم كلثوم منذ 24 عامًا، لم يتخيّل أحد أن يستجد شيء بالتوسع الحالي، والقيمة الكبيرة في الإيرادات الضخمة الحالية".عائلة أم كلثوم تلجأ إلى القضاءومن جهتها حاولت منصة "المشهد"، التواصل مع عدد من أسرة كوكب الشرق من أجل الوقوف عن قرب على تفاصيل تلك الأزمة، التي لا تزال تثير جدلًا كبيرًا داخل مصر، خصوصًا الأوساط الفنية.ويؤكد نبيل مرسي والد سناء نبيل حفيدة شقيقة أم كلثوم، أنّ هذا الملف خرج من أيدي عائلة أم كلثوم، وتمت إحالته بشكل كامل إلى أحد المستشارين القانونيّين والذي يُدعى ياسر قنطوش، وذلك لاتخاذ الإجراءات القانونية اللازمة كافة، إزاء النزاع حول ملكية تسجيلات أم كلثوم بين جمعية المؤلفين والملحنين وشركة صوت الفن، من أجل الحفاظ على التراث الغنائيّ لأسطورة الغناء العربيّ أم كلثومتراث أم كلثوم موزّع ما بين شركة القاهرة للصوتيات والمرئيات (شركة حكومية)، وشركة المنتج محسن جابر (خاصة) وجانب من النزاع هنا مرتبط بمصالح الورثة القانونيّين للفنانة الراحلة. بدوره، قال المستشار القانونيّ عائلة أم كلثوم ياسر قنطوش، إنه بدأ بالفعل في الشروع في الإجراءات القانونية اللازمة حيال هذه الأزمة، مؤكدًا أنّ تراث أم كلثوم هو حق للفنانة وأهلها وورثتها فقط.وأوضح قنطوش في حديثه مع منصة "المشهد"، أنه في حال تم انتقال استغلال التراث لفترة معينة لجهة ما حصلت على حق الاستغلال، فهذا ليس معناه نقل ملكية هذا التراث لتلك الجهة، مشيرًا إلى أنّ هذا ليس عقارًا معدًا للبيع، وإنما هو ملكية فكرية وإبداع فني، ومن ثم يظل لصيقًا بالشخص المبدع إلى أن تقوم الساعة.وفي ما يخص العقد المبرم بين أحد ورثة سيدة الغناء العربي وشركة صوت الفن المتهمة ببيع تراث أم كلثوم لصالح "إسرائيل"، أوضح قنطوش أنّ هذا الاتفاق يعدّ باطلًا، معلّلًا حديثه بأنه يحقّ لبعض الورثة بمنح حق الاستغلال لأحد الأشخاص، لاستخدامه لوقت معين، ثم بعد ذلك يعود هذا الحق لأصحابه مرة أخرى في ما بعد، وضرب مثالًا بأن يقوم شخص بتأجير شيء معين لآخر لفترة زمنية محددة، ثم بعد ذلك يحصل عليه مرة أخرى، وهذا هو المقصود من معنى "الملكية الفكرية"، وبالتالي ليس هناك ما يسمى بكلمة (بيع) لهذه الملكية."عقود باطلة"وأشار قنطوش إلى وجود مشكلات مماثلة تتعلق بحقوق الملكية الفكرية لعدد من الفنانين المصريّين الكبار، مع الشركة نفسها المتنازع عليها من قبل عائلة أم كلثوم، موضحًا أنه قام باتخاذ الاجراءات القانونية نفسها ضدّ هذه الشركة، لصالح ورثة الفنان الراحل عبد الحليم حافظ، إضافة إلى ورثة الموسيقار المصريّ محمد الموجي.وأشار قنطوش إلى أنه في حال صدور أيّ قرارات أو أحكام من قبل المحكمة، تخص قضية ورثة أم كلثوم سيتمّ الاعلان عنها للجمهور بشكل فوري.وفي السياق ذاته، شدد ابن شقيق الفنانة الراحلة أم كلثوم عدلي سمير، على أنّ تراث الفنانة لم يتم توريثه لأحد على الإطلاق، وهذا التراث يخص الأسرة فقط، وأكد أنّ العقود التي بحوزة شركة "صوت الفن"، أو التي بحوزة جمعية المؤلفين والملحنين هي عقود "باطلة"، ولا قيمة لها لأنّ أمّ كلثوم لم تتنازل لأيّ جهة مطلقاً عن تراثها.وأوضح عدلي سمير أنّ أم كلثوم لم تُقدم حتى ببيع التركة الخاصة بها لأحد، ولم تتنازل عن أيّ شيء يخص مقتنياتها لأيّ جهة كانت، ومن ثم فهي لم تُقدم على بيع تراثها وحقوق ملكيّتها الفكرية نهائيًا.وفي المقابل لم يصمت صاحب شركة "صوت الفن" المنتج محسن جابر مالك، عن الاتهامات التي وجهت له من قبل بعض أفراد أسرة الفنانة الراحلة أم كلثوم باستغلال أغاني أم كلثوم وبيعها لصالح إسرائيل، حيث قال خلال تصريحات صحافية له : "عيب مايصحش إنها تقول إني ببيع تراث كوكب الشرق إلى إسرائيل" في إشارة منه لجيهان الدسوقي حفيدة كوكب الشرق.وأردف قائلًا : "اشتريت تراث أم كلثوم لأنّ إحدى الشركات كانت ستقوم بشرائه، ومن يعتدي على عملي حتى داخل إسرائيل، لن أتركه"."ملكية عامة"بدوره، قال رئيس جمعية المؤلفين والملحنين السيناريست مدحت العدل، إنّ الجمعية تملك 90% من حقوق الملكية الفكرية الخاصة بالمؤلفين والملحنين في مصر، مؤكدًا أنّ 70% من أغاني أم كلثوم مملوكة لشركة صوت القاهرة، وهي أحد أعضاء الجمعية باعتبارها أحد الناشرين.وأشار العدل إلى أنّ المنتج محسن جابر لا يملك سوى نسبة 30% فقط، وليس 100 % كما يشير، نافيًا صحة تصريحات الأخير حول تنازل جمعية المؤلفين والملحنين للسيدة أم كلثوم عن أغانيهم، موضحًا أنّ العقد الموقّع بين شركة جابر مع شركة صوت القاهرة، ينص على امتلاك الأخيرة 98 أغنية، بينما يملك "جابر" 30% فقط من حقوق التوزيع.وكشف العدل عن أنّ شركة صوت القاهرة شركة قطاع عام مملوكة للدولة المصرية، لافتًا إلى إمتلاك الجمعية عقد تنازل أم كلثوم عن حقوق التوزيع لصوت القاهرة الموقع خلال حقبة الجمهورية العربية المتحدة.وكان خلاف قد نشب خلال الأيام الأخيرة حول حقوق الملكية الخاصة بالفنانة الراحلة أم كلثوم، بين أسرة الفنانة وشركة "صوت الفن" المملوكة للمنتج محسن جابر وشركة "صوت القاهرة " التابعة لجمعية المؤلفين والملحنين المصرية التي يديرها السيناريست مدحت العدل، حول أحقية كلّ منهم في حقوق ملكية تراث الفنانة المصرية الراحلة، وهو الأمر الذي اضطر أسرة الفنانة للجوء إلى القضاء المصريّ للفصل في هذا النزاع الذي أثار جدلًا واسعًا في الشارع المصري .(المشهد)