لم يكن العثور على يد ميّت تُمسك بسحر في البنك المركزي في العاصمة نواكشوط مفاجئا في موريتانيا، حيث ما زال السحر ينتشر فيها، وتؤمن فئات كبيرة من المجتمع بأنه وسيلة لتحقيق غاياتهم. وإن كان السحر والشعوذة ارتبط في الماضي بأنه وجهة للفقراء والطبقات المُهمّشة التي تلجأ له للشفاء من الأمراض والغناء، إلا أنه بات وجهة مفضلة لرجال الأعمال والسياسيين الموريتانيين. منذ أيام كشفت صحف محلية عن العثور على سحر في يد ميّت، وذلك أثناء أشغال تجري في البنك المركزي الموريتاني. وأعادت هذه الحادثة الجدل حول لجوء بعض الموريتانيين إلى السحر والشعوذة، معتبرين أنها ظاهرة "خطيرة" تمسّ وتهدّد المجتمع الموريتاني. ويعكس انتشار المشعوذين والسحرة في موريتانيا مدى تجذّرها في المجتمع الموريتاني، إذ تُعدّ مهنة يجني أصحابها أموالا طائلة، معظم زبائنهم من رجال أعمال وموظفين ساميين وسياسيين. تجارة رابحةعشرات الموريتانيين يقفون في طوابير أمام منزل لمشعوذ في العاصمة نواكشوط، بعضهم جاء قبل طلوع الفجر من أجل الحصول فرصة الدخول إليه لكي يحقق غاياتهم. وأمام منزل المشعوذ يتحدثون عن قدراته "الخارقة" في علاج الأمراض، وتحقيق غاياتهم ورغباتهم، إنهم يؤمنون بأنه "المخلص". بين هؤلاء جمال عبد الله الذي جاء من منطقة في إحدى مناطق الداخل من أجل أن يُحقق غاياته التي تتمثل في تسيير وظيفة له، يقول إنه منذ سنوات يرزح تحت وطأة البطالة، فقرر اللجوء إليه بعد أن أغلقت أمامه جميع الأبواب التي طرقها للحصول على وظيفة. ويضيف أنه قرر اللجوء إليه بعد أن علم من صديقه أن حصل على وظيفة، ثم عٌيّن على رأس إدارة في الدولة بفضل تردده على هذا "الحجاب".التأصيل التاريخي للسحريختزل حديث جمال مدى إيمان فئة واسعة بالشعوذة والسحر، بأن أصحابها يمكنهم تسخير "الجن" لتحقيق غاياتهم، كل ما عليهم دفع أموال للمشعوذ مقابل الخدمة. وفي هذا سياق، يقول أستاذ علم الاجتماع في جامعة نواكشوط حماه ولد سالم في حديثه مع منصة "المشهد" إن السحر في موريتانيا ينتشر بشكل علني وسري وتحت غطاء متعدد، مؤكدا أن السحر الأسود، هو الأكثر الاستخدام، وهو 4 أنواع:سحر الشعوذة.سحر القرين.سحر التسليط.سحر الفودو.وأضاف أن هذه التعاويذ السحرية دخلت موريتانيا من دول جنوب الصحراء، وتقوم أساسا على طلاسم والرموز وعلى ممارسة السحر الأسود. ويوضح الأستاذ أن بعض الرجال يستخدم السحر للبقاء في السلطة وتكثير أمواله أو للواجهة.مقبرة التعاويذ السحريةوتنتشر في مواقع التواصل الاجتماعي مقاطع مصورة يتم تداولها بشكل واسع على أن أصحابها عثروا على تمائم سحرية في القبور. بينها مقطع مصور يتحدث صاحبه العثور على سحر عند قبر الناشط الصوفي ولد الشين الذي قٌتل الشهر الماضي في مخفر للشرطة. وفي هذا السياق، يقول الباحث الاجتماعي ميني ولد عبد القادر إن تلك التعاويذ التي يعثر عليها في "المقابر" عادة يهدف أصحابها لإلحاق الضرر بالآخرين، وزرع "الفتنة" داخل الأسر والشقاق بينهما. ويُحمّل بعض النشطاء هذه الظاهرة إلى صمت الدولة عن هذه الممارسات وعدم معاقبة أصحابها، وإلى انتشار "الجهل" بين أوساط الموريتانيين.(المشهد)