الفنان السوري الكبير دريد لحام، أيقونة الفن العربي، حلّ ضيفًا على الإعلامي محمد قيس في بودكاست "عندي سؤال" الذي يُعرض عبر قناة "المشهد". خلال هذا اللقاء المميز، تناول دريد لحام مسيرته الفنية الزاخرة بالعطاء، وتحدث عن أبرز المحطات التي صنعت مكانته كواحد من أهم أعلام الدراما والمسرح في العالم العربي.بأسلوبه العفوي والصادق، ناقش لحام قضايا فنية واجتماعية، كما تطرق إلى علاقته مع عائلة الأسد، مع العلم أن الحلقة قد صُورت قبل سقوط نظام الأسد. يعدّ هذا الحوار بمثابة فرصة فريدة للتعرّف على فكر وتجربة الفنان الذي لطالما كان رمزًا للابتكار والالتزام بالقضايا الإنسانية. وداع الأم لحظة مفصلية مؤلمة استهل دريد لحام حديثه عن اللحظة الأكثر إيلامًا في حياته، وهي وفاة والدته. قال: "كنت أعتقد أن الأم لا تموت، لأنها وطن. الوطن الأول كان رحم أمي؛ عشت فيه بأمان وطمأنينة. كل طفل يولد يبكي، لأنه يخرج من هذا الرحم الآمن". عبّر دريد عن أن فقدان الأم كان درسًا كبيرًا في حياته، مؤكدًا أن الأمومة تظل رمزًا للحب والأمان الذي لا يعوض. لحظة مفصلية أخرى في حياة دريد كانت قراره التخلي عن مهنته كأستاذ علوم (كيمياء وفيزياء) والاتجاه إلى التمثيل. قال: "اخترت الفن رغم اعتراض أهلي في البداية. كنت أستاذًا محترمًا، لكنني فضّلت أن أكون ممثلًا". أوضح أن عائلته، رغم عدم رضاها في البداية، شعرت بالفخر لاحقًا بما حققه في مجال الفن. النعم الكبرى في حياة دريد لحام عندما وجه الإعلامي محمد قيس سؤاله للفنان دريد لحام عن الأكثر في حياته، هل كان الأبيض أو الأسود. اختار دريد لحام اللون الأبيض، وقال إنه لولا وجود الأسود ما كان الأبيض، فالأشياء تعرف بمضاداتها.عند سؤاله عن النعم التي يشعر بالامتنان لها، قال: "أول نعمة في حياتي هي زوجتي هالة، التي تحملت الكثير من أخطائي. كما أن الله رزقني أبناءً صالحين. وأشكر الله على أنني سوري، فالسوري بطبيعته متعلق بوطنه". أما عن أمنيته للأيام القادمة، قال دريد لحام: "أتمنى ألا تأخذني أمراض الشيخوخة مثل الخرف أو الباركنسون، وأن أظل بصحتي حتى يطلب الله أمانته". أضاف بشعور صادق: "الخوف الوحيد هو ألا يرضى الله عني، لكن لدي أمل في رحمته".وتطرق دريد لحام إلى موضوع التمسك بالبقاء في سوريا خلال الأوقات الصعبة، تذكر قو الكاتبة غادة السمان حين قالت: "لا تأخذ شجرتك معك إلى الغربة، فالأشجار لا تهاجر". ووصف حاله بأنه شجرة زيتون مغروسة في سوريا، والهجرة بالنسبة له تعني قطع جذوره؛ أي نهايته. وأعرب عن فخره بانتمائه لوطنه رغم الظروف الصعبة التي مرّت بها سوريا.ذكريات الطفولة وحياة الأسرة عاد دريد بذاكرته إلى طفولته في حي الأمين بدمشق. تحدث عن الحياة البسيطة في بيت يجمع عشرات الأشخاص، وقال: "كنا 10 إخوة نعيش في غرفة واحدة، ورغم ضيق حالتنا المادية، لكن حنان والدينا جعلنا لا نشعر بالفقر". وتحدث دريد لحام عن ميزة عدم وجود تلفاز آنذاك، أنه لم يكن هناك ما يخرب قناعاتهم، فالتلفزيون يجعل الجميع يطلون على العالم من حولهم. تحدث عن العلاقة المميزة مع والدته، التي كانت تعلّمهم الاحترام والمحبة، وأنها كانت ترغمهم على قول كلمة أخي أو أختي قبل النداء على أي من إخوتهم. وقال دريد لحام إن ترتيبه السابع بين إخوته، وهو أصغر الذكور الأربعة، وأسماء إخوته وأخواته: منير، وناصر، وجواد، ورقية، ورباب، وسكنة، وأم كلثوم، وفريال، وابتسام. حمل الحوار لحظات مؤثرة عندما تحدث دريد عن والدته التي يعتبرها رمزًا للتضحية. وصفها بأنها كانت تعمل بلا كلل لتربية أولادها رغم قلة الإمكانيات، وإنها كانت تعمل في الخياطة للمساعدة في تخفيف أعباء المنزل. وأعرب عن ندمه على الأيام التي لم يزرها فيها، مؤكدًا أنه لا يزال يشعر بألم هذا التقصير حتى اليوم. وخلال اللقاء، وصف دريد لحام حاله بأنه كان "دينامو البيت"، فكان محركًا للفرح والضحك بين أفراد أسرته. تحدث عن موهبته المبكرة في التقليد والغناء والرقص، وكانت النساء يطلبن منه تقليد شخصيات وأغاني شهيرة لإضفاء جو من المرح. الخلافات المذهبية والطائفيةعند الحديث عن الفوارق بين الماضي والحاضر، أشار دريد لحام إلى تفاقم الخلافات الطائفية والمذهبية التي تغذيها أطراف خارجية مثل الولايات المتحدة. وتطرق إلى شخصية أنطون سعادة، مؤسس الحزب السوري القومي الاجتماعي، الذي قُتل بسبب أفكاره التوحيدية المناهضة للطائفية. قال دريد: "أنطون سعادة قال كلنا مسلمون لرب العالمين... أميركا لا تقبل إلا التحريض" وعبر عن أسفه لعودة الطائفية والمذهبية بأسوأ أشكالها. ورغم نظرته الناقدة للسياسات الأميركية، أوضح دريد سبب إرساله أبناءه للدراسة في الولايات المتحدة، قائلاً: "أكيد يتعلموا بأميركا أحسن ما يتعلموا بزيمبابوي. لما يكون عندك جامعات على مستوى عال، طبيعي ترسل أولادك". وأكد أن الهدف كان اكتساب العلم لا التبعية، مشيرًا إلى أن ابنه ثائر رفض الحصول على بطاقة الإقامة الأميركية (الغرين كارد) وفخره بهويته السورية.رحلة دريد لحام إلى التمثيلكشف دريد أن التمثيل لم يكن هدفًا مخططًا له في البداية، حيث انشغل بالدراسة وانضم للمعهد العالي للمعلمين بعد نجاحه في البكالوريا. تحدث عن أول راتب تلقاه كطالب في المعهد، وكان قدره 127 ليرة ونصف، واصفًا إياه بثروة كبيرة. من هذا الراتب، اشترى لوالدته "كاز على الفتيلة بثلاثة رؤوس" لتخفيف معاناتها مع الطهو على الببور.استعاد دريد ذكرياته عن البساطة والصعوبات التي واجهها في بدايات عمله الفني. تحدث عن شراء الملابس المستعملة من محلات البالة، وكيف كانوا يغسلونها بالبنزين لتعقيمها. بروح الفكاهة، روى موقفاً مع ابنه ثائر الذي اشتكى من رائحة البنزين في الملابس، فكان الرد: "هذه جاي بالطيارة من أميركا".تحدث محمد قيس ودريد لحام عن ذكريات الشباب وبدايات الحب الأول. استرجع دريد لحام طفولته وانتقال عائلته من حي الأمين إلى حي الرئيس في دمشق، وما رافق ذلك من تغييرات في رؤيته للحياة والظروف المحيطة.ذكر دريد لحام أنه كان في السنة الأولى من الجامعة عندما بدأ يشعر بشيء من المشاعر العاطفية، لكنه أكد أن الفن والدراسة كانا الأولوية بالنسبة له في تلك الفترة.وأشار إلى حبه الأول الذي لم يُكتب له أن يتحقق، ووصفه بأنه كان حلمًا جميلًا فضل أن يظل حلمًا، ولم يخبر تلك الفتاة مطلقًا أنه يحبها، وحينما أخبر زوجته هالة عن تلك الفتاة، قالت له إنها تعرف هذه الفتاة، وإنها تزوجت وسافرت إلى إفريقيا.كما استعرض زيجاته الثلاث، مشيرًا إلى أنها كانت تجارب مختلفة، بعضها كان مبنيًا على نزوات، والبعض الآخر كان له أثر دائم، مثل زواجه من هالة التي أنجبت له دينا، آخر العنقود.وبدأ دريد مسيرته الفنية وهو طالب في السنة الأولى من الجامعة، حيث شارك في فرقة تمثيلية وموسيقية للطلاب. بسبب قلة الفتيات اللواتي كنّ يشاركن في التمثيل آنذاك، قام بدور فتاة في مسرحية وطنية عن فلسطين.تحدث دريد لحام عن الموقف الطريف عندما بالغ في الأداء ووقعت الباروكة أثناء العرض، مما حوّل المشهد الدرامي إلى لحظة كوميدية. كانت هذه التجربة بمثابة بداية لطريق طويل في عالم التمثيل.بعد تخرجه في الجامعة، دخل دريد عالم التلفزيون السوري بدعوة من الدكتور صباح قباني، أول مدير للتلفزيون. كانت أولى تجاربه الفنية برنامج "الإجازة السعيدة"، الذي رغم أنه لم يحقق نجاحًا كبيرًا، كان بداية الطريق نحو اكتشاف شخصية "غوار الطوشة". استوحى دريد شخصية غوار من البيئة الشعبية بدمشق، مما جعلها قريبة من الجمهور ومحبوبة.روى دريد لحام حادثة اعتقاله لفترة قصيرة بسبب انتمائه إلى الحزب السوري القومي الاجتماعي في شبابه. فعقب اغتيال عدنان المالي، كانت هناك اعتقالات لأعضاء الحزب، وهو ما حدث معه، واعتقل لمدة 4 ساعات. وصف دريد لحام بأسلوب فكاهي كيف تعامل مع التحقيق وأكد أنه لم يتورط في أي نشاط غير قانوني. أضاف أن المخابرات في ذلك الوقت كانت تصدق أي تقرير، ما أدى إلى مواقف ظالمة أحيانًا.فيلم "الحدود".. من حادثة شخصية إلى عمل فني خالداستوحى دريد فكرة فيلم "الحدود" من حادثة واقعية تعرض لها عام 1964 عندما تعطلت سيارته، وانقلبت على الحدود بين لبنان وسوريا، حينما كان متجهًا إلى بيروت بدعوى من الأخوين الرحباني. حكى دريد لحام أنه تمكن من الخروج من سقف السيارة، وأخذ القرآن الكريم وصورة والدته، ومشى قرابة 5 كيلومترات في جو من البرد والمطر.تلك التجربة جعلته يتأمل في مصير المواطن العادي الذي قد يُترك في الفراغ بين الحدود بسبب تعقيدات البيروقراطية. استغرق تنفيذ الفيلم 20 عامًا، وعُرض لمدة عام كامل في سينما روكسي بدمشق.تناول الحوار أيضًا تعاون دريد لحام مع نجوم كبار من العالم العربي مثل شادية ونادية لطفي وكمال الشناوي، وذكر أن سعاد حسني وعبد الحليم حافظ من أحب أصدقائه، وأكد أن خبر زواج يعاد وعبد الحليم ما هو إلا إشاعة.وأبدى دريد إعجابه الكبير بأخلاق عبد الحليم، وذكر حادثة طريفة عندما أصر عبد الحليم على الغناء قبل تناول العشاء في منزل دريد.وتحدث دريد لحام عن علاقته مع المطربة صباح، وحكى موقف عن الفترة التي كان يعد ويخرج فيها برنامج "خيمة حماد" في التلفزيون السوري، وطلب من صباح أن تحضر إلى إحدى السهرات في البرنامج، ولكنها اعتذرت لسوء حال الطريق. وقال دريد لحام إنها حادثته بعد قليل وأخبرته أنها ستسلك طريقًا آخر للوصول، وإنها لم تتأخذ أجرًا على الحلقة.(المشهد)