ليس من قبيل الصدفة أن تكون فيروز فيروزتنا. ليس من العبث أن يصبح صوتها وعنفوانها رمزًا لوطن الأرز. قد ترون في هذه الجملة "كليشيه" وكلام مكرّر ولكن ما تعنيه فيروز لنا كلبنانيين أقوى من أي كلمة قد تصفها. هي هامة وحالة وجدانية تعكس آلام شعب وأحلامه، تجبل الأمل واليأس، وبين الحب والمعاناة، وبين الوطن والغربة.صوت وُلد من رحم الألم، بكلمات وألحان تنبض بتراب أرض شهدت الحروب والانقسامات. في الفرح هي فيروز وفي أشد لحظات الظلام، صوتها هو الملجأ الوحيد في وطنٍ ضائع. هي الوطن في غيابه!لبناننا لن يموتحرب وصوت أزيز طائرات الحرب وقصف وانفجارات.. كلمات تلخّص واقع لبناننا اليوم. وهي في أعماقنا وعلى مسمعنا تصرخ "لما ودعتو اليأس ولفحتكن ريح الشمس رجعت إيديكن تبني وتعمر"، صوت يُعيد لنا الإيمان بأن لبناننا لن يموت مهما اشتدت المحن. فيروز اسم لا يُختزل بصفة فهي رمز وشاهد على عظمة شعب وإصراره على البقاء. فبصوتها، بات الوطن قصيدة، حبًا مرًا وحلمًا لا ينتهي. تقول: "صوت أعيادكن خزّق سمعهن فرح معاولكن بالأرض بشّرن بهدم براجن"، وكأنها تصرخ بأن الأمل أقوى من كل الدمار، وأن صوت الحياة سيبقى أعلى من صوت الخراب. مع كل أغنية، تُعيد فيروز تأكيد معنى الهوية، بأن الثقافة والموسيقى والحب هي السلاح الأقوى! فيروز رسالة أبدية لكل الأجيال: "غمر الطوفان الأرض.. هدمت الحروب المدن ورجعوها اللي بقيو".. هي الوطن الذي نلجأ إليه عندما يخذلنا الواقع. هي الأغنية التي تأخذنا إلى عالم أفضل، والحكاية التي لا تنتهي عن الحب، والوطن، والصمود. أعيد وأكرر بأن ما تقرأونه قد تعتبرونه كلمات شعرية تتغنى بهامة كبيرة. إنما ما كُتب ليس إلا واقع كل لبناني يشعر به. ففي حين أنك تعلم أن بأي لحظة قد تتغير حياتك بسبب انفجار يدمّر مدينة أو خسارة أموالك أو قصف قد تكون ضحيته. في لحظة قد تخسر بيتك وذكرياتك والأمان وقد تفقد الأقرب لك أو حتى حياتك. فتبقى بين خيارين إما البقاء أو الهرب.. وفي كلا الحالتين أنت في غربة. غربة تحمل في طياتها الأمل والوجع والحنين لوطن يسوده السلام. غربة يخفف وطأتها صوت فيروز الذي يقرّبنا من زوايا لبنان وكأنه يقول لنا: "لبنان بعده هون، جواتك، وما حدا في ياخدو منك"، فنغدو سابحين بين صفحات حبّ الوطن: "لي صخرةٌ عُلِّقَت بِالنَّجم أَسكُنُها طارَت بِها الكُتُبُ قالَتْ تلكَ لُبنانُ". نعم خسرنا الكثير وما زلنا نخسر ولكن هذا الصوت يعيد لنا "كمشة من هاللبنان الحلو".. ولو مهما صار "منكمل باللي بقيو".