بمجرد ظهوره على الشاشة، يخطف الفنان اللبناني سعيد سرحان الأنظار بأدائه المتمكن وإتقانه الشديد لجميع الشخصيات التي يؤديها، ففي حين استطاع خطف القلوب في مسلسل "الهيبة" بدور "علي شيخ الجبل" بطيبته ووفائه، تمكن أيضا من خطف اهتمامهم بدور النقيب "رضوان" في مسلسل "وأخيراً" بشكله وهيئته الغريبة، كما أثبت لهم أنه ممثل مختلف ومتفرد بدور "وسام" في مسلسل "تغيير جو" بسبب أدائه المتميز.وهذا الاختلاف الذي يقدّمه سعيد سرحان ليس وليد اليوم، بل هو نتاج شغف حقيقي بالفن، وخبرة طويلة بدأت معه منذ كان طفلًا يقدّم الاسكتشات المسرحية وهو في سن الـ5، ثم استمر هذا الشغف معه في جميع الأعمال التي قدمها في ما بعد، ككاتب وممثل مسرحي وسينمائي وتلفزيوني.في هذه المقابلة الخاصة مع قناة ومنصة "المشهد"، يتحدث سعيد سرحان بكل صراحة عن دوره في مسلسلَي رمضان، والتحديات التي واجهها خلال تجسيده للشخصيات المختلفة، كما يتحدث عن مشاريعه المقبلة وتطلعاته المستقبلية.كيف تقيّم أداءك بدورَي "رضوان" في مسلسل "وأخيرا" و"وسام" في مسلسل "تغيير جو"، وهل تنتقد نفسك؟لا أحب أن أقيّم نفسي، لكني أحب الاستماع إلى رأي من أثق بهم، لكنني بشكل عام أجلد نفسي، وأعتقد أنّ هذا يُعتبر علاجًا صحيا حتى يصل الفنان إلى صيغة لتقييم نفسه من خلالها، ليتمكن لاحقا من معالجة نقاط ضعفه. في مسلسل "وأخيرا" كان خيار الشخصية جريئا جدا، لأنها مُركّبة بالشكل والصوت والمضمون، وتحدثت سابقا عن أنّ شكل أيّ سلطة في عالمنا يكون بطبيعة الحال مُركّبا وهجينا ومشوّها، إذ إنه عندما يبدأ بممارسة سلطته يصبح شكل السلطة مشوهة بجسد ميّت، لذا حاولت أن أقدّم شخصية عندما يراها المشاهد يبدأ بالتساؤل فيتعلق بها ليحاول فكّ ألغازها.كيف جهزت نفسك نفسيا وجسديا وذهنيا لدور "رضوان"؟تسلّمت النص قبل يومين من التصوير، ولم أتمكن من مناقشته مع المخرج، لأنه كان لديّ الكثير من الأسئلة عندما قرأته، لكنني فوجئت بأنّ التصوير سيكون خلال يوم واحد، بالطبع ثقة المخرج وشركة الصبّاح بي ومعرفتهم بأنني لن أقدّم شيئا عاديا، طلبت منهم بعض الوقت. فذهبت للمنزل وقبل 6 ساعات من التصوير بدأت أبني خلفية الشخصية، واتصلت بزميلة لي اسمها آلين وهي ساعدتني في تشكيل قوالب لهيئة ومظهر شخصية رضوان المشوّهة بالحروق والطعن في الرقبة، طلبت منها ما أريده.. شيء يُشبه الحداد، وعندما ذهبنا إلى مكان التصوير تفاجأ المخرج وأُعجب به كثيرا. تحضير الشخصية استغرق 6 ساعات فحسب، لكن أحيانا لا بد أن نلجأ إلى ما نشعر به ونتبّع حدسنا ما دمنا متأكدين من أدواتنا.تعرّض "وأخيرا" إلى موجة انتقادات كبيرة حتى طالت هذه الانتقادات أدوار النجمين نادين نسيب نجيم وقصي خولي.. كيف ترد على ذلك؟لا يوجد عمل لا يتعرض لانتقادات، وفي النهاية إنها مسألة أذواق، لكن إذا كنا نقيّم العمل من ناحية المادة الفنية أو كنقاد أو أصحاب اختصاص، لا شك أنه في مجالات يمكن الحديث عنها إن كان بالنص أو بالإخراج، لكنّ ظروف الإنتاج تحكم بالنهاية. كانت هناك انتقادات طالت أسلوب الإخراج وهو الأسلوب الخاص الذي يستخدمه أسامة، لأنه يمتلك أسلوبا خاصا به ليس معتادا عليه جمهور العمل الرمضاني. ففي بارانويا مثلا، وهي قصته وإخراجه، وتم عرضه على منصة "شاهد"، لاقى نجاحا كبيرا لأنه عُرض لفئة من المشاهدين على هذه المنصة، لكنّ العمل الرمضاني يختلف لأنه يستهدف جمهورا أكبر وقاعدة أوسع. أسامة قدّم لغة إخراجية مختلفة وجريئة، حتى أنّ الفنانة نادين انتقدتها وقالت على "تويتر" إنّ هناك العديد من اللقطات التي صورتها لم تُعرض، وهو حقها، لكن لا بد من فهم وجهة نظر المخرج والوثوق بها.البعض اعتبر أنّ دور "رضوان" بمثابة عقاب لك من قبل شركة الصبّاح، ما تعليقك على ذلك؟عقاب لي؟! لماذا؟ ماذا فعلت لأعاقب؟ هذا شيء غريب جدا ويثير التساؤلات، فهل كانت الشركة تريدني أن أفشل؟ أبدا، هذه شائعات مغرضة فأنا أعلم قيمتي لدى شركة الصبّاح، وأعلم كيف يراني الأستاذ صادق الصبّاح، وهو صرح عن الموضوع في لقاءات سابقة له، كذلك فإنّ نجاح شخصية "رضوان" ينفي صفة العقاب. لا سبب لأعاقب عليه. لا أحد يُربي الثاني نحن نحب بعضنا البعض وهناك ثقة متبادلة في ما بيننا، ولو لم تكن هناك ثقة أنني سأخلق شيئا جديدا من شخصية سطحية على الورق، ما كانت الشركة أعطتني هذا الدور من الأساس. هل أنت مع إعادة ثنائية قصي ونادين؟لا، أنا مع تركيب ووضع العناصر التي تنجح في ما بينها بالقالب نفسه، ولكن مع تغيير التوجه، قصي ليس بحاجة إلى شهادتي، وبنظري هو أهم ممثل يستطيع أن يُركّب شخصيات بكل إتقان، وربما يزعل مني البعض، لكن ما أحاول قوله هو أنه من أهم الممثلين في جيلنا، ولا أقصد هنا النجم تيم حسن لأنه يمتلك أسلوبا مخيفا ويستطيع أن يتحرك بأدواره، لكن ما أقصده أنّ قصي قادر على تركيب وتعقيد الشخصية، لذا أنا مع ألا تُعاد ثنائية نادين وقصي بهذا الشكل، لكن بشكل آخر كأضداد كما رأينا في مسلسل "2020" الذي لاقى نجاحا كبيرا.وككاتب، لديّ فكرة لنادين وقصي لإعادة هذه الثنائية بشكل مختلف، ولإعادة هذه الثنائية لتحقيق شيء ما، نادين بحاجة إليه، وستكون قصة أكشن لن أتحدث عنها، ولكن سأعطيك شيئا بسيطا.. القصة تدور أحداثها في عالم آخر، عالم من التاريخ، ولم أتحدث بعد مع نادين أو قصي، لكنني متأكد أنهما سيُعجبان بها.وقفت إلى جانب الفنان قصي في "بارانويا" أيضا.. حدثنا عن الكيمياء التي تجمعكما؟هناك كيمياء عالية جدا، كنا أنا وقصي في حالة تُشبه لعبة الـ"بينغ بونغ" خلال التصوير. بارانويا كان أول عمل يجمعنا وخلق بيننا كيمياء سريعة جدا تكرست في "وأخيرا"، حيث العديد من المشاهد عملنا عليها وحضرناها "أون سيت" وكانت تُقدم بشكل ارتجالي عفوي حقيقي وجميل، لتحقيق ذلك لا بد من وجود ثقة بين الطرفين."تغيير جو" العمل المشترك الذي ضم فنانين من لبنان ومصر والأردن.. هل ترى أن الأعمال الناجحة صارت محكومة بنطاق "الأعمال المشتركة"؟ لا، ليس بالضرورة، لدينا مثال على ذلك مسلسل "الزند" هو سوري بحث ونجح نجاحا باهرا من حيث الإخراج والتصوير والأداء من جميل الممثلين، لذا ليس من الضروري أن يكون نجاح العمل محكوما بأنه مشترك أم لا، فإذا كانت القصة تتطلب ذلك فليكن. في "تغيير جو" نحكي عن قصة بدأت في مصر وانجرت أحداثها إلى لبنان، فتداعت الشخصيات اللبنانية بطبيعية وفقا للقصة.هناك عمل فني مشترك سيُعرض قريبا وتم تصويره في اليونان، ويضم نخبة من النجوم بينهم جيمس فرانكو، ويعقوب الفرحان من السعودية، وآخرين من لبنان سوريا، تلعب الشخصيات أدوارها في بيئة تضم جنسيات مختلفة في حيّ وسط لبنان.قلت في مقابلة سابقة إنّ "المواهب باتت تُصنّف بحسب الجنسيات".. ماذا كنت تقصد بذلك؟ للأسف، هناك أشخاص يُصنّفون الممثل بحسب جنسيته وليس موهبته وهذا خطأ. لا أتحدث هنا عن شركات الإنتاج أبدا، لأنّ أكبر دليل هو أنها تذهب للعمل المشترك، لكنني أتحدث عن النقاد الفنيين تحديدا. في هوليوود من الصعب التفريق بين الممثل الأمريكي أو الأسترالي أو الأسكتلندي. لا بد أن نوقف هذه التصنيفات لأنّ هوية الفنان هي فنه وشخصيته وما يُقدمه للجمهور. التصنيف أمر مضر ولا يخدم أصحابه. بعد مسلسل باب الجحيم، هل تعتبر أنّ البطولة المطلقة لك لم يحن وقتها بعد؟أعتبر أنّ الجمهور أعلن أنه حان وقتها من زمان.. بالنسبة لي أعتقد أنني استوفيت جميع المواصفات المطلوبة لأنني لست ابن البارحة، لديّ 8 أفلام عُرضت في مهرجانات عالمية، وكذلك تجارب المسرح التي عُرضت في عدد من الدول بينها إيطاليا واليابان. لذا أعتقد أنّ المواصفات موجودة، لكن لماذا لم يحن وقتها بعد، فهذا سؤال لا أستطيع الإجابة عليه. أعتقد أنّ الأستاذ صادق الصبّاح سُئل من قبل حول هذا، وكان رده واقعيا ومنطقيا وهو أنّ الممثل اللبناني لم يكن لديه قاعدة جماهيرية مثل السوري، لأنّ سوق الدراما السورية أكبر من اللبنانية، لذا فإنّ الشركات التي تتعامل مع شركات الإنتاج لديها وصفة خاصة بها، ولنقل إنّ الممثل اللبناني ليس على الدرجة المطلوبة فيها. لكننا على الطريق الصحيح لتغيير هذه النمطية.بدأت مسيرتك الفنية على خشبة المسرح ولعبت أدوارا كثيرة.. أين المسرح الآن في حياتك؟ وأين وصل بشكل عام في لبنان وباقي الدول العربية؟ بدأت على خشبة المسرح من عمر الـ5 سنوات، كنت شغوفا جدا به وأدّيت مسرحيات عدة رفقة المخرج عصام بو خالد، والممثلة بيرناديت حداد. لكن للأسف المسرح انهار في فترة الوباء وحتى الآن لم يعد بعد، ناهيك عن الأزمة الاقتصادية التي عصف في لبنان، ما أثر على تسعيرة تذاكر المسرح. أما في عالمنا العربي فبعد فترة الوباء اختفى وأعتقد أنه لا يزال بحاجة إلى المزيد من الوقت ليتعافى. أشتاق للمسرح كثيرا، ولا شيء مثله يُعلّم الممثل، والممثلين الذين لم يعملوا في المسرح هم فقط يؤدون الأدوار فحسب. تعوّد الجمهور أن يراك في شخصية علي شيخ الجبل في مسلسل "الهيبة".. كيف استطعت أن تخلع ثوب هذه الشخصية وتلبس الأدوار الأخرى؟ وهل كنت تتوقع كل هذا النجاح الذي حققه دورك في المسلسل؟حينما عُرض عليّ الدور، كنت في فترة استراحة من العمل في التلفزيون، لكن عندما جاءت الفرصة التقيت مع المخرج سامر البرقاوي. كنت خائفا من النتيجة، لكنّ الثقة الكبيرة التي وضعها البرقاوي فيّ أوصلتنا لنخلق شخصية علي بالطريقة التي أحبّها العالم وتكرست بالجزء الرابع وأخدت شبه بطولة في الجزء الخامس في مفصل للأحداث.شخصية علي أحبها بشكل خاص، إضافة إلى ذلك أنا كتبت الهيبة الجزء الرابع والخامس، وكان هناك نوع من التفهم والكيمياء الكبيرة بيني وبين سامر البرقاوي وبين الشخصيات. أعتقد أنّ لديّ نوعا من الانفصام في الشخصية، فأنا لا أخلع ثوبا وأرتدي الآخر، لكنني أعمل على شخصية وأضعها على جنب وأستحضر شخصية لدور آخر وأعمل عليها، وعندما أحتاج أدوات شخصية أخرى أستحضرها، كما حدث في مسلسلي "تغيير جو" و"وأخيرا" كنت أصور في اليوم نفسه شخصيتين متناقضتين.. أعتقد أنني أُعاني مرضا نفسيا يتعلق بتعدد الشخصيات.ذكرت في مقابلات سابقة أنك تقدّر الممثلين الذين هم أيضا كتّاب. ما رأيك بالعلاقة بين التمثيل والكتابة، وكيف أثرت كتاباتك الخاصة على أسلوبك في الأداء؟أحبّذ دائما أن يكون لدى الممثل خبرة في الكتابة، لأنه بحاجة لأن يعمل على إعادة كتابة النص الذي يريد العمل عليه، هذا ما يجب أن يفعله الممثل أن يصف الكلمات بطريقة تشبه الشخصية التي يؤديها، وهو جزء من شغل الممثل في التحضير.. الممثل الحقيقي لا يستلم النص ويؤديه فحسب، بل إنه يعمل على فهم وجهة نظر المخرج، لا بد أن يخضع الممل لدورات في الكتابة أو يقرأ نصوصا متعددة.إذا نظرنا إلى الخلف في حياتك المهنية حتى الآن.. هل أنت راضٍ عما قدمته؟ وهو الدور الأقرب إلى قلبك؟أنا راضٍ على كل شيء قدمته كشخصيات، لكن كأعمال نعم هناك أعمال لست راضيا عنها. الدور المفضل لي هو دور شخصية تدعى رزوق في مسلسل "بلاد العز".. هو من أجمل الشخصيات التي لعبتها وكانت شخصية مركبة بشخصيتين في الوقت نفسه. ما هي مشاريعك المقبلة؟ قريبا هناك مسلسل على "شاهد" من إنتاج شركة الصبّاح وإخراج المخرجة اللبنانية صوفي بطرس، وبطولة النجم السوري بسام كوسا ونخبة من الممثلين الشباب، بالإضافة إلى الفنانة فرح بسيسو وأنا أشارك فيه، كذلك لديّ فيلمان أحدهما في نوفمبر المقبل مع المخرج طارق قبلاوي، في بطولة بين شخصيتين، والفيلم الآخر للمخرج ميشيل كمون من بطولة الفنان اللبناني جورج خباز وممثلة عالمية، اسمه "الإخوة"، ومن المفترض أن نحضّر له قريبا لكننا في انتظار ظروف الإنتاج. (المشهد)