أصدرت مدينة ساحلية في البرازيل قانونا جديدا ينص على أن الأمواج كائنات حية، في أول إجراء من نوعه يضفي صفة قانونية على أحد مكونات البحار أو المحيطات. وفي مطلع الشهر الماضي، أصدرت السلطة البلدية في مدينة لينهاريس البرازيلية قانونا ينص على أن الأمواج عند مصب نهر دوسي الذي يصب في المحيط الأطلسي لها الحق في الوجود والتجدد، وهو ما يعني ضرورة الحفاظ على استمراريتها بشكل طبيعي وضمان نظافة المياه في تلك المنطقة. ويلزم القانون الجديد السلطات في المدينة بحماية شكل النهر والخواص البيئية التي تضفي على الأمواج في تلك المنطقة شكلها المتفرد مع الحفاظ على التركيب الكيميائي للمياه من خلال سياسات عامة وتمويل.وتقول فينيسيا هاسون المحامية المعنية بشؤون البيئة والمدير التنفيذي لمنظمة ماباس غير الحكومية والتي تناصر حركة الحفاظ على حقوق الطبيعة في البرازيل إن القانون يشترط أيضا احترام الدور الثقافي والاقتصادي الذي تقوم به الأمواج في المجتمع المدني.تعيين أوصياء على الأمواجوقامت بلدية لينهاريس بتعيين أوصياء للحفاظ على حقوق الأمواج مع اعتبارهم ممثلين عن الأمواج في إطار آليات اتخاذ القرار في المدينة.وتشتهر أمواج مدينة لينهاريس بأطوالها وأشكالها الأنبوبية حيث يقصدها هواة التزلج على المياه من مختلف أنحاء العالم، ولكن قبل نحو ثماني سنوات، بدأ مجتمع المتزلجين في المنطقة ملاحظة بعض التغيرات التي تطرأ على الأمواج حيث لم تعد تتشكل بأحجامها الضخمة ولا تتكسر على بعضها أثناء الاقتراب من الساحل.ويوضح هاولي سيلفا فاليم أحد هواة التزلج على المياه ومؤسس تحالف نهر دوسي، والذي اختير ليكون أحد ممثلي الأمواج في المدينة، أن الأمواج عند مصب نهر دوسي تضررت عندما انهار سد ماريانا قبل سنوات مما خلف دمارا هائلا راح ضحيته 19 شخصا.وذكر في تصريحات نقلها الموقع الإلكتروني هاكاي المعني بأبحاث البيئة البحرية ان السد كان يحتجز نفايات أعمال تعدين الحديد في مدينة ماريانا المجاورة، وعندما انهار، تدفقت الأوحال والنفايات في مجرى النهر مما تسبب في ضعف التيار، وبالتالي تأثرت حركة تشكل الأمواج عند المصب. ولم تعد الأمواج تتكون مجددا إلا عندما حدث فيضان عام 2022 وقام بتطهير مجرى النهر.ولم تكن الأمواج هي المتضرر الوحيد من انهيار سد ماريانا، فقد تسببت الأوحال البنية السامة في تلويث الثروة السمكية والنباتات وأشكال الحياة البحرية الدقيقة على امتداد عدة كيلومترات قبل المصب.وتقول فلافيا راموس، وهي أحد المشاركين في تأسيس تحالف نهر دوسي إن "جميع أشكال الحياة تضررت" من أنشطة الصيد إلى السياحة. وقد أقامت مجموعة تضم نحو 720 ألف من سكان المنطقة ممن أضيروا من الحادث دعوى قضائية ضد شركة التعدين.أشكال الطبيعة لها الحق في الوجودوتقول المحامية فانيسا هاسون إن الهدف الأساسي من القانون الجديد هو تغيير العقليات والسياسات العامة فيما يتعلق بقضايا مثل جودة المياه والحفاظ على الموارد، ويستند إلى قانون سابق للحفاظ على حقوق الطبيعة صدر عام 2017 في مدينة بونيتو البرازيلية، وأدى إلى تطبيق مشروع زراعي يهدف إلى تحسين جودة التربة وسبل إدارة المياه ودعم الاقتصاد المحلي.وجدير بالذكر أن حكومات الدول حول العالم بدأت تدرك بشكل متزايد أن أشكال الطبيعة لها الحق في الوجود، وأنه من الممكن الدفاع عن هذا الحق أمام القضاء. وفي عام 2008، أصبحت الإكوادور أول دولة في العالم تتبنى قانون حقوق الطبيعة وتدرجه ضمن دستورها الوطني. وعلى مدار العقد الماضي، سارت دول أخرى على نفس النهج، حيث أصدرت بنجلاديش قانونا يضفي صفة قانونية على نهر توراج، كما أعطت نيوزيلندا ضمانات قانونية لحماية إحدى الغابات وأحد الأنهار وبركان خامد. ومؤخرا أصبحت بحيرة مار مينور الملحية على سواحل إسبانيا أول منظومة بيئية في أوروبا تحصل على حقوق قانونية. ونقل موقع "هاكاي" عن فاليم قوله إنه في حين أن كارثة انهيار السد دفعت الحكومة المحلية للتحرك من أجل حماية الأمواج عند مصب نهر دوسي، فإن القانون الجديد يكفل للنهر ضمانات ضد مخاطر أخرى كذلك، موضحا: "نحن نتعرض لضغوط مستمرة من أعمال تطوير الموانئ وبقع التسرب النفطي واتساع أنشطة الزراعة، فضلا عن التلوث الناجم عن نفايات البلاستيك والزجاج بسبب المدن وأنشطة الصناعة على امتداد المجرى".توفير ضمانات لحماية المحيط وإلى جانب تغيير السياسات التي تنظم التعامل مع أشكال الحياة الطبيعية، فإن التشريعات الخاصة بحقوق الطبيعة لها أنياب قانونية، ففي يوليو 2024، أصدرت محكمة في الإكوادور حكما يخلص إلى أن حقوق أحد الأنهار التي تجري عبر العاصمة قد تم انتهاكها بسبب التلوث، وبالمثل فإن القانون الذي أصدرته مدينة لينهاريس يمكن أن يستخدم من الناحية النظرية لمحاكمة أي شخص ينتهك حقوق الأمواج، وبما أن القانون ينص على حماية المنظومة البيئية التي تنتمي إليها هذه الأمواج بالكامل، فمن الممكن تطبيقه لحماية أي ضرر يتعرض له مجرى النهر، رغم صعوبة تحقيق ذلك في الحقيقة.ونظرا لأن نص القانون يشير إلى ضرورة حماية المساحات المائية المتصلة، فإنه يعني بالتبعية توفير ضمانات لحماية المحيط أيضا، وهو ما يجعله خطوة أولى نحو الاعتراف بحقوق المحيطات في العالم. وتقول هاسون إن هناك حملة عالمية تتشكل حاليا للوصول إلى هذا الهدف. وترى أنه "عندما تعترف بحقوق جزء صغير من المحيط مثل أمواج نهر دوسي، فإنك تصل بذلك إلى المحيط بأسره".(د ب أ)