يعيش الإنسان في عالم مليء بالتحديات والمواقف الاجتماعية المعقّدة، ولتكون قادرًا على التفاعل والتعامل مع هذه المواقف بنجاح، فأنت بحاجة إلى مزيج من الذكاء العاطفيّ والذكاء العقلي. يُعتبر الذكاء العاطفيّ مفهومًا جديدًا نسبيًا في مجال علم النفس، حيث يركز على قدرة الفرد على التعامل مع مشاعره ومشاعر الآخرين، واستخدامها بشكل فاعل في حياته اليومية. في هذا المقال، سنستكشف أنواع الذكاء العاطفيّ بشكل أكثر تفصيلًا، ونعرض أهميتها وكيفية تطويرها.ما هو الذكاء العاطفي؟يُعتبر الذكاء العاطفيّ مجموعة من المهارات الأساسية التي تساعد في فهم الذات والآخرين، وإدراك المشاعر والتحكم فيها، والتواصل الفعال، وإدارة العلاقات الاجتماعية. ومن المثير للاهتمام أنّ الذكاء العاطفيّ ليس ميزة موروثة، بل هو مهارة قابلة للتطوير والتعلّم، ما يعني أنه يمكن للفرد تحسينه وتنميته عبر التدريب والممارسة.ويمكن تعريف الذكاء العاطفيّ (EI أو EQ) بأنه القدرة على إدراك العواطف وتفسيرها، ومعرفة وقت إظهارها أو إخفائها، بالإضافة إلى التحكم في استخدامها مع الآخرين. ليس هذا فحسب، بل يعني الذكاء العاطفيّ أيضًا فهم مشاعر الآخرين، وتحديد كيفية الاستجابة لها، وتطوير العلاقات الاجتماعية والحفاظ عليها، وكذلك التعامل مع التحديات وإدارة التوتر واتخاذ القرارات.ويمكنك معرفة أنك تتمتع بالذكاء العاطفيّ إذا كانت لديك القدرة على تحدّد مشاعر الآخرين ووصفها، وأن يكون لديك ثقة بذاتك ووعي كامل بنقاط قوّتك وقيودك الشخصية. يمكن وصفك بأنك ذكيّ عاطفيًا إذا كانت لديك القدرة على إدارة عواطفك والتحكم فيها في المواقف الصعبة، وكذلك قبول وتحمّل مسؤوليتك عن الأخطاء التي ترتكبها.أنواع الذكاء العاطفيهناك ثلاثة أنواع رئيسية للذكاء العاطفي؛ نموذج القدرة، ونموذج السمات، والنموذج المختلط. وهنا، سوف نلقي نظرة فاحصة على كل واحد منهم:1. نموذج القدرةفي هذا النوع أو النموذج الخاص بالذكاء العاطفي، لا بدّ أن تمتلك بعض الكفاءات المعينة لكي تكون ذكيًا عاطفيًا. ومن أهم الكفاءات الواجب امتلاكها في هذا النوع من أنواع الذكاء العاطفي:إمكانية التعرف إلى العاطفة التي تسيطر عليك.معرفة كيفية التصرف مع العواطف.فهم معنى العواطف والأشياء الكامنة خلفها.القدرة على إدارة العواطف وفقًا للمواقف المختلفة.2. نموذج السماتهذا النموذج من أنواع الذكاء العاطفيّ لا يتفق مع فكرة أنّ الذكاء العاطفيّ يعتمد على القدرات. ولكن، وفقًا لهذا النوع فإنّ الذكاء العاطفيّ يرى أنّ الناس لديهم تصورات ذاتية عاطفية وسمات خاصة، تعمل على تشكيل الشخصية. يمكن لكل شخص أن يحدد سماته وتصوراته، كما يحدد مستويات حزمه وسعادته واحترامه لذاته.3. النموذج المختلطكما يوحي اسمه، فإنّ هذا النوع يجمع بين العديد من صفات الذكاء العاطفي، مثل: بعض المهارات مثل التعاطف.عدد من السمات مثل التفاؤل.العديد من الصفات الأخرى مثل إمكانية قراءة تعابير الوجه ولغة الجسد، وإمكانية التأثير على الآخرين وإلهامهم.خصائص الذكاء العاطفيتُعتبر الدراسات العلمية في مجال الذكاء العاطفيّ من أوائل الباحثين في هذا المجال، دانييل غولمان، الذي أشار إلى وجود 5 خصائص رئيسية للذكاء العاطفي. تشمل هذه الخصائص: الوعي الذاتيّ، والتنظيم الذاتيّ، والدافع، والتعاطف، والمهارات الاجتماعية. تلعب خصائص الذكاء العاطفيّ دورًا حاسمًا في التأثير على حياة الفرد ونجاحه الشخصيّ والاجتماعي.1- الوعي الذاتيحينما يوصف أحد الأشخاص بأنه واعٍ ذاتيًا، فهذا يعني أنه يتمتع بالقدرة على معرفة مشاعره، وفهم تأثير سلوكه على الآخرين. كذلك، فإنّ الواعي ذاتيًا بإمكانه تقييم نقاط قوّته وضعفه، ومعرفة مدى تأثير ردات فعله العاطفية على الآخرين.الشخص الذي لديه وعي ذاتي، يستطيع تحمّل مسؤولية أفعاله، ولا يكون أسيرًا لعواطفه، فلا يجعلها تقوده، بل هو الذي يتحكم فيها، وبذلك لا يمكن أن تقوده أيّ كلمات أو أفعال إلى تدمير ذاته أو الآخرين. الإنسان الذي يتمتع بالوعي الذاتيّ يمكنه تطوير نفسه باستمرار، ويسلك مختلف الطرق من أجل تحسين ذاته.يمكن للفرد معرفة أنه واعٍ ذاتيًا إذا توافرت فيه الصفات التالية:يجيد تحديد ومراقبة مشاعره في لحظة معينة.يستطيع السيطرة على نفسه عند الغضب، ويتراجع عن قول عبارات أو فعل أشياء، ربما ستقوده إلى طريق الندم مستقبلًا.حينما يصفه الآخرون، فإنهم يقولون الوصف ذاته، الذي يعتقد الشخص أنه يتصف به.2- التنظيم الذاتيالوقاية خير من العلاج. لا تنطبق تلك المقولة على الأمراض العضوية فقط، ولكن يمكن أن تنطبق على السياقات الاجتماعية أيضًا. فالشخص الذكيّ عاطفيًا، لا يتمتع بالوعي الذاتيّ فقط، ولكنه أيضًا يمكنه تنظيم وإدارة تلك العواطف.يمكن للشخص الذكيّ عاطفيًا، أن يعي تأثير عواطفه وسلوكياته التي يقوم بها تجاه الآخرين، وذلك قبل أن يقوم بردّ فعله من الأساس. كذلك، فإنّ الذكيّ عاطفيًا يمكنه إدارة الصراع الداخليّ وأن يقيّم الأمور بداخله، ويدير المواقف الصعبة، ليخرج بفعل لائق.ربما يمكن تلخيص كل ما قلناه عن التنظيم الذاتيّ بأنه ضمير حي، فهم يمكنهم التعبير عن أنفسهم ولكن بطريقة مناسبة للظروف المحيطة، ويعلمون كيف ومتى يكون هذا التصرف مقبولًا أو غير مقبول.أهم عنصر في التنظيم الذاتيّ هو التفكير قبل اتخاذ ردّ الفعل، أو قبل التحدث مع الآخرين عمومًا. إذا وجدت نفسك في حالة شديدة من الغيظ، فلا تتكلم، فمن المؤكد أنّك ستندم لاحقًا، فقط اصمت، واهدأ، وفكّر ثم تكلم.حينما تكون شخصًا منظمًا ذاتيًا، فستجد أنّ الأمر يسهّل من إدارة علاقاتك، فتخصيص بعض الوقت في معرفة تأثير كلماتك وأفعالك على الآخرين، من شأنه أن يعزز التواصل الفعال معهم من دون الوقوع في فخّ التبرير واللجوء للكثير من الحجج.3- الدافعلكل منا دافع جوهريّ يحرّكه لاتخاذ قرارات معينة، ويتمتع الأشخاص الأذكياء عاطفيًا بإحساس قويّ بدافعهم الجوهري. ربما يكون الهدف أو القرار الذي يتخذه الفرد، يبدو صعبًا أو مستحيلًا، ولكنّ وجود الدافع الداخليّ يمنحه الإيمان لتبنّي هذا القرار.وجود هذا الدافع الداخلي من شأنه أن يزيد من فرصة نجاح الشخص، لأنه يمنحه القدرة على التعامل مع التحديات التي يواجهها خلال رحلة تحقيق الهدف. يصبح هذا الشخص ملهمًا للآخرين من حوله، ويزداد لديه الإحساس بقيمته الذاتية.يأتي دور الدافع الداخليّ حينما تشعر بالملل مما تقوم به، فالشخص الذي لا يتمتع بالذكاء العاطفي، ربما يستسلم للشعور بالملل، وتصبح حياته روتينية بشكل كامل. أما الشخص الذكيّ عاطفيًا، يمكنه أن يفكر في الدافع الأصليّ الذي كان يمنع عنه إحساس الملل في البداية. يمكنه كذلك تطوير نفسه وزيادة مهاراته، ما يمنحه فرصة للحصول على تحديات جديدة، والتي تعدّ حائطًا منيعًا أمام الشعور بالملل.ربما يشعر الشخص بالملل تجاه عمله، وحينها يأتي دور الحافز، فعليه كتابة سبب حصوله على هذا العمل من الأساس، هل هو العائد المادي، أم الحلم بمنصب أكبر في المستقبل؟حينما يضع الشخص هذا السبب الذي كتبه أمام عينيه في أيّ وقت يشعر فيه بالملل، فإنه ينشّط ذاكرته تجاه الحافز الأساسيّ لهذا العمل، ما يمنحه القدرة على متابعته مرة أخرى. ومن الممكن منع الملل قبل قدومه من خلال تعلّم أشياء جديدة، تساعد على إتمام العمل بطريقة أفضل أو الانخراط في أنشطة جديدة داخل العمل مع الزملاء، أو وضع أهداف مشتركة معهم.4- التعاطفيعدّ أحد العناصر الرئيسية في الذكاء العاطفي، وهو قدرة الشخص على تحديد ما يشعر به الآخرون، ووضع نفسه في الموقف ذاته، وهنا يستلزم التعاطف التصرف بناءً على تلك المعلومات.يتسم الشخص الذكي عاطفيًا بالانفتاح على وجهات نظر الآخرين، وبذلك فإنه لا يُصدر الأحكام عليهم، ولكن يبذل جهدًا لجعلهم يشعرون بالتحسن. كذلك، فإنّ من يتمتع بالذكاء العاطفيّ يمكنه فهم ديناميكيات المواقف الاجتماعية المختلفة، ويكون لديه المهارة اللازمة للتعامل مع الفروق الدقيقة لدى الآخرين.يساعد التعاطف صاحبه على فهم الآخرين، والاقتراب مما يشعرون به، ويبكون على دراية بسبب تصرف الآخرين بطريقة معيّنة. ومن أهم فوائد التعاطف أنه يسهّل العلاقات بين الأفراد، لأنّ الذكيّ عاطفيًا يأخذ في الاعتبار احتياجات الآخر ومشاعره.تساهم القراءة على زيادة تعاطف الشخص حيث تنقله للعيش بداخل شخصيات كثيرة، وبالتالي يتدرب على كيفية الشعور بما يشعر به الآخرون. ويمكنك أن تزيد من تعاطفك مع الآخرين عن طريق:فكّر في احتياجات الشخص الآخر وتصرّف بحساسية.لا تضع افتراضات حول كيفية تعامل شخص ما مع شيء ما، فلكل منّا طريقته الفريدة في التعامل مع ما يمرّ به.لا تقفز إلى الاستنتاجات، ولا تبني قصصًا وأوهامًا داخل رأسك عن الآخرين.كن صادقًا في اهتمامك.ابذل جهدًا واعيًا حينما تستمع إلى الآخرين، وانتبه إلى لغتهم الجسدية لتعي ما يقولون حتى لو لم ينطقوا به.5- المهارات الاجتماعيةالذكاء العاطفيّ والمهارات الاجتماعية يسيران بجانب بعضهما البعض، فالأذكياء عاطفيًا يكونون متفوّقين اجتماعيًا ولديهم القدرة على التواصل مع الجميع، كما يجعلون الآخرين يشعرون بالتقدير.يمكن للشخص الذكي عاطفيًا ويمتلك مهارات اجتماعية أن يجعل من حوله يشعرون بالراحة، وذلك لأنه يتمتع بالمرونة في التعامل مع الآخرين، والتعامل مع المواقف الجديدة.يمكن لأيّ شخص تطوير مهاراته الاجتماعية حتى وإن كان يشعر بالخجل، يعدّ التواصل المتعمد أمرًا أساسيًا، بالإضافة إلى بذل جهد للتواصل مع الآخرين. كذلك، يعدّ الاستماع الفعال جزءًا مهمًا من الذكاء العاطفي، لأنه يساعد على تسهيل العلاقات القوية.من خلال فهم أنواع الذكاء العاطفي، أو كما يدعوها البعض خصائص الذكاء العاطفي، يمكن للأفراد تحديد نقاط قوّتهم ونقاط ضعفهم والعمل على تحسينها. فعلى سبيل المثال، إذا كان الفرد يعاني صعوبة في فهم المشاعر الخاصة به أو بالآخرين، يمكنه التركيز على تطوير مهارات الوعي العاطفي. وبالمثل، إذا كان الفرد يجد صعوبة في التعامل مع الضغوط العاطفية، فإنّ تعزيز مهارات التحكم في المشاعر سيكون أمرًا ضروريًا.هل الرجل والمرأة متساويان في الذكاء العاطفي؟من الشائع أنّ الذكاء العاطفيّ عند المرأة أعلى من الذكاء العاطفيّ عند الرجل، وذلك بسبب أنّ النساء يمكنهنّ التعبير عن مشاعرهنّ أكثر من الرجال، ولكن، وفقًا لمجلة فوربس، فمن بين ملايين الأشخاص الذين خضعوا لتقييمات الذكاء العاطفيّ في جميع أنحاء العالم، تبين أنّ الرجال والنساء متساوون في الذكاء العاطفي.ولكن، على الرغم من هذا التساوي، فإنّ الرجال والنساء لديهم نقاط قوة مختلفة عن بعضهم البعض في الذكاء العاطفي.تميل النساء بشكل عام إلى الحصول على درجات أعلى من الرجال في مجالات التعاطف والعلاقات الشخصية والمسؤولية الاجتماعية. يميل الرجال إلى الحصول على درجات أعلى من النساء في مجالات الحزم والتسامح مع التوتر واحترام الذات.ويأتي هذا الاختلاف بسبب بداية تكون الذكاء العاطفيّ عند الأطفال. فتنشئة الأولاد الصغار تختلف عن البنات، ويتضح ذلك في أنّ الأولاد يجري حثّهم منذ الصغر على المنافسة والثقة والحسم، بينما تربى الفتيات على الاهتمام بالآخرين وإظهار مشاعرها وتعاطفها.يبدأ الأولاد في تطوير مهاراتهم اللازمة ليكونوا أكثر حزمًا، بينما تطور الفتيات مهارات التعاطف والعلاقات الاجتماعية. وبالتالي، تظل تلك المهارات ملازمة للشخصية حتى الكبر، فنجد أنّ كلًا من المرأة والرجل لديهم نقاط أكثر قوة في الذكاء العاطفيّ من الآخر.أصبحت تلك الصفات الخاصة بالحزم والتي يتصف بها الذكور، هي الصفات القيادية ذاتها، وذلك بسبب التنشئة الاجتماعية، وأصبحت المرأة التي تتولى مناصب قيادية لا بدّ لها أن تُظهر تمتّعها بتلك الصفات التي تتّسم بالحزم والسيطرة.أهمية الذكاء العاطفيالذكاء العاطفيّ مهم للنجاح في الحياة الشخصية والعملية. يمكن أن يساعدك على:إدارة التوتر والقلقبناء علاقات قويةحل النزاعاتاتخاذ قرارات أفضلتحقيق الأهدافكيفية تحسين الذكاء العاطفييمكن تحسين الذكاء العاطفي من خلال الممارسة والتعلم، في ما يلي بعض النصائح:1. الانتباه لمشاعر الذاتخذ بعض الوقت كل يوم للتفكير في مشاعرك وتأثيرها عليك، وانتبه لما قد تسبّبه مشاعرك إذا لم تحسن التحكّم بها.2. تعلم كيفية إدارة مشاعركهناك العديد من استراتيجيات إدارة المشاعر التي يمكنك تعلمها، مثل تمارين التنفس والتأمل.3. استمع جيدًاحاول الاستماع إلى وجهة نظر الآخرين واحتياجاتهم، واستمع إلى ما يشعرون به، وركز جيدًا، فربما هناك ما يُقال من دون كلمات.4. كن متعاطفًا مع الآخرينضع نفسك مكان الآخرين، حتى تتمكن من فهم وجهة نظرهم. تخيّل للحظة كيف يكون شعورك في حال تبدلت الأماكن. بالإضافة إلى بناء الفهم العاطفي، تساعد تلك الخطوة على تطوير مهاراتك العاطفية.(المشهد)