يبدوا أنّ خبر وفاة الأقرباء لم يعد يشكل وحده مصدر حزن عند الكثير من المواطنين داخل مصر، بل الأصعب من ذلك مشكلة مكان دفن الميت، وذلك بعد أن بات الحصول على مقبرة، أمرا في غاية الصعوبة لدى الكثير من البسطاء في مصر، الذين لا يجدون ما يشترون به مقبرة تضم عظام الراحلين، في ظل غلاء مستفحل تشهده أسعار هذه المقابر في أنحاء البلاد.فالكثير من العائلات المصرية تجد معاناةً شديدة من أجل دفن ذويهم، لأنّ امتلاك مقبرة جديدة تحتاج إلى ما يعادل شراء شقة سكنية صغيرة أو متوسطة.فخلال العامين الماضيين، قفزت أسعار المقابر بنسبة تجاوزت 100% خصوصا في المدن الجديدة، فيوجد حالة من الربط بين أسعار الشقق والمقابر.ودفع زيادة الطلب على المقابر وغلاء أسعارها، لظهور المقابر "متعددة الطوابق"، وتدخلت جمعيات دينية لتوفير بدائل عن شراء المقابر بمبلغ كبير دفعة واحدة، بإتاحة دفن الشخص "بالتقسيط"، حيث يدفع 150 جنيها شهريا حتى وفاته.مقابر الحكومةالحكومة المصرية من جهتها، وعبر وزارة الإسكان، تحاول إيجاد حلول لمواجهة ارتفاع أسعار المدافن، من خلال منح الأراضي بطريقة حق الانتفاع للمواطنين، ولا يجوز بيعها أو التنازل عنها، تبعا لقانون تعمل به وزارة الإسكان منذ عقود طويلة، لتتيح الحكومة لنفسها حق إزالة المقابر للمنفعة العامة، في حالة الضرورة، وتعويض أصحابها بمقابر بديلة في مكان آخر، وفي بعض الأماكن تطرح هيئة المجتمعات العمرانية مقابر بأسعار تناسب الطبقات المتوسطة والفقيرة، ولكن وفقا لنظام الحجز الإلكتروني وكرّاسات شروط يتم طرحها، ولكن للأسف تكون أعداد هذه المقابر المطروحة قليلة ولا تناسب المطلوب، ولكل عائلة مقبرة واحدة فقط.تسعير المقبرةوبحسب أحد مقاولي ومسوّقي بيع المقابر ويدعي بيومي نشأت لمنصة "المشهد"، فإنّ أسعار تلك المقابر تتفاوت بشكلٍ نسبي داخل مصر، وخصوصا العاصمة القاهرة، وذلك طبقا للعديد من الاعتبارات، والتي منها حجم المقبرة والمساحة التي يطلبها المواطنون، إضافة إلى الموقع الجغرافي، والذي يكون له عامل كبير في تحديد سعر أيّ مقبرة، موضحا في الوقت نفسه، أنّ الزيادة الهائلة في سعر المقابر، تسببت في تراجع متوسط المساحات إلى 20 مترا للمقبرة، وتتضاعف قيمتها مع زيادة المساحات، وتباع مقبرة الـ20 مترا ما بين 180 ألفا إلى 350 ألف جنيه، والمتوسطة سعة 40 مترا ما بين 320 ألفا إلى 600.كشف نشأت أنّ ثمن مقبرة بمساحة تبلغ 80 مترا، يصل سعرها إلى مليون جنيه مصري في مناطق شرق القاهرة، كمدينة نصر والتجمّع الخامس، بينما يصل سعر المساحة نفسها لكن في مدينة السادس من أكتوبر، إلى 850 ألف جنيه مصر.أسباب تفاقم الأزمةويرى الخبير العقاري محمود داود، أنّ هناك العديد من الأسباب التي أدت إلى ارتفاع أسعار المقابر بهذا الشكل الرهيب، ومن أبرز تلك الأسباب حالة التضخم العارمة التي تحتاج العالم كله، نتيجة الحرب الروسية- الأوكرانية، وأزمة الطاقة الموجودة في العالم، وبالتالي أدى ذلك إلى وجود ارتفاع كبير في جميع خامات ومواد البناء، فعل سبيل المثال وصل طن الحديد في هذه الأيام إلى 37 ألف جنيه مصري، كما ارتفع طن الأسمنت إلى ما يزيد عن 4 آلاف جنيه، ومن ثم زيادة أسعار المقابر طبيعية بعض الشيء.ويضيف الخبير العقاري في حديثه لـ"المشهد"، أنّ ضيق الحيّز العمراني في ربوع المحافظات المصرية، انعكس سلبا على ارتفاع أسعار المقابر، بتأثير الانعكاس السلبي نفسه، على ارتفاع أسعار العقارات، وأنّ "الأزمة الحقيقية بالنسبة للمدافن تحديدا، لا تكمن في قلة المساحات، فالصحراء المصرية مترامية وشاسعة، ولكنّ المشكلة أنها تقع في حيازة جهات، ووزارات عديدة لا تريد التفريط فيها، باعتبارها ملكًا لها، وبالتالي اتجهت الدولة حاليا إلى توسيع الظهير الصحراوي وتعميره، فالمصريون يعيشون على 7,5% فقط من إجمالي مساحة البلاد، لذا تهدف الحكومة من خلال خطة "2030" الوصول إلى 15% كمساحة بدائية، وهذا بدوره سيُحدث فارقا كبيرا داخل مصر، لأنه سيكون هناك مناطق جديدة للمواطنين، وبالتالي سيتم بناء العديد من المقابر كنوع من الخدمات.ويؤكد داود أنّ هناك عائدًا ماديًا كبيرًا عن طريق الاستثمار في بناء وتشييد المقابر الجديدة، في ظل أزمة العجز الكبير في توفير المقابر والمساحات للبناء عليها، وهناك شركات كبرى تستثمر في هذا المجال، نظرًا إلى العائد المادي الكبيرحِيل مبتكَرة لحل الأزمةومع استمرار وجود أزمة حقيقية في دفن الموتى داخل البلاد، يقول ياسر عرفات وهو مواطن يقطن بحيّ السيدة زينب بقلب القاهرة في حديثه مع "المشهد": "يلجأ البعض منّا في هذه الأيام، إلى دفن ذوينا من الموتى في طبقات تعلو بعضها بعضًا، ويفصل بين الرفات القديمة والجسد الجديد، طبقة خفيفة من التراب، وهناك من قام بتجديد المقابر القديمة وبناء مقابر متعددة الطبقات".ويؤكد عرفات، أنّ العديد من المواطنين قاموا بالاشتراك مع بعضهم البعض، بشراء مقبرة جديدة ذات أسعار مرتفعة لدفن موتاهم، وذلك لمواجهة الغلاء الفاحش في أسعار المدافن.من جانبه، طالب عضو مجلس النواب المصري محمود سعد، الحكومة، بتوفير الأراضي اللازمة لبناء مقابر جديدة للمواطنين وبأسعار مخفضة وبالتقسيط المريح، مشيرًا إلى أنّ أزمة نقص توفير المقابر في تزايد مستمر خلال الفترة الماضية، وتخلي الحكومة عن حماية محدودي الدخل، سوف يزيد من استغلال شركات التعمير الخاصة، ورفع المزيد من أسعار المدافن.وأوضح عضو مجلس النواب، أنّ وزارة الإسكان يجب أن تهتم بتوفير المقابر، على غرار توفير الوحدات السكنية، وأن تكون المقابر متاحة للموظفين والنقابات والهيئات الحكومية والخاصة، ما يترتب عليه القضاء على السوق السوداء في بناء المقابر وبيعها.ويواجه الكثير من المصريين في هذه الفترة، أزمة حقيقية نتيجة ارتفاع أسعار المقابر لأرقام غير مسبوقة، بالإضافة إلى قلة الأراضي المتاحة لبناء مقابر جديدة عليها، وأصبح بعدها المواطن فريسة في يد تجار وسماسرة الأراضي، من أجل الحصول على مقبرة.(المشهد)