رسميا ستجرى الانتخابات الرئاسية التونسية في موعدها المحدد أواخر السنة الجارية. وقد ورد أكثر من تأكيد على ذلك من جهة رئيس الجمهورية قيس سعيّد الذي أوضح في تصريحات مختلفة، أنّ الاستحقاقات الانتخابية ستجري بحسب الروزنامة الزمنية المقررة لها، وكذلك من جهة الهيئة المستقلة للانتخابات، التي أكدت عبر ناطقها الرسميّ أنّ الانتخابات الرئاسية سيتم الإعداد لها مباشرةً بعد استكمال مسار انتخاب المجلس الوطنيّ للجهات والأقاليم.تخبط في صفوف "الإخوان" ومن الطبيعيّ والبلد يعيش مناخات تغيير جذريّ سيتوج بآخر مراحل الخروج من حالة الاستثناء، أن تتصاعد حدة الخطاب السياسيّ في الجهة التي ترفض الاعتراف بالواقع الجديد، وترمي إلى إعادة صياغة منظومتها المدمرة، بالشكل الذي يضمن لها العودة إلى المشهد. ولعلّ الحركية التي لا تخلو من التشنّج داخل محيط "حركة النهضة الإخوانية"، وملحقاتها السياسية الصغيرة في ما يُعرف بـ"جبهة الخلاص"، تفسر حجم التخبّط الكبير الذي ينتاب المنظومة القديمة. فهي من جهة قد قاطعت كلّ المسارات الانتخابية المنبثقة عن الدستور الجديد، من مجلس تشريعيّ ومجالس محلية، ومن جهة أخرى تلملم صفوفها الواهنة لخوض انتخابات رئاسية على قاعدة الدستور نفسه. وإلى جانب ما دأبت عليه من تحريك جليّ لبعض الخيوط الخارجية في بعض الدول الغربية، التي لا تنظر بعين الرضا للمسار السياديّ لـ25 يوليو، بدأت الشخصيات المحسوبة على "جبهة الخلاص النهضوية"، تُعدّ لمبادرات لا تخلو من الخداع والمراوغة، من قبيل ترشيح شخصية أو شخصيات بعيدة عن الصراع السياسيّ المباشر، ليكون أحدهم فرس الرّهان على أن يلتزم لهم بحكومة انتقالية على قاعدة المحاصصة، وبدستور جديدة مستوحًى من دستور 2014. ووسط ما تعانيه "حركة النهضة" وفروعها من عزلة شعبية، ومن قضايا جزائية متراكمة، بعضها يدخل في خانة الإرهاب، كان لا بدّ من عملية التفافية إيهامية تلوذ بواجهات غير مستهلكة، على غرار تكنوقراط أو رجال حكم قدامى لا تشملهم قضايا فساد. وقد بدأت بعد عملية إطلاق بالونات الاختبار، عبر تعبير بعض الوزراء السابقين عن رغبتهم في الترشح، هذا إضافة إلى قائمة من البيادق"الحقوقية" والسياسية التقليدية، التي عادة ما يلوذ بها "الإخوان" للعب ادوار الواجهة.مقاومة عنيدة ضد المؤامرةمن جانب آخر لا تبدو الأمور سهلة في محيط تيار الدساترة، الذين يتجهون إلى تقسيم رصيدهم الانتخابيّ بين رئيسة الحزب الدستوريّ الحر عبير موسي، التي عبّرت رسميًا عن نيّتها الترشّح، وبين الوزير السابق في نظام بن علي، والمنذر الزنايدي الذي صرّح مؤخرًا باستعداده للترشح، بما يعني رهانه الأكيد على جزء من القاعدة الانتخابية الدستورية، إلى جانب ما يمكن أن يغنمه من جبهة "الإخوان" إذا ما فشلوا في تسويق مرشح آخر. لا تبدو الأمور يسيرة على جبهة القلاع القديمة، التي تتحرك في فضاء مجتمعيّ وسياسيّ حُسم بشكل قاطع في تعبيراتها ورموزها الآفلة. وفي المقابل يتحرك المسار الجديد بقيادة الرئيس قيس سعيّد في ما يشبه المقاومة العنيدة لمخلّفات عشرية الظلام، وأذرعها المالية والسياسية الداخلية والخارجية. فمن جهة تتكثّف تحركات الرئيس نحو محاربة إرث الفقر والحرمان والتهميش، بمضاعفة الجهد لرفع نسق الإنتاج، وبعث المشاريع ذات المردودية التشغيلية لفائدة شباب النطاقات المحلية، ومن جهة أخرى تتصدى الدولة بكامل الحيطة واليقظة، لعدد كبير من المؤامرات الداخلية والخارجية، لتعطيل المسار بأشكال مختلفة.غير أنّ كل هذا لا يمنع من تواصل المنجز الإصلاحيّ على أصعدة مختلفة، ومن تنامي شعبية الرئيس قيس سعيّد، الذي جمع بين شرعية إنقاذ الدولة من حكم "الإخوان"، وبين شرعية الانحياز الكامل لمفهوم الدولة الاجتماعية، المستندة إلى قاعدة الإنصاف والمساواة. ومن الواضح رغم تشابك الجبهات المضادة وخطورة بعض تعبيراتها التابعة لأجندات خارجية، أنّ الرئيس قيس سعيّد ينطلق إذا ما عبّر رسميًا عن ترشّحه، بحظوظ وافرة للفوز، نتيجة وجود سند شعبيّ متين يراهن على مستقبل وطنيّ سياديّ لا مكان فيه لمخلّفات عشرية الظلام. إنها سنة انتخابية ساخنة باعتبار أنها تدور في مناخ تحولات كبرى، لكنها أيضًا سنة الحسم المصيرية لمعركة كبرى، بين قديم يحاول تغيير جلده ليعيش، وبين جديد يقاوم بشراسة من أجل تثبيت أساسات تونس الأخرى الممكنة، التي انتفضت كعنقاء الرماد ضدّ من خرّب معالمها وشوّه ملامحها. لقد اتخذ البلد قرار الصّبر على كل مصاعب الأزمة المالية والاقتصادية، والعمل على تذليل العقبات بإرادة وتصميم، وإنه بفضل ذلك الصّبر وتلك المغالبة على الحلول السهلة التي تدور في فلك المقايضات الرخيصة.. وبناءً على ذلك ستفشل كل محاولات العودة إلى الماضي.