كانت ولادة آموس هوكستين في إسرائيل في عام حرب أكتوبر 1973، التي نجح فيها العرب في تسجيل انتصارٍ على إسرائيل، والداه اليهوديان الأميركيان شعرا بالهزيمة مثلهما مثل أي إسرائيلي، ونشأ هوكستين على هذه الهزيمة، لأنه في كل مرة يحتفل بعيد ميلاده، يتذكَّر تلك الحرب.هوكستين والعصا السحريةفي عمرِ 19 التحق بالجيش الإسرائيلي، من عام 1992 إلى عام 1995، في تلك الفترة لم تشهد المنطقة حروبًا، لكنه عاين ميدانيًا واقع إسرائيل بين جيرانها، من مصر إلى الأردن إلى سوريا إلى لبنان إلى "المناطق الفلسطينية المحتلة". في الولايات المتحدة، التي انتقل إليها بعد انتهاء خدمته العسكرية، ركَّز اختصاصه على النفط والغاز وعلى الصراعات الدولية على المناطق الغنية فيها وذات الاحتياط المرتفع من هذه المادة الإستراتيجية، بالتأكيد قرأ عن قطع النفط عن الولايات المتحدة في سنِّ ولادته، فاكتشف كم أن النفط مسبِّب للحروب وحافز للسلام، في آن واحد. قبل مهمته المكوكية بين بيروت وتل أبيب، كانت لهوكستين بصمات في قطاع النفط والغاز في المنطقة، فقد ساهم في الاتفاق بين إسرائيل والأردن لتزويد الأخير بالغاز عام 2014، لم يكن الأمر سهلاً أو نزهة، إذ استلزم الأمر التنقل بين عمَّان وتل أبيب أكثر من 15 مرة. هدفان استراتيجيان لهوكستين في المرحلة الراهنة: التوصل إلى وقف للنار بين إسرائيل و"حزب الله"، يمهد لاتفاق على النقاط الحدودية المتنازَع عليها بين لبنان وإسرائيل، وبدء الإعداد لمفاوضات تتناول حقول الغاز الموجودة قبالة قطاع غزة. الجامع المشترك بين الهدفين أنهما يستلزمان اتفاقات سياسية لمنع اندلاع أي حرب، لأن التنقيب والحروب "خطَّان لا يلتقيان".لكن يبدو أن الهدفيْن دونهما استحالات: فالحرب في غزة يبدو أنها طويلة، ولا تنقيب في الحروب، وجبهة جنوب لبنان في وتيرة متصاعدة منذ 8 أكتوبر الفائت، وليس في الأفق ما يشير إلى قرب انحسارها. لا يملك هوكستين عصا سحرية، ربما تذكَّر مكوكيته بين عمَّان وتل أبيب، وهذه المرة أصعب، لأنها تحصل في بقعة حرب تمتد من غزة إلى اليمن مرورًا بجنوب لبنان. ولم تنفع علاقاته العامة مع نائب رئيس مجلس النواب إلياس بو صعب، ولا جولاته السياحية، قبل 7 أكتوبر، حين تناول الفطور قبالة صخرة الروشة في بيروت، مع السفيرة الأميركية السابقة دوروثي شيا، ولا جولته في قلعة بعلبك الأثرية وأخذ صور بين هياكلها، على الرغم من أن المدينة تحت سيطرة "حزب الله"."حزب الله" لم يستخدم 10% من ترسانته العسكرية رغم كل ذلك، وعندما دقت ساعة الحقيقة، اكتشف هوكستين أنه يقوم بوساطة في وقت لا يعترف أحدٌ بأن الجهود الدبلوماسية قد توصِل إلى نتيجة: بنيامين نتانياهو الذي يخوض حربًا في ظل حكومة من أسوأ حكومات إسرائيل، لجهة عدم الانسجام بين أعضائها، يرفض أن تتوقف الحرب قبل تحقيق أهدافه وهي القضاء على "حماس". في لبنان يعتبر "حزب الله" أنه لم يستخدم حتى الآن أكثر من 10% من ترسانته العسكرية، وهو "لم يفتح مخازن الحرب الكبرى"، كما يقول رئيس كتلة نواب "حزب الله" محمد رعد. بين طرفين يعتبر كل منهما أنه قادر على الصمود سنوات، من أين تدخل الديبلوماسية في هذه الحال؟ مع هذا الانسداد في الأفق، خفَّض هوكستين سقف مطالبه، فنزل عن مطلب تراجع "حزب الله" إلى شمال الليطاني، إلى مطلب أن يبقى سلاح الحزب جنوب الليطاني ولكن بشكلٍ غير ظاهر. وتقول المعلومات إن هذا المطلب الذي لم يوافق عليه "حزب الله" حتى الساعة، أُرفِق بـ"إغراء" المساهمة في إعادة إعمار ما تهدم في الجنوب.السؤال هنا: إذا قبِل "حزب الله" بهذا الطرح، فما هو مصير منشآته العسكرية من مراكز ومقرات وأنفاق في تلك المنطقة؟ هل يبقيها على ما هي عليه ليعود إليها لاحقًا؟ أم يضعها في عهدة الجيش اللبناني، أو يدمرها؟ رمى هوكستاين كرة المطالب في الملعب اللبناني، مستخدمًا شتى أنواع الأسلحة الدبلوماسية، من "العصا والجزرة " إلى "الترغيب والتهويل"، إلى التلويح بالمساعدات المالية لإعادة الإعمار الذي لا يمكن تحقيقه إلا بمليارات تأتي من الخارج، والعملة الخضراء لا تأتي إلا بضوء أخضر أميركي. لكن هوكستاين ترك كل شيء معلقًا إلى حين جلاء الوضع في غزة وتاليًا في رفح.هوكستاين رجل "ألغاز" و "رجل الألغاز"، عرف كيف يدمج بين التنقيب عن الحلول السياسية والتنقيب عن الغاز، وأن لا إمكانية للفصل بين التنقيبين .(المشهد)