بعد أقل من شهرين نالت الحكومة اللبنانية الجديدة ثقة كبيرة في مجلس النواب، وانطلق العمل الحكومي مثقلًا بتحديات كبيرة وبمهمات ستكون شاقة بالنظر إلى المرحلة. فعلى طاولة حكومة الرئيس نواف سلام مجموعة ملفات يتعين عليها أن تبادر فيها فورًا وبلا إبطاء: بداية استكمال تنفيذ القرارات الدولية ذات الصلة باتفاق وقف إطلاق النار الواجب التنفيذ بأمانة، منعًا لاشتعال جولة قتال جديدة في الجنوب اللبناني أو في أيّ منطقة أخرى من البلاد. وهنا نحن نتحدث عن نص لاتفاق وقف إطلاق النار يستند إلى 3 قرارات دولية هي القرارات 1701 - 1680 - 1559.على "حزب الله" تسليم أسلحته كلها قرارات تحتاج أن تنفذ من قبل الدولة اللبنانية التي ينتظر منها أن تجبر الأطراف المعنية في الداخل على احترامها. وهنا نعني بكل بساطة أنّ على "حزب الله" تسليم أسلحته كافة، وأصوله العسكرية، وحل هيكلته الأمنية والعسكرية في أسرع وقت، من أجل الانتقال إلى العمل السياسي والاجتماعي أسوة بكل الأحزاب الأخرى في لبنان. هذا هو شرط منع عودة الحرب. وهذا هو شرط قيام الدولة اللبنانية الجديدة، التي وحدها يجب أن تمتلك القرار السيادي وتعمل على تأمين تطبيق الدستور والقانون في البلاد على جميع المواطنين والمقيمين على أرض لبنان. وهذا هو شرط يتطلع إلى مراقبة تنفيذه المجتمع الدولي والأسرة العربية، بعدما انتهت مرحلة التسامح مع دولة لبنانية مستقيلة من مسؤولياتها، وطاقم سياسي مستسلم تمامًا أمام سطوة السلاح غير الشرعي، وصولًا إلى تواطؤ معظم القوى مع الحالة الشاذة التي كانت سائدة في لبنان في العقدين الماضيين.المهمة الثانية الشديدة الأهمية تتعلق بالبدء بتشغيل ماكينة الدولة اللبنانية الصدئة والمترهلة، وإطلاق عملية تأهيل وإصلاح شاملة. وهذه مهمة كبيرة وطويلة المدى. لكنّ الشروع فيها مطلوب بسرعة. والملف الأبرز الآن هو ملف التعيينات الإدارية وملء المراكز الشاغرة في مؤسسات الدولة، التي شغرت بمعظمها من جرّاء مرحلة التعطيل الرئاسي ومنع انتخاب رئيس جديد للجمهورية لأكثر من عامين على التوالي. هنا المهمة شاقة لأنّ المطلوب إجراء تعيينات في الإدارة، وتشكيلات في القضاء المترهل والمسيّس، وتشكيلات في الأسلاك الأمنية والعسكرية والدبلوماسية في الخارج. والحزمة تشمل عشرات المواقع الحساسة، والتي يجدر بالحكومة الجديدة تحت قيادة الرئيس نواف سلام وبرعاية الرئيس جوزيف عون، أن يحولا دون تمكين القوى السياسة من وضع يدها على ملف التعيينات الجديدة، كما جرت العادة في العقود الماضية.الملف المالي وحل قضية الودائعهناك ملف آخر مهم هو الملف المالي وحل قضية الودائع، ومعالجة ملف القطاع المصرفي الذي من دونه لا يمكن إطلاق عجلة الاقتصاد اللبناني الجديد. فلا اقتصاد من دون قطاع مصرفي يحظى بالثقة الداخلية والخارجية. وهذا الأمر يتطلب إنهاء ظاهرة الشركات المالية وشركات الصيرفة التي مثلتا ومثل حتى الآن واجهة تبييض الأموال الناجمة عن تجارة المخدرات والممنوعات، وهي وسائل تمويل خاصة بقوى سياسية، والأخطر بـ"حزب الله" والقوى الحزبية المحيطة به. وهذه الأخيرة تمتلك جيوشًا من الصرافين الذين يسيطرون على الحياة المالية والنقدية في البلاد. حان أوان فتح السجون أمام المخالفين. ومن الملفات الكبيرة التي ذكرناها بسرعة ونتوقف عندها، هو ملف القضاء اللبناني الذي نعرف أنه يستحيل إعادة الثقة الشعبية والخارجية بالدولة والبلاد عمومًا، من دون قضاء نزيه ومستقل. هذه مهمة سامية تنتظر "القاضي" الرئيس نواف سلام. فتنقية القضاء، وإصلاحه وحمايته من القوى السياسية والزبائنية. فمن دون القضاء الصالح لن تعود الاستثمارات الخارجية إلى البلاد. وستبقى الثقة السياسية منقوصة ومعرضة للانهيار عند أيّ مفترق. وننهي مسلسل المهمات المطلوبة من الحكومة اللبنانية الجديدة، بمهمة إعادة وصل ما انقطع بين لبنان والحاضنة العربية. انتهى زمن اختطاف لبنان من حاضنته العربية. هذا هو زمن اختبار الحكومة الكبير!