تقف دولة الكويت على بُعد أيام من استضافة النسخة 26 من بطولة كأس الخليج لكرة القدم.وتتطلع الجماهير المحلية إلى البطولة المقررة بين 21 ديسمبر الجاري و3 يناير المقبل، على أنها الأرضية الصالحة لعودة إطلاق مسيرة "الأزرق" الغائب لفترة طويلة عن الساحة نتيجة تراجع المستوى، خصوصاً أنه حامل الرقم القياسي لجهة التتويج باللقب (10 مرات)، آخرها العام 2010 في اليمن. تبدو مهمة منتخب الكويت معقدة بعدما أعلنت معظم الفرق خوض غمار البطولة بالصف الأول من اللاعبين، خصوصاً أنّ سبعة منها من أصل ثمانية (باستثناء اليمن) تتخذ من المسابقة مناسبةً للاستعداد لما تبقى من منافسات الدور الثالث للتصفيات الآسيوية المؤهلة إلى كأس العالم 2026 المقررة في الولايات المتحدة وكندا والمكسيك. وستفرز البطولة مباريات كلاسيكية في الدور الأول بعدما أوقعت المجموعة الأولى الكويت مع الإمارات وقطر وعمان، بينما ضمّت الثانية العراق والسعودية والبحرين واليمن. ثمّة علاقة خاصة بين هذه "الكأس" والشعوب الخليجية التي تعتبرها مناسبة عزيزة على قلبها من شأنها ترسيخ العلاقات التاريخية بين دول المنطقة. كأس الخليج ما زالت تُحظى بأهمية كبرى جماهيرياً وخير دليل على ذلك الاهتمام الإعلامي الضخم بالحدث.الكويت "الزعيمة"انطلقت البطولة عام 1970 وتتزعمها الكويت من دون منافسة، متقدمة على العراق حامل اللقب في النسخة السابقة (4 ألقاب)، السعودية وقطر (3 لكل منهما)، عُمان والإمارات (لقبان لكل منهما) والبحرين (لقب واحد). هذه المسابقة "الفريدة" بطبيعتها لم تكن الأولى من نوعها في العالم، فقد سبقتها "بطولة البيت البريطاني" السنوية التي استمرت 100 عام بين 1883-1884 و1983-1984 وكانت تجمع بين منتخبات المملكة المتحدة الأربعة (إنجلترا، إسكتلندا، ويلز، وأيرلندا ثم أيرلندا الشمالية). هي أقدم بطولة منتخبات في التاريخ، فقد سبقت انطلاق "كوبا أميركا" (1916)، كأس آسيا (1956)، كأس أفريقيا (1957)، بطولة أمم أوروبا (1960)، الكأس الذهبية لاتحاد الـ "كونكاكاف" (1963)، كأس أمم أوقيانيا (1973)، وحتى كأس العالم (1930). تزعمتها إنجلترا بعد تتويجها في 54 مناسبة، متفوقة على منافستها التاريخية إسكتلندا (41)، ويلز (12)، أيرلندا وأيرلندا الشمالية (8 ألقاب مجتمعتين). لعبت البطولة لفترة دور تصفيات كأس العالم وكأس أوروبا. وفي "يورو 1968" حين لم تكن الأخيرة تقام بنظام التجمع بعد، طلبت الدول التي تتشكل منها المملكة أن تخوض تصفيات التأهل إلى البطولة القارية مع بعضها البعض ضمن "بطولة البيت البريطاني" على أن يتأهل منها فريق واحد. نجحت إنجلترا في خطف البطاقة غير أنها سقطت في الدور نصف النهائي أمام يوجوسلافيا.صراع تاريخيشهدت البطولة حادثة لافتة عكست الصراع بين إنجلترا وإسكتلندا اللتين خاضتا المباراة الأخيرة من نسخة 1967 على استاد "ويمبلي" القديم في العاصمة لندن. كان الإنجليز بحاجة إلى الفوز أو التعادل للتتويج بلقب "البيت البريطاني"، بينما كان الإسكتلنديون يمنّون النفس بتحقيق الانتصار فقط الذي يضمن لهم خطف "التاج". فازت إسكتلندا يومها بالمواجهة الأشهر بين المنتخبين 2-3 مفجّرة مفاجأة ضخمة، واعتبر إعلامُها المنتخبَ الوطنيَّ "بطل العالم غير الرسمي" بحجة تغلبه على إنجلترا المتوجة بمونديال 1966 والتي لم تخسر في 19 مباراة متتالية. البطولة الإقليمية ألغيت بعد مرور قرن على ولادتها لأسباب عدة تراوحت بين تحولها إلى الظل وتراجع أهميتها إثر ولادة كأس العالم والـ "يورو"، عزوف الجماهير عن حضور مبارياتها باستثناء تلك التي تجمع بين إنجلترا وإسكتلندا، ازدحام الروزنامة، مشاكل سياسية وأمنية في أيرلندا الشمالية، شيوع ظاهرة المشاغبين (هوليجنز)، ورغبة الإنجليز بمواجهة منتخبات أقوى.منتخب موحّدالأجواء التاريخية الملتهبة بين دول الجزيرة البريطانية لم تفتح الباب أمام قيام منتخب بريطاني موحّد يخوض غمار البطولات الكبرى. أجري استفتاء في يونيو 2006 جاء فيه أن الفرصة كانت مؤهلة لتكون أكبر بمقدار الثلث للفوز بكأس العالم في ألمانيا في تلك السنة لو شاركت إنجلترا بمنتخب بريطاني. في تلك البطولة، ودّع "الأسود الثلاثة" المنافسات من ربع النهائي أمام البرتغال 3-1 بركلات الترجيح بعد التعادل السلبي في الوقتين الأصلي والإضافي. وبعد الخروج من الدور الأول لمونديال 2014 في البرازيل، اقترح أحد النواب البريطانيين المشاركة بمنتخب موحد، بيد أن ذلك لم يتحقق خصوصاً أن جماهير ويلز، إسكتلندا وأيرلندا الشمالية دائماً ما تردد "أيّ كان ما عدا انجلترا"، في إشارة لتفضيلها فوز أي منتخب على الانجليز. هذا التنافس الرياضي يخفي تجاذباً سياسياً ومرارة كبيرين نتجا من سطوة إنجلترا على مقدرات "الاتحاد البريطاني" وذيول أحداث تاريخية مؤسفة. حماسة أقلعاشت إنجلترا بأكملها فرحة لا توصف إثر تأهل منتخبها إلى أول نهائي بطولة كبرى منذ 1966، وتحديداً في "يورو 2020" الذي أقيم في 2021 بسبب جائحة "كورونا". وبحسب استطلاع للرأي أجري في حينه، أكد 63 في المئة من المشجعين في إسكتلندا وويلز وأيرلندا الشمالية أنهم سيدعمون إيطاليا في المباراة النهائية. كان هؤلاء محظوظين لأن "سكوادرا أتزورا" توّج بركلات الترجيح. من شأن هذا الموقف وغيره أن يسلّط الضوء على انقسامات في السياسة والهوية والتي تفاقمت في أعقاب خروج بريطانيا من الاتحاد الأوروبي. وعلى عكس دورات الألعاب الأولمبية التي تخوضها المملكة بفريق موحد، يشارك منتخب منفصل لكل من الدول الأربع في لعبتَي كرة القدم والركبي. وشكّل أولمبياد لندن 2012 الاستثناء الوحيد حين شارك منتخب بريطاني موحّد في مسابقة كرة القدم للمرة الأولى وخرج من ربع النهائي بالخسارة أمام كوريا الجنوبية 5-4 بركلات الترجيح بعد التعادل 1-1. هذه الأجواء البريطانية الملبّدة بغيوم الصراعات التاريخية المستمرة إلى اليوم تُعتبر بعيدة كل البعد عن الأجواء الأخوية المثالية التي تترافق عادة مع إقامة كأس الخليج رغم أحداث سلبية محدودة عابرة شهدتها البطولة... وعدم طرح فكرة قيام منتخب خليجي موحّد. (المشهد)