يوم أمس أنجزت الحكومة اللبنانية التعيينات الأمنية، وهي مهمة دقيقة يضطلع بها مجلس الوزراء اللبنانية سياق المرحلة الجديدة التي بدأت في لبنان مع انتهاء الحرب بين "حزب الله"وإسرائيل، وانتخاب رئيس جديد للجمهورية، ثم اختيار رئيس حكومة، وأخيرا وليس آخرا تشكيل حكومة عهد الرئيس جوزيف عون الأولى. الدولة اللبنانية تعاني شغورا بالوظائفوالتعيينات الأمنية شديدة الأهمية والدقة لأنها تتصل بمرحلة مختلفة عن السابقة حيث كان لـ"حزب الله" اليد الطولى في التحكم باختيار القيادات الأمنية العسكرية في البلاد، فضلا عن مختلف المناصب الإدارية في الدولة اللبنانية. وللتذكير فإن الدولة اللبنانية تعاني من شغور مباشر أو غير مباشر في أكثر من 6,000 وظيفة من جميع الفئات. ولكن التعيينات في مناصب عسكرية أو أمنية حساسة تستقطب معظم الاهتمام والتنافس لإيصال مرشحي القوى السياسة إلى المناصب المرتجاة. فموقع قيادة الجيش الذي حل فيه أحد الضباط المرموقين من الطائفة المارونية كان من حصة رئيس الجمهورية جوزيف عون من دون غيره. أما قيادة قوى الأمن الداخلي وتخصص لضابط من الطائفة السنية فقد أتت ضمن حصة رئيس الحكومة نواف سلام، في حين أن مدير عام جهاز الأمن العام وهو من الطائفة الشيعية فقد تم التوافق على اسمه بين رئيسي الجمهورية جوزيف عون ومجلس النواب نبيه بري. وهنا من الملاحظ أن الضربة الكبيرة التي تلقاها "حزب الله" في حربه مع إسرائيل أدت في مكان ما إلى تراجع نفوذه في البلاد، واهتزاز هيبته بعدما ضرب "وهج" سلاحه كرافعة لنفوذه وتأثيره السياسي والإداري في البلاد. والحقيقة أن الواقع الذي استجد بعد هزيمة "حزب الله" العسكرية انعكس على الموجة الأولى من التعيينات في المناصب الأمنية إلى درجة أن حصة الطائفة الشيعية التي يمثلها تحالف "حزب الله" و"حركة أمل" في البرلمان والدولة لم تكتمل إلا بتوافق مع رئيس الجمهورية، بما عكس انقلاباً في موازين القوة السياسية بعد عقدين من الزمن كان الحزب المذكور ينفرد بالقرار فيما يتعلق بالتعيينات في الدولة المخصصة للطائفة الشيعية، ويشارك في تعيينات المكونات الطائفية الأخرى إما بالتسمية مباشرة أو بممارسة حق النقض "الفيتو" على أسماء كان يعتبرها معادية له. تقليص نفوذ "حزب الله"ما تقدم يعكس تحولا كبيرا في اللعبة السياسية اللبنانية. وبالطبع لا يزال التحول دون مستوى التغيير الجذري والعميق. لكنه يشكل نقلة نوعية في سياق تقليص نفوذ الحزب الذي لطالما احتكم إلى موازين القوة عبر السلاح لفرض نفسه كقوة ناظمة للحياة السياسية والأمنية في لبنان. الأسبوع المقبل من المقرر أن تكون هناك موجة جديدة من التعيينات وستشمل أرفع منصب مالي في البلاد، ونعني بذلك حاكمية مصرف لبنان الشاغرة إضافة إلى عدد من المناصب المرتبطة بالسلطة القضائية. وتكمن أهمية موقع حكام المصرف المركزي أنها تأتي والموقع شاغر منذ أشهر طويلة، وسبق ذلك تعرض لبنان لأزمة مالية مهولة دفعت البلاد إلى حافة خط الفقر، مما دفع البنك الدولي إلى تصنيف الأزمة المالية في لبنان كإحدى كبرى الأزمات المالية في العالم منذ 1850. وبالنسبة إلى اختيار الحاكم الجديد وهو من الطائفة المارونية، سيكون العنصر المحدد للاسم قرار رئيس الجمهورية وحده دون شريك. وهذا إن دل على شيء فإنه يدل على مدى النفوذ الذي يتمتع به الرئيس جوزيف عون، وعلى تفوقه في معادلة القرار والنفوذ بما يتخطى النفوذ التقليدي لـ"الثنائي الشيعي" أي "حزب الله" و"حركة أمل"، ويحشره في زاوية ضيقة منزوعا من هوامش التحرك التي كان يمتلكها سابقا. إنه زمن التغيير في لبنان لكن هل تستمر المسيرة طويلا بلا عقبات؟ هنا السؤال!