على الرغم من تراجعه عنه، كان التصريح الذي أدلى به وزير الداخلية اللبنانيّ بسام مولوي حول حادثة الهجوم على السفارة الأميركية في بيروت التي جرت صباح يوم أمس لافتًا. واللافت في التصريح الذي تراجع عنه لاحقًا، أنّ الوزير مولوي كشف أمرًا في غاية الخطورة، مفاده أنّ مهاجم السفارة الذي اعتُقل، قام بنقل متفجرات من منطقة البقاع اللبنانيّ قرب الحدود مع سوريا، واجتاز بها حواجز عدة إلى أن وصل إلى مدخل السفارة الأميركية المحصّنة، التي ترابط حولها سرية من الجيش اللبناني، ويحرسها من الداخل عدد كبير من الحراس المنتمين إلى جهاز السفارة. وقد خلص الوزير اللبنانيّ إلى القول إنّ ما حصل "أمر مستغرب"!.فزّاعة بوجه فئات لبنانيةإنّ دلالات ما سبق، أنّ الحادثة غامضة، وبالتأكيد ليست فردية، ولا عرَضية، بل إنها تشير إلى وجود جهات لم تتحدد هويتها خلف هذه الحادثة، التي أصابت يوم أمس هدفين في الصميم: الأول، أنها أظهرت حالة الارتباك الحاصل في الداخل اللبناني نتيجة تفشي ظاهرة السلاح غير الشرعي، وانتشاره تارة تحت جنح الجريمة المنظمة، وطورًا تحت جنح المجهود الحربيّ ضد إسرائيل. وفي كلتا الحالتين يمكن القول إنّ الاستقرار الأمنيّ في لبنان هشّ وظاهريّ أكثر مما هو راسخ وعميق. بمعنى أنّ الدولة التي يفترض أنها حامية القانون، والجهة المخوّلة إنفاذه على جميع المقيمين في لبنان من لبنانيّين وغير لبنانيّين، غائبة أو مغيبة بقرار مدروس، سلوك استهتاريّ مديد. أما الهدف الثاني فيصبّ في صالح الجهة المهيمنة على مقدرات البلاد، بفعل وهج السلاح الذي سبق أن استُخدم في الداخل لتصفية حسابات سياسية، واستُغلّ لتحقيق أهداف سياسية، وهو يُستخدم اليوم في إطار وظيفة إقليمية تتجاوز الإطار اللبنانيّ الوطني. وهنا يتمظهر منطق ما اصطلح على تسميتها بـ"حماية الأقليات". ففي عهد سبق، كان اللجوء الفلسطينيّ يُستخدم فزّاعة بوجه فئات لبنانية، لهدف لجم بالتخويف والترهيب من مشاريع توطين مزعومة. واليوم يتجدد الأمر مع استغلال النزوح السوريّ في لبنان، وهو حمل كبير جدًا، يتجاوز قدرات لبنان، وذلك من أجل زرع الخوف والرعب من نزوح يحملونه كل الآثام. والهدف كما أسلفنا، إعادة إنتاج دور الحماية بوجه اجتياح النازحين. منذ 4 عقود لم يتغير المنطق المشار إليه. ولم يتغير المنطق، ولا الوسائل، وحتى الظواهر. إنها حالة مستعادة من الذاكرة لمن لم يتذكر.تحولات عميقة وخطيرةلم تكن حداثة الهجوم على السفارة الأميركية يوم أمس، الأولى من نوعها. فهذه المرة الثانية التي تتعرض لها السفارة منذ عملية "طوفان الأقصى". في المرة الأولى نُسب الهجوم إلى عامل توصيلات لبنانيّ من بيئة الممانعة، أتى ليصفّي حسابًا مع حراس السفارة. ثم طُويت المسألة وذهبت في أدراج النسيان. هذه المرة الحديث عن نازح سوريّ مسجل في لوائح وكالة غوث اللاجئين، ومتأثر بالفكر المتطرف. وهو قال إنه فعل ذلك من تلقاء نفسه نصرةً لغزة. لكنّ الأجهزة الأمنية اللبنانية غير مقتنعة أنّ المسألة فردية. لكنّ المقلق في الأمر، مصدره الأساس أنه إن التُقطت خيوط مشبوهة من شأنها أن تربطه جهات معينة في لبنان، مثل تنظيمات قريبة من "حزب الله"، أو سبق أن تعاملت معه، فإنّ الأجهزة الأمنية والسلطات القضائية، سوف تُمنع من مواصلة التحقيقات، تمامًا مثلما حصل في قضية تفجير مرفأ بيروت، وفي قضايا أخرى اشتُبه بوجود صلة ما لها بـ"حزب الله"، فطُويت المسائل بقدرة قادر. إنّ هذه القضية التي يصنفها وزير الداخلية اللبنانيّ بالغامضة، تؤشر إلى أمرين اثنين: تراجع قدرات الأمن الشرعيّ في الداخل اللبناني. وسقوط حدود كيانات المنطقة من إيران إلى لبنان. إنها تحولات عميقة وخطيرة في آنٍ معًا.