يمرّ نادي برشلونة الإسباني بمرحلة دقيقة وسط مطالبات جماهيرية بالعودة إلى الجذور المتمثلة في تقديم كرة القدم الساحرة التي ابتكرها المدرب الهولندي الراحل رينوس ميكلز، بلورها مواطنه الراحل يوهان كرويف، ورسّخها بصورة مثالية جوسيب غوارديولا، ليكون عهد الأخير مع الـ"بلاوغرانا" الأكثر إنتاجية على مستوى الألقاب، وسبباً مباشراً في فرض الفريق نفسه في تلك الحقبة واحداً من الفرق الأكثر إمتاعاً في تاريخ الرياضة صاحبة الشعبية الأولى.لماذا لا يعود برشلونة إلى ما كان عليه في عهد غواريولا؟ قد يكون السبب عائداً إلى انتفاء الأمل في تكوين مجموعة متراصّة من اللاعبين الموهوبين أمثال الأرجنتيني ليونيل ميسي وتشافي هرنانديز وأندريس إنييستا وسيرجيو بوسكيتس وكارليس بويول والبرازيلي دانييل (داني) ألفيش وغيرهم بقيادة "بيب" نفسه. لكن السبب بالنسبة إلى البعض يتركز في مكان آخر.هرمون الـ"ناندرولون"في مايو 2001، سقط لاعب برشلونة، الهولندي فرانك دي بوير، في اختبار للمنشطات بعد مباراة أمام سلتا فيغو، إذ جاء معدل هرمون الـ"ناندرولون" (يساعد في رفع معدل تحمل اللاعب خلال التمارين، وزيادة حجم العضلات وقوتها والسرعة) لديه أعلى بثمانية أضعاف مما هو مسموح به. أوقف اللاعب من قبل الاتحاد الأوروبي للعبة (يويفا) لأشهر بيد أن الأنظار اتجهت نحو الطبيب وخبير التغذية في النادي، الدكتور رامون سيغورا، المعروف بـ"الخلطات السحرية". بعد بضعة أشهر فقط، جاءت نتيجة اختبار المنشطات الذي خضع له لاعب بريشيا الإيطالي آنذاك، غوارديولا، إيجابية في مباراتين مختلفتين، والسبب يرتبط أيضاً في معدل الـ"ناندرولون". اللافت أن سيغورا كان اختصاصي التغذية الشخصي لـ"بيب" في تلك الفترة، وتربط بينهما علاقة وثيقة، وقد وجد الطبيب نفسه في غضون 12 شهراً فقط متورّطاً في قضيتَي منشطات. بعد سنوات وتحديداً في 17 يونيو 2018، تولّى غوارديولا تدريب برشلونة، وتمثل أحد طلباته الأولى في إعادة سيغورا إلى النادي بصفة طبيب وخبير تغذية. وخلال عهد "بيب"، قدم الفريق أداءً بدنياً مثالياً، ترافق مع تنفيذ ضغط هائل على الخصم بمجرد فقدان الكرة وذلك طوال المباراة. إلى جانب ذلك، لوحظ تحسن بدني كبير لدى عدد من النجوم، مثل ميسي، الذي لم يتعرض لإصابة عضلية واحدة خلال فترة تواجد غوارديولا في "كامب نو" والتي استمرت أربعة أعوام. وحتى 25 مايو 2012، لم يقم "البرغوث" بتاتاً بزيارة العيادة نتيجة مشاكل عضلية. الإصابة الوحيدة التي لحقت به كانت في سبتمبر 2010 أمام أتلتيكو مدريد بعد تدخل عنيف من أحد اللاعبين. غاب سبعة أيام وفوّت مباراتين فقط بسببها، خلال عهد غوارديولا. تعافى اللاعب بسرعة "غير طبيعية"، علماً أن متوسط إصاباته، مع حذف السنوات التي عمل فيها مع "بيب"، يصل إلى إصابتين عضليتين في الموسم الواحد. واللافت أنه قبل وصول غوارديولا، تعرض ميسي نفسه لما يصل إلى 6 إصابات خلال عامين. وبعد رحيل المدرب، أصيب مرة أخرى في مارس 2013. ولا يخفى على أحد أن ميسي خضع لعلاج هرمون النمو (يعمل على زيادة سرعة الرياضيين بشكل كبير وتقوية عضلاتهم) منذ سن المراهقة، وهي مادة محظورة في الرياضات الاحترافية. وتزعم مصادر عدة أن "ليو" استمر في تناول هذه المادة، ما سبّب له القيء المتكرر، تحديداً خلال المباريات.اختبارات الدمويبدو بأن غوارديولا كان محظوظاً للغاية. فخلال السنوات التي قضاها في برشلونة، لم يكن الاتحاد الإسباني للعبة يعتمد اختبارات المنشطات عبر الدم، وهي الطريقة الوحيدة للكشف عن هرمون EPO (يلعب دوراً رئيسياً في إنتاج الخلايا الحمراء في الدم والتي تحمل الأوكسيجين من الرئتين إلى باقي أجزاء الجسم) أو هرمونات النمو، بل اقتصرت على البول. وبقي الحال على ما هو عليه حتى 2013. على النقيض من ذلك، كان الاتحاد الأوروبي يجري اختبارات المنشطات على الدم والتي تحاشاها برشلونة بصورة مثيرة للجدل لأكثر من مرة، أبرزها عام 2011 عندما غاب ميسي عن لائحة الفريق لإحدى المباريات بداعي الإصابة، والغريب أن الأرجنتيني تعافى - بغرابة - في اليوم التالي. صحيح أن تحاليل طبية طالب بها الاتحاد الأوروبي ونشرتها صحف بريطانية، كشفت في 2015، أن العينات البولية لـ7.7% لأكبر الأندية الأوروبية التي خاضت غمار دوري الأبطال بين 2008 و2013، تحمل نسبة كبيرة من منشطات محظورة، غير أن الأضواء تبقى مسلطة على "برشلونة - غوارديولا" الذي نقل كرة القدم إلى عالم ممتع يُفترض الوثوق به... إلى حين إثبات العكس. (المشهد)