41 عامًا بين "شباط الأول" و"شباط الثاني". في 6 من "شباط الأول" 1984، سدَّد رئيس مجلس النواب اللبناني نبيه بري، وكان آنذاك رئيسًا لحركة "أمل"، ضربة قاسية لعهد الرئيس أمين الجميِّل ولقائد الجيش اللبناني العماد إبراهيم طنوس، فطلب من قائد اللواء السادس في الجيش اللبناني العميد لطفي جابر، المنتشر في "بيروت الغربية"، عدم تلقي الأوامر من اليرزة (مقر قيادة الجيش)، عندها أصبح اللواء السادس يتلقى الأوامر من منطقة بربور مقر قيادة حركة "أمل" بقيادة الرئيس بري، وقطع علاقته بالمؤسسة العسكرية، ولم تعد الأمور إلى طبيعتها إلا بعد تدخل سوريا، فعُقِدَت "خلوات بكفيا"، مسقط رأس الرئيس أمين الجميل، وأقيل قائد الجيش العماد إبراهيم طنوس وعيِّن العماد ميشال عون قائداً للجيش، وفكَّ الرئيس بري أسْرَ اللواء السادس، وللمفارقة، فإن الرئيس بري حمى "الضابط المتمرد" العميد لطفي جابر، فطرحه عضوًا في المجلس العسكري، الذي عين الرئيس الجميل أعضاءه الستة "حكومة عسكرية" لكن العميد جابر رفض الالتحاق بالحكومة العسكرية أسوة بالعضوين السني والدرزي، فكان تمرده الثاني.6 شباط 2025 نبيه بري يتمردبعد 41 عامًا لم يتبدَّل المشهد بل تبدلت الوجوه: 6 شباط 2025 يتمرد الرئيس بري، في حضرة رئيس الجمهورية العماد جوزيف عون، وفي حضرة رئيس الحكومة المكلَّف نواف سلام، إنها "آخر الرصاصات السياسية" التي يستخدمها رئيس مجلس النواب، الممسِك بمطرقة المجلس منذ العام 1992، والممسك بقرار حركة أمل منذ أكثر من ذلك بكثير. لكن شتان ما بين "شباط الأول" عام 1984،و"شباط الثاني" عام 2025. في "شباط الأول" كان الرئيس حافظ الأسد يدعم الرئيس نبيه بري، وكانت معظم القوى اليسارية إلى جانبه، وكان الجيش اللبناني طري العود، ولم يكن مضى على إعادة "تجميعه" أكثر من سنة، حتى أن تسليحه كان متواضعًا، وهذا ما أتاح للرئيس بري، أن يطوِّق العهد الخارج من سلسلة نكسات وضربات لعل أبرزها تلاشي الدعم الغربي وخصوصا الأميركي.اليوم، الوضع مختلف، لم يعد هناك من عمق خارجي للرئيس نبيه بري، وحليفه الإستراتيجي "حزب الله" مني بهزيمة كبرى في الجنوب، ووافق على ما يمكن اعتباره "صك إذعان" من خلال موافقته على وقف النار بشروط إسرائيلية.أفول "الشيعية السياسية" هكذا يمكن اعتبار أن " 6 شباط الثاني" بداية النهاية لـ"6 شباط الأول" لأنه بدأ يشهد أفول "الشيعية السياسية" التي قامت على حساب " السنية السياسية"، فالرئيس نبيه بري يقاتل وحيدًا، لا قدرة له على الضغط على الشرعية من خلال ضرب الجيش أو دفع أحد الويته إلى التمرد، على غرار ما حصل في شباط 1984. كما أن حجم الخسائر التي منيت بها بيئة الرئيس بري، تجعله لا يملك "ترف الممانعة"، فالبلد يحتاج الى ما يشبه مشروع "مارشال" لإعادة الإعمار، فمن أين ستأتي هذه الأموال في ظل الممانعة والمعاندة على الانخراط في الدولة؟من خلال كل ما تقدم، فإن البقاء في المساحة الوسطية بين صمود وقف النار وبين المخاوف من عودة الحرب، سيبقي البلد في حال من عدم الاستقرار، وسيبقى الدمار جاثمًا على صدرو اللبنانيين، وأكثر مَن سيتأثرون بهذا الواقع السيئ، هم بيئة الرئيس نبيه بري، لأن خسائرهم هائلة سواء في الجنوب أو في الضاحية الجنوبية للعاصمة أو في البقاع، فمن أين سيأتي الرئيس بري بالأموال لدفع التعويضات؟ إن انتفاضات شباط لا تطعِم خبزًا ولا تبني ما تهدّم، هل يدرك الرئيس بري هذه الحقيقة؟