كان ذلك في خريف العام 1996، يحيى عياش، القيادي في كتائب "عز الدين القسام"، تغتاله إسرائيل بتفجير هاتفه الخليوي حين كان يتحدث مع أحد أفراد عائلته، حصل التفجير بواسطة مروحية عسكرية أصدرت موجات تلقاها هاتف عياش ما أدى إلى تفجيره ومقتل حامله، يحيى عياش."حزب الله" انكشف أمام إسرائيلحصل ذلك منذ قرابة الثلاثين عامًا، وقبل ذلك، وبعده، تخوض إسرائيل، ويخوض الفلسطينيون، ودول ومنظمات محور الممانعة حربًا ليست تقليدية على الإطلاق، بل حرب سيبرانية، بكل ما للكلمة من معنى، وآخر تجلياتها تفجير أجهزة تلقي النداءات والرسائل القصيرة التي تُعرَف بجهاز "البيجر"، ثم تفجير أجهزة اللاسلكي.لم يصل "حزب الله" إلى خيار "البيجر" إلا بعدما استنفذ سائر الخيارات والتي سببت له انكشافًا فاضحًا أمام إسرائيل، وهذا الخيار ليس وليد ساعته بل اعتمده الحزب منذ شهور بعدما انكشفت كل وسائل الاتصال الأخرى، من الهواتف الذكية إلى الهواتف السلكية إلى أجهزة الاتصالات اللاسلكية. من اليوم الأول للمواجهة، منذ ما يقارب الربع قرن، أدرك "حزب الله" أن معركة الاتصالات مع إسرائيل ستكون قاسية، تخلى بدايةً عن اعتماد الهواتف الذكية في اتصالاته العسكرية بين "غرف العمليات" لديه، وبين المواقع العسكرية ومراكزه الأمنية، واستعاض عن تلك الهواتف بشبكة اتصالات سلكية مقفلة، وحين قررت الحكومة اللبنانية إلغاء هذه الشبكة في مايو من العام 2008، قام "حزب الله" باجتياح ما كان يُعرَف بالشطر الغربي من بيروت، وذلك اليوم سمي آنذاك "عملية 7 مايو"، واضطرت الحكومة التي كانت برئاسة الرئيس فؤاد السنيورة إلى التراجع عن قرارها، تفكيك تلك الشبكة. في إطار الحرب الضارية بين "حزب الله" وإسرائيل، نجحت الأخيرة باختراق شبكة الاتصالات السلكية الخاصة بـ"حزب الله"، والتي كانت ممدودة تحت الأرض وتربط مراكز الحزب ببعضها بعضا، وهذا ما بدا واضحًا من خلال اغتيال بعض كوادر الحزب عقب استخدامهم الهواتف السلكية ما دفع الحزب إلى التخلي شيئًا فشيئا عن استخدام هذه الوسيلة فلجأ إلى الوسيلة الرابعة، بعد الخليوي والأرضي واللاسلكي إلى "البيجر"، فماذا يمكن أن تكون الوسيلة الرابعة؟ هي وسيلة التلقي، وتبيَّن أن الحزب استوردها منذ شهور، ولم يدخلها في الخدمة الفعلية إلا في يوليو الفائت. لكن في عملية استخباراتية معقدة، استطاعت إسرائيل الدخول على خط استيراد هذه الأجهزة، وثمة مَن يعتقد بأن جهاز الموساد كان في قلب العملية منذ لحظة تصنيع كمية الأجهزة التي طلبها "حزب الله"، ما أتاح له برمجتها."مَن يخسر حرب الاتصالات يخسر الحرب" بعد سقوط كل وسائل الاتصال، ما هي الوسيلة التي سيلجأ إليها "حزب الله"؟ ليس كاريكاتوريًا على الإطلاق استحضار وسيلة "الحمام الزاجل" التي كان يستخدمها القدماء، قبل الدخول في عصر التكنولوجيا، وهذا الخيار قد يكون الوحيد المتاح في غياب أو تعثر أو سقوط الخيارات الحديثة الآنفة الذِكر. "حزب الله" ليس جاهزًا للمواجهة ولمجاراة إسرائيل في المنافسة التكنولوجية، والقاعدة الجوهرية في سباق التسلح السيبراني، هي أن يكون الطرفان يملكان القدرة على الابتكار، وهذا ليس متكافئًا، الجانب الإسرائيلي يصنِّع ولا يكتفي بالاستيراد، ولديه ما يشبه "السيليكون فالي"، فيما لا يملك "حزب الله" سوى القدرة على الاستيراد، وبطريقة التهريب، كما حصل بالنسبة إلى أجهزة "البيجر". والسؤال الكبير الذي يطرح نفسه هو: لبنان غير قادر على إطفاء حريق مطمر نفايات، فكيف يعالج 4 آلاف قنبلة؟ مَن يسأل "حزب الله" كيف استورد 4 آلاف جهاز تحولوا إلى قنابل؟ "حزب الله" يواجه تحديًا حقيقيًا، بالمعنى العسكري أصبح "ضريرًا" ومقطَّع الأوصال، كيف سينجح عناصره ومسؤولوه في التواصل مع بعضهم بعضا في ظل انعدام وسيلة الاتصال أو انكشافها؟في العلوم العسكرية، هناك قول مأثور يقول: "مَن يخسر حرب الاتصالات يخسر الحرب"، لكن يبدو أن الأمين العام لحزب الله لا يقر بذلك، بل خرج بعد تفجير "البيجر" وتفجير أجهزة اللاسلكي، ليعلن أنه مستمر في "حرب الإسناد"، مع إقراره بأن حزبه تلقى ضربة كبيرة أمنيًا وإنسانيًا، ووصف الضربة بأنها غير مسبوقة في تاريخ لبنان وفي تاريخ الصراع مع إسرائيل. لكن ما لفت المراقبين في كلام نصر الله أنه لم يهدد بالرد، على غرار ما كان يفعل بعد كل ضربة توجهها إسرائيل، فلماذا تراجع هذه المرة عن التهديد؟