لم يجرؤ أحدٌ من مدقِّقي الحشود وخبراء الأرقام، على تقدير إعداد الذين شاركوا في تشييع الأمين العام السابق لـ"حزب الله" حسن نصر الله وخليفته هاشم صفي الدين، والسبب في عدم الجرأة على التقدير أن حسابات "حقل حزب الله" لم تطابق "بيدر" المدينة الرياضية، فـ"حزب الله" توقَّع حشدًا مليونيًا، فيما قراءة الأرض تتحدّث بمئاتٍ قليلة من الآلاف. فإذا كانت مدرجات المدينة الرياضية وملعبها يتسعون لمئة ألف، والمساحات المحيطة بها تتسع لضعف هذا العدد، لكان بالإمكان الحديث عن 300 ألف مشارك أو يزيد قليلًا. هذا العدد إن دلَّ على شيء، فعلى أن "حزب الله" أصيب بنكسةٍ على رغم من كل محاولات الإيحاء بأن حسن نصر الله يجمع الملايين في تشييعه، فكانت النتيجة أقل بقليل.ماذا بعد حسن نصر الله؟والنكسة لم تتمثَّل فقط في حجم الحشود، بالمقارنة مع ما كان وما كان يؤمَل ان يكون، بل في الغياب الحضوري للأمين العام لـ"حزب الله" الشيخ نعيم قاسم، عن المدينة الرياضية، وهذا الغياب يرجِّح وجوده في إيران، وهذا ما جعله يطل عبر شاشة عملاقة. وهنا يسأل المراقبون: إذا كان الشيخ نعيم قاسم لا يستطيع الحضور للمشاركة في تشييع أمينين عامين لـ"حزب الله"، فهذا يعني أن إقامته ستطول في إيران. هذا يطرح سؤالًا جوهريًا: ماذا بعد نصر الله؟ واستطرادًا، ماذا بعد بعد التشييع؟الأجوبة عن هذين السؤالين يمكن استخراجهما من الشيخ نعيم قاسم ومن الحضورين السياسي والشعبي، على مستوى الكلمة فهو يقول: "سنُمارس عملنا في المقاومة نصبر أو نُطلق متى نرى مناسبًا، ولن تأخذوا بالسياسة ما لم تأخذوه بالحرب، ولن نقبل باستمرار قتلنا". وفي استفزاز واضح للحكومة اللبنانية، عشية بدء مناقشة البيان الوزاري، همَّش الشيخ قاسم البيان الوزاري، لأنه لم يذكر المقاومة، فقال: "المقاومة تُكتب بالدماء ولا تحتاج الى الحبر على الورق"، بمعنى أنها لا تحتاج إلى أن ترِد في البيان الوزاري. كلمة الشيخ نعيم قاسم، على الرغم من جلل المناسبة، فإنها لم تكن على قَدْر هذه المناسبة، وسريعَا استطاع المراقبون التمييز والمقارنة بين نصرالله والشيخ قاسم.حسن نصر الله لن يعود ولن يتكرر من نكسة ضعف "حضور" الشيخ نعيم قاسم ومضمون كلمته، إلى ضعف الحضور السياسي اللبناني الذي اقتصر على شخصيات ما يسمَّى "محور الممانعة"، ومن الحضور غير المفاجئ رئيس تيار المردة سليمان فرنجيه ورئيس الحزب الديمقراطي الأمير طلال إرسلان ورئيس الجمهورية السابق العماد أميل لحود، ويمكن تسجيل أن حضور المكوِّن من الطائفة السنية جاء هزيلًا، خصوصًا بعد موقف تيار المستقبل بعدم المشاركة في التشييع.حتى مستوى التمثيل الخارجي فكاد أن يقتصر على شخصيات من إيران التي كان حسن نصر الله يعتبر نفسه أنه جندي في ولاية الفقيه.لم يكن أحد من المراقبين يتوقَّع أن يحصل أكثر مما حصل، لكن الحضور الشعبي والسياسي والقيادي لم يستطع أن يملأ "فراغ" حسن نصر الله، على المستوى الشيعي في لبنان وعلى مستوى دول "وحدة الساحات"، هذا الفراغ لم تستطع إيران أن تسده على الرغم من كل الحشد والجهود ورفعة التمثيل.كل هذه المعطيات الآنفة الذِكر، تسمح بالقول إن "ما بعد بعد التشييع ليس على الإطلاق كما قبله". ويوم 23 فبراير لم يكن فقط تشييع حسن نصر الله، بل تشييع لمرحلة لن تعود ولن تتكرر لأن نصر الله لن يعود ولن يتكرر.