ملفان يؤرقان الدول العربية، خصوصا المعنية منها، والعالم، خصوصا الدول المؤثرة، والملفان يندرجان تحت عنوان واحد: إعادة تكوين السلطة، سواء في لبنان أو في غزة، وتكاد هذه الأزمة أن تتحوَّل إلى معضلة.في غزة، السلطة لحركة "حماس"، ولكن منذ 7 أكتوبر الفائت، تاريخ بدء الحرب على غزة، بدأ الحديث عن "اليوم التالي" لِما بعد الحرب، والبند الأول في "اليوم التالي" هو: مَن هي السلطة التي ستقوم في القطاع؟ وكيف سيتم إيجادها؟ انتخابًا أو تعيينًا؟ إذا كانت انتخابًا، فمَن سيشرِف على هذه الإنتخابات؟ الأمم المتحدة أم الجامعة العربية أم السلطة الفلسطينية أم الثلاثة معًا؟ ماذا لو رفضت حركة "حماس" هذه الآلية؟ وفي أي حال تكون "حماس" غير قادرة على الرفض؟ ومن الناحية اللوجستية، كيف يمكن إجراء انتخابات أو استفتاء في قطاع مدمَّر؟ اين ستكون مراكز الأقتراع أو الأستفتاء؟هل تكون السلطة في غزة مع الضفة الغربية؟ قد يجيب البعض أن هذه الأسئلة قبل أوانها، لكن المنطق السياسي يميل إلى اعتبار أن أوان طرح هذه الأسئلة هو اليوم، وربما أمس، لأن لا حرب تنتهي إلا على طاولة المفاوضات التي تعلوها الخرائط والملفات، هكذا حصل في يالطا وفي أوسلو، وفي غيرها من العواصم والمدن التي سمِّيَت الأتفاقات والمعاهدات باسمها، وما زال هذا "التراث" متعارَفًا عليه إلى اليوم.إعادة تكوين السلطة في قطاع غزة، ربما تكون معقَّدة أكثر من ذي قبل: هل تكون السلطة في غزة مع الضفة الغربية أو يمعزِلٍ عنها؟ في حال كانت مع الضفة الغربية، ما هو موقع السلطة الفلسطينية القائمة فيها؟ وفي حال تمت إعادة تكوين السلطة في القطاع فقط، فكيف سيكون شكلها وهيكليتها؟ هل يمكن أن تتكون السلطة فيها من دون موافقة و"مباركة" الدول المعنية والمؤثرة؟ أليس هذا الأمر شرطًا مسبقًا ليكون هناك تمويلٌ لإعادة الإعمار، الذي من دون تمويل يكون مستحيلًا؟ من غزة إلى لبنان، لا تبدو إعادة تكوين السلطة فيه أكثر سهولة، في لبنان اليوم هناك سلطة وهناك قرار، القرار ليس حيث هي السلطة، والسلطة تعرف ذلك، ألم يقل رئيس حكومة تصريف الأعمال نجيب ميقاتي، في إحدى المقابلات التلفزيونية إن "قرار السلم والحرب ليس في أيدي الحكومة"؟لبنان سيبقى خارج سكة السلطة الفعلية؟إعادة تكوين السلطة في لبنان تستلزم انتخاب رئيس جديد للجمهورية خلفًا للرئيس العماد ميشال عون الذي انتهت ولايته في 31 أكتوبر 2022 أي منذ 14 شهرًا، كما تستلزم تشكيل حكومة تخلف الحكومة الحالية التي هي حكومة تصريف أعمال ليس منذ انتهاء ولاية الرئيس عون، بل منذ الانتخابات النيابية التي جرت في مايو 2022، حيث تستقيل الحكومة بعد الانتخابات النيابية، وتصبح حكومة تصريف أعمال. ومنذ الانتخابات النيابية الأخيرة، وحتى انتهاء ولاية الرئيس عون، التي لم يكن متبقيًا منها سوى 6 أشهر، لم تنجح السلطة في تشكيل حكومة جديدة، فبقي الرئيس ميقاتي رئيسًا مكلفا ورئيس حكومة تصريف أعمال في آن، وهذه سابقة في تاريخ الجمهورية اللبنانية، ما قبل الطائف وما بعده، وهذا يستدعي إعادة تكوين السلطة التنفيذية، من رأس الهرم، أي رئيس الجمهورية، إلى حكومة أصيلة تمثل أمام مجلس النواب لتنال الثقة، ويستطيع المجلس مناقشتها ومساءلتها ومحاسبتها، لا كما اليوم حيث هي حكومة مستقيلة ولا يمكنه طرح الثقة بها. ما لم تحصل كل هذه الآليات الدستورية، فإن لبنان سيبقى خارج سكة السلطة الفعلية، يتنقَّل من انهيار إلى آخر، أكثر خطورةً.من غزة إلى لبنان، معضلة إعادة تكوين السلطة تكاد تكون عنوان السنة الجديدة التي ستنوء تحت أَثقال التركة الثقيلة للسنة الراحلة.