في ظلّ الأوضاع الدولية المعقّدة والتحولات العسكرية المحتملة، تُظهر روسيا القدرة على توسيع رقعة الحرب، وتضييق الخناق على أوروبا كمحور أمنيّ حيوي، وذلك في سياق تصاعد التوترات الدولية والتحولات الإستراتيجية، حيث من المتوقع إلى حدٍّ ما، أن تستغل روسيا الفجوات والتشتت الدوليّ لتحقيق مكاسب استراتيجية على المديَين القريب والمتوسط.بالنسبة للأزمة الأوكرانية، تتسارع الأحداث المحتملة في أوكرانيا وسط تجميد للمساعدات الغربية، ما يفتح الباب أمام روسيا لاستغلال هذا الوضع، وتحقيق مكاسب إقليمية، وفي الوقت نفسه، تزداد التوترات بين الصين والولايات المتحدة حول قضية تايوان، ما يخلق فرصًا استراتيجية لروسيا، التي قد تستغلها في الوقت بدل الضائع، لتحقيق مصالحها في المنطقة الأوروبية، حيث تُعتبر الهجمات الصاروخية الروسية على بعض أجزاء من بعض دول البلطيق ذات الأقلية الروسية، وكذلك التعزيز العسكريّ في القارة الأوروبية، سيناريوهات واردة (لكنها غير واردة على المدى المنظور بالنسبة لروسيا)، تضع حلف شمال الأطلسيّ (الناتو) في موقف حساس. ومع تشتّت الانتباه الأميركي، يبدو أنّ روسيا قد تكون قادرة على تحقيق مزيد من التأثير في المنطقة بشكل مباشر.وفي هذا السياق، تثير تصريحات الرئيس الأميركيّ السابق والمرشح الرئاسي، دونالد ترامب بشأن عدم جاهزية الدعم الأميركيّ لأوروبا في حالة التحدي، تساؤلات حول قوة ردّ الناتو وقدرته على حماية المنطقة، حيث تتساءل الأوساط الدولية عن مدى استعداد أوروبا لتعزيز قدراتها الدفاعية، والتحضير لمواجهة تحديات غير متوقعة في هذا السيناريو المعقد.بالإضافة إلى ذلك، وفي مواجهة تطورات عسكرية محتملة في أوروبا، يظهر ترامب، برؤية تحوّل الأوضاع الأمنية، في تحذير إلى المسؤولين الأوروبيّين، أكد فيه أنه لن يكون هناك دعم أميركيّ في حالة تعرّض القارة الأوروبية لهجوم روسي، خصوصًا أنّ الجهود لتعزيز البنية العسكرية والاستثمار في الصناعة العسكرية، تتطلب مبالغ ضخمة وفترة زمنية تصل إلى عشر سنوات، وهو وقت قد لا تمتلك فيه أوروبا الوقت الكافي.قوة الناتووفي تفاصيل السيناريو الغربيّ المتوقع، أن تُقدم روسيا على تنفيذ هجمات صاروخية على القاعدة الجوية الإستونية، وتحشد قواتها بشكل مكثف في المنطقة الحدودية، ما يضعف قوى الناتو، في حين ينشغل ترامب بأمور أخرى حال فوزه وإعلانه كرئيس للولايات المتحدة، في موقف يبيّن الضعف والترهّل الغربي، ويقلّل من فعالية ردّ الناتو.بالتالي، هل تقرر روسيا المضي قدُمًا في هذا السيناريو المعقّد الذي قد يعرّض أوروبا للمزيد من التحديات؟في هذا السيناريو، تدرك أوروبا أنها تحتاج إلى تعزيز قدراتها الدفاعية، ومع انقضاء عقود من التقشف، قد يكون العبء الماليّ الثقيل، يحتاج إلى جهود جماعية وتضحيات طويلة الأمد، بالتالي، تبرز قضية القوات الموجودة في أوروبا، خصوصًا لجهة إمكانية نقل التعزيزات بسرعة كافية لمواجهة التحديات المحتملة، وفي هذا السياق، تتمثل فنلندا كنموذج في الاستعداد والتدريب العسكري، حيث تبذل الجهود لتعزيز قواتها، كما تعكس أوروبا استعدادها لمواجهة تحديات أمنية مستقبلية غير محددة، في سياق التطورات العسكرية المستقبلية.بالإضافة إلى ذلك، يشهد الطريق نحو التحول العسكريّ في أوروبا تحديات كبيرة واقتصادية ضخمة، مع الحاجة إلى زيادة الإنفاق العسكريّ وتعزيز القدرات الدفاعية في وجه التحديات المحتملة، لكن في إطار الصعوبات المالية التي تواجهها دول الاتحاد الأوروبي، تبرز مشكلة الاستثمار العسكريّ كتحدٍّ كبير، حيث يعني ذلك تحميل تكاليف إضافية على اقتصادات تعاني الديون، وتبحث عن آفاق النمو، وبينما تستغرق الديمقراطيات وقتًا طويلًا للدخول في حالة حرب، يتساءل الكثيرون عما إذا كانت أوروبا تتحرك بسرعة كافية لمواجهة التحديات المستقبلية.أوروبا وروسيافي هذا السياق، تتباين قدرة أوروبا مقارنةً بروسيا، حيث تستفيد روسيا من قدرات عسكرية متقدمة واستعداد دائم للتحول إلى اقتصاد حربي، في المقابل، تتجلى محاولات أوروبا في تحسين إمكانياتها العسكرية من خلال تعزيز إنتاج الأسلحة والتكنولوجيا العسكرية، وفي هذا السياق، يظهر الحذر الأوروبيّ والتركيز على تعزيز القوات، وتحديث القدرات العسكرية، من شركات صناعة الأسلحة الفرنسية إلى الشركات الألمانية المتخصصة في الدبابات والشركات الفنلندية في إنتاج الذخيرة، حيث يبدو أنّ هناك استعدادًا لتعزيز القوات وتحديث التجهيزات، وعلى الرغم من ذلك، تبقى التحديات كبيرة، وتحتاج أوروبا إلى التحرك بسرعة وتكثيف جهودها لتحقيق التحول العسكري، ومواكبة التحديات الأمنية المستقبلية.وفي ظل تصاعد التوترات والمخاطر المحتملة في المشهد الدولي، تبحث بعض الدول الأوروبية في اتخاذ خطوات غير مسبوقة لتعزيز قدراتها الدفاعية، وذلك في حالة عدم حصولها على الدعم الأميركيّ المعتاد، فقد يؤدي انسحاب الولايات المتحدة المحتمل من الاتحاد الأوروبي، إلى ترك بعض الدول بلا درع نوويّ أميركي، ما يفتح باب التفكير في بناء ترسانة نووية خاصة بها، على الرغم من أنّ فرنسا وبريطانيا تمتلكان أسلحة نووية، لكنّ التساؤلات تحوم حول قدرتهما على استخدامها في الدفاع عن حلفائهما الأوروبيّين، في ظل غياب الدعم النوويّ الأميركيّ المعتاد، فقد تقدمت فرنسا بفكرة مشاركة حلفائها الأوروبيّين في استخدام هذه الأسلحة، ورغم أنّ هذا الاقتراح لم يُدرس بجدّية في السابق، إلا أنه يعود للواجهة مع التطورات الأمنية الحديثة.بالتالي، فإنّ تاريخ القرن العشرين أظهر أنّ الديمقراطيات الغربية تتحرك ببطء في مواجهة التحديات العسكرية، وهو الأمر الذي يضع القادة الأوروبيّين في موقف صعب، يتطلب منهم البحث عن خيارات غير تقليدية، فنجد ألمانيا نفسها تدعو إلى حاجة الاتحاد الأوروبيّ لامتلاك صواريخ نووية خاصة به، بينما تطالب بولندا بتأسيس ترسانة نووية مستقلة.وفي النهاية، تظهر هذه التحولات والنقاشات الداخلية الأوروبية، أهمية مراجعة السياسات الأمنية وتقويتها في ظل التحديات الجديدة، مع العلم أنها تبقى مجرد آراء هامشية قد تتزايد تأثيرها في ظل تغيّرات محتملة في المشهد الدولي.