تشهد الساحة الدولية منذ أعوام تصاعداً في التوترات بين الولايات المتحدة من جهة، وروسيا والصين من جهة أخرى، مما دفع الأخيرتين إلى تعزيز شراكتهما لمواجهة سياسة الاحتواء المزدوج التي تبنتها واشنطن. فقد صنفت الولايات المتحدة روسيا كتهديد رئيسي لأمنها، بينما اعتبرت الصين المنافس الإستراتيجي الأبرز، وبناءً على ذلك، صاغت الإدارات الأميركية المتعاقبة سياساتها الخارجية، إلا أن عام 2025 يَعد بتحولات جوهرية في هذه الديناميكيات.وقد برزت في الآونة الأخيرة أنماط جديدة من التفاعل ضمن المثلث الروسي الصيني الأميركي، حيث تعمل الأطراف الثلاثة على إعادة ضبط علاقاتها الثنائية بما يتماشى مع المتغيرات الجيوسياسية، ويعد الرئيس الأميركي دونالد ترامب، في مستهل ولايته الجديدة، من أبرز الفاعلين في هذا المشهد، فقد عكست تصريحاته وسياساته رغبة واضحة في المساومة، وإيجاد حلول وسط، وإبرام صفقات كبرى تخدم المصالح الأميركية.تهدئة الصراع الأوكرانيعلى الجانب الروسي، تسعى إدارة ترامب لتهدئة الصراع الأوكراني الذي يعتبر أحد أبرز ملفات السياسة الخارجية، حيث يُنظر إلى تحقيق تسوية للأزمة كشرط أساسي لاستئناف الحوار حول قضايا إستراتيجية، مثل الحد من الأسلحة الهجومية، ومع تعليق روسيا مشاركتها في معاهدة الأسلحة الهجومية الإستراتيجية (START-3) خلال عهد إدارة بايدن، باتت هناك حاجة مُلحّة إلى استعادة الثقة بين الطرفين، خصوصاً أن الاتفاقية تنتهي في عام 2026، وسط مؤشرات على اهتمام إدارة ترامب بإبرام صفقة جديدة.من جانب آخر، أثار قرار ترامب تعليق جميع برامج المساعدات الخارجية لمدة 90 يوماً، بما في ذلك المساعدات المقدمة لأوكرانيا، نقاشات واسعة، فقد برر القرار برغبته في مراجعة توافق هذه المساعدات مع المصالح الوطنية الأميركية، وهو ما قد يُمهد الطريق لفتح قنوات تفاوض جديدة مع موسكو، خصوصاً في ظل اهتمام واشنطن بالاستفادة من طريق بحر الشمال، الذي تسعى روسيا إلى تطويره كجزء من استراتيجيتها في المنطقة القطبية.أما في ما يتعلق بالصين، فقد استمرت الإدارة الأميركية في الضغط على بكين من خلال الإبقاء على الرسوم الجمركية التي فرضتها في الولاية الأولى لترامب، ومع ذلك، لم تؤثر هذه السياسات بشكل كبير على الشراكة الصينية الروسية، التي شهدت تطوراً ملحوظاً في مجالات عدة، أبرزها الطاقة. انسحاب الولايات المتحدة من اتفاق باريس للمناخ، على سبيل المثال، منح روسيا والصين فرصة لتعزيز موقفيهما كمزودين رئيسيين للطاقة، خصوصا للدول النامية التي تجد في التحول نحو الطاقة النظيفة تحديات اقتصادية هائلة.وفي خطوة أخرى لتعزيز شراكتهما الإستراتيجية، وقعت روسيا والصين في ديسمبر 2024 خارطة طريق للتعاون في مجال الطاقة النووية السلمية، شملت مفاعلات النيوترونات السريعة وإغلاق دورة الوقود النووي. كما يُتوقع أن يشهد عام 2025 استمرار التنسيق بين الدولتين داخل المنظمات الدولية، مثل منظمة شنغهاي للتعاون، التي ستترأسها الصين هذا العام، مع التركيز على تحقيق أهداف التنمية والسلام والأمن الإقليمي.مبادرات أمنيةوفي مجال الأمن، أكدت المحادثات الأخيرة بين بوتين وشي جين بينغ ضرورة دمج المبادرات الأمنية للبلدين في المنطقة الأوراسية، هذا التوجه يتماشى مع مبادرة الصين للأمن العالمي، التي تعمل على تعزيز التفاهم والتعاون في القضايا الأمنية.من جهة أخرى، يعكس عام 2025 رمزية تاريخية مزدوجة، إذ يصادف الذكرى الثمانين لانتصار الصين على الاحتلال الياباني وانتصار القوات السوفياتية في الحرب الوطنية العظمى، من المتوقع أن تُنظم فعاليات تذكارية مشتركة تُبرز التحالف التاريخي بين البلدين، في إشارة واضحة إلى عمق العلاقات الروسية الصينية في مواجهة التحديات الدولية الراهنة.في ظل هذه التحولات الجيوسياسية، يبدو أن العلاقات بين روسيا والصين قد دخلت مرحلة جديدة، مدفوعة بالضغوط التي تفرضها السياسة الأميركية، ومع سعي ترامب إلى إعادة صياغة إستراتيجيات واشنطن، فإن تأثير هذه السياسات سيمتد إلى إعادة تشكيل توازن القوى الدولية، فالطريق نحو عالم متعدد الأقطاب بدأ بالفعل، ويُنتظر أن تتبلور معالمه بشكل أوضح في السنوات المقبلة.