لا شك أن العام المنصرم كان من أصعب الأعوام التي مرت على منطقة الشرق الأوسط في الأعوام الأخيرة. فقد كان عام 2024 عاماً أسودَ بامتياز، مليئاً بالصراعات والكوارث والحروب التي زعزعت استقرار المنطقة وأثارت المخاوف من انفجار كبير قد يغير وجه الشرق الأوسط لعقود مقبلة. فالأحداث الدامية، التي تصدرتها مشاهد الدمار في قطاع غزة، جعلت الحديث عن السلام يبدو أشبه بحلم بعيد المنال، وسط واقع سياسي وعسكري يتجه نحو مزيد من التعقيد.غزة: البداية والنهايةالحرب المدمرة في قطاع غزة كانت العنوان الأبرز لعام 2024، حيث استكملت إسرائيل حملتها العسكرية غير المسبوقة تحت ذريعة القضاء على حركة "حماس." وقد أدت هذه الحملة عملياً إلى سحق الحركة عسكرياً واغتيال أبرز قادتها، مثل رئيس مكتبها السياسي إسماعيل هنية، الذي اغتيل بطريقة مهينة في قلب طهران، وقائدها العسكري يحيى السنوار، الذي سقط في مواجهة مباشرة مع القوات الإسرائيلية. هذا الواقع جعل من قطاع غزة مسرحاً لجراح لا تندمل، وأدى إلى أزمة إنسانية غير مسبوقة، وسط غياب شبه تام لأي أفق سياسي يعيد الأمل للسكان المحاصرين منذ سنوات.وفي نفس السياق، امتدت نيران الحرب إلى لبنان، حيث دفع "حزب الله" البلاد إلى مواجهة مفتوحة مع إسرائيل، دعماً لقطاع غزة الدامي والجريح. وقد أدى هذا التصعيد من قبل الحزب إلى عدوان إسرائيلي واسع النطاق استهدف البنية التحتية واحتلال جزء من الجنوب اللبناني. كما أسفر عن مقتل وتهجير آلاف اللبنانيين، وإضعاف الحزب بشكل كبير، والقضاء على جزء مهم من قدراته العسكرية. يمكن القول إن اغتيال حسن نصرالله، الأمين العام الأبرز لـ"حزب الله"، في سبتمبر الماضي كان أحد أبرز التحولات، إذ وُصفت العملية بأنها الضربة الأقوى للحزب منذ تأسيسه. خصوصا وأنه سبقها مقتل معظم قادة الحزب العسكريين، ما أدى إلى شلل كبير في هيكليته التنظيمية وتركه في حالة ضعف غير مسبوقة، وأثار تساؤلات جدية حول مستقبله ودوره في المنطقة. الأراضي السورية هي الأخرى لم تكن بعيدة عن دائرة الحرب، حيث استهدفت إسرائيل مواقع عسكرية إيرانية وشخصيات بارزة على التراب السوري لمنع تهريب الأسلحة إلى "حزب الله". فالنظام السوري بقيادة بشار الأسد، والذي كان أداة في يد طهران، وجد نفسه بحكم الأمر الواقع جزءاً من هذه الحرب، مما زاد من هشاشة النظام وتعقيد المشهد السوري الذي يعاني أصلاً من أزمات متراكمة.إيران: خسائر في الهيبة والنفوذأما الجمهورية الإسلامية في إيران، القطب الأساسي في هذه الحرب، فقد شهدت خلال هذا العام سقوط عدد من قادتها العسكريين واستهداف مقارها وأذرعها في المنطقة. وقد اضطرت إيران العام الماضي، ولحفظ ماء الوجه، إلى الدخول المباشر في الحرب واستهداف إسرائيل بطريقة هوليوودية مرتين، الأولى في شهر أبريل، والثانية في شهر أكتوبر. هذا التصعيد أدى إلى استهداف المنشآت العسكرية والنووية الإيرانية من قبل إسرائيل، مما زاد من التوترات وعقّد المشهد الإقليمي أكثر فأكثر.الربع الأخير من عام 2024 كان الأقسى بلا شك، خصوصا أنه شهد تحولات إستراتيجية حاسمة لصالح دولة إسرائيل. فقد نجحت الأخيرة خلال هذا الجزء من العام في سحق البنية التحتية لحركة "حماس" و"حزب الله"، واغتيال معظم قادتهم بطريق درامية، ما أدى إلى إضعاف النفوذ الإيراني بشكل كبير في المنطقة وسقوط نظام بشار الأسد بطريقة غير مباشرة. طبعاً، اغتيال إسماعيل هنية في طهران، وحسن نصرالله في لبنان، كانا بمثابة ضربة مزدوجة لهيبة إيران وأذرعها في المنطقة، بالإضافة إلى هروب بشار الأسد من سوريا وسقوط نظامه. فقد جعلت هذه التطورات طهران مقلمة الأظافر وفي موقف دفاعي، في حين بدأ الحديث يتزايد عن نهاية مشروعها التوسعي في الشرق الأوسط. لا يخفى على أحد أن النتائج الميدانية القاسية لعام 2024، المتمثلة في شبه إنهاء حركة "حماس" في قطاع غزة، وتحجيم "حزب الله" في لبنان، وسقوط نظام الأسد في سوريا، أثقلت إيران وأفقدتها جزءاً كبيراً من نفوذها الإقليمي. لتدخل المنطقة بعد هذا المخاض الصعب في مرحلة جديدة وظروف مغايرة، عنوانها الرئيسي التهدئة والاتفاقات. مما يطرح اليوم سؤالاً جدياً: هل دقت "ساعة السلام" في الشرق الأوسط؟التطلعات لعام 2025يعتقد الكثيرون اليوم أن غياب لاعبين رئيسيين في المنطقة، مثل حسن نصرالله، إسماعيل هنية، يحيى السنوار، وبشار الأسد، أصبح يمهد الطريق نحو سلام في منطقة عانت من الحروب والمآسي لعقود. وما يعزز هذا السيناريو لدى البعض هو أن العام المنصرم أثبت الهزيمة الكبرى لما يُعرف بقوى المقاومة، وأظهر فشل مشروعهم العسكري في تحرير ولو شبر واحد من أراضي فلسطين. ومع بداية عام 2025، بدأت تظهر تغييرات جدية وجذرية في المنطقة. فهناك إدارة أميركية جديدة برئاسة دونالد ترامب تستعد لدخول البيت الأبيض وعينها على إتمام "صفقة القرن"، أي تحقيق السلام في الشرق الأوسط. كما أن هناك نظاماً جديداً في سوريا بعيداً عن فلك الممانعة وسوق الاتجار بالقضية الفلسطينية، بالإضافة إلى بدء ظهور معالم جمهورية ثالثة في لبنان بعيدة عن سيطرة "حزب الله" والنفوذ الإيراني. لذلك، نقول اليوم إنه ومع التوصل إلى اتفاق جدي لوقف إطلاق النار في غزة، تبدو عملية السلام أقرب من أي وقت مضى، خصوصا مع الدعم الدولي اللامحدود لهذه التهدئة والدعم العربي التام لعملية سلام شامل وعادل على أساس حل الدولتين. لكن ما ينقص مشهد السلام للاكتمال هو تغيير جذري في المشهد السياسي الإسرائيلي، تأتي معه حكومة تعترف بالفلسطينيين وتكون مؤمنة بسلام حقيقي وشامل تحتاجه كافة شعوب هذه المنطقة التي عانت الآمرين من الحروب والنزاعات منذ قرابة الثمانين عاماً. بين الأمل والشك، تقف المنطقة اليوم أمام لحظة تاريخية حاسمة. وعلى الرغم من أن مشاهد الدمار والدماء ما زالت حاضرة، إلا أن التحولات الأخيرة قد تفتح الباب نحو مستقبل أفضل تتطلع إليه شعوب هذه المنطقة. فهل تكون هذه التطورات إيذاناً ببزوغ فجر جديد للسلام في الشرق الأوسط، أم أن المنطقة ستظل عالقة في دوامة من الصراعات والحروب لا نهاية لها؟