في 24 من الشهر المقبل تحل الذكرى الأولى لاندلاع الحرب في أوكرانيا واجتياح الروس لجزء كبير من أراضي هذه الدولة التي كانت، حتى الأمس القريب، منطقة عازلة ما بين روسيا وحلف شمال الأطلسي. وفي ظل قساوة هذه الحرب ومرارتها، يُصنف معظم الخبراء الحرب الأوكرانية كواحدة من أشرس الحروب التي شهدتها أوروبا منذ نهاية الحرب العالمية الثانية، ويرجحون أن تكون أطولها أيضاً.فهذه الحرب التي بدأها الروس للدفاع عن حدودهم الجنوبية الغربية من تمدد حلف شمال الأطلسي على حد قولهم، يعتبرها الكثيرون اليوم، أنها وببساطة حربا روسية أوكرانية ذات خلفيات تاريخية وجغرافية، لكنها على أرض الواقع هي أكثر تعقيدا. إذ يُصر آخرون على اعتبارها حربا ضروسا ذات أبعاد جيواستراتيجية في الدرجة الأولى، بين واشنطن وموسكو ومسرحها الأراضي الأوكرانية.لذا وبعيدا عن مسببات هذه الحرب، ومن الذي يتحمل مسؤوليتها، يطرح الجميع اليوم العديد من التساؤلات والأسئلة عن سبب طول فترة هذه الحرب وسبل إنهائها، على غرار: متى تنتهي الحرب في أوكرانيا، ولماذا لم تضع أوزارها بعد؟ أو لماذا لا يتحاور الروس مع الأوكرانيين للتوصل إلى حل سلمي؟ ولم لا يضغط الأوروبيون لإنهائها؟ والأهم، ماذا عن دور الولايات المتحدة الأميركية في هذا الأمر؟يقول الرئيس الفرنسي السابق الجنرال شارل ديغول إن "من لا يستطيع أن يكسب الحرب، لا يستطيع أن يصنع السلام"، وعليه يمكن القول إن الحرب في أوكرانيا مستمرة لأن أيا من الطرفين عاجز عن تحقيق انتصار واضح وصريح قادر بموجبه أن يصنع السلام.فالروسي الذي أعتقد أن هذه الحرب ستكون نزهة يمكن حسمها بسرعة، اصطدم بمقاومة أوكرانية صلبة عصبها دعم غربي دفاعي غير محدود لكييف. أما أوكرانيا التي ظنت أنها تستطيع رد الهجوم الروسي والذهاب بعيدا بتحقيق انتصار ساحق على الروس، فاصطدمت بإرادة غربية أميركية حددت قدراتها بالدفاعية فقط، وأبعدت أي إمكانية لتحقيق حسم عسكري، وذلك لمنع تمدد رقعة هذه الحرب خارج أوكرانيا خوفا من حرب شاملة قد تتحول إلى حرب عالمية جديدة.عمليا، كان من الممكن أن تكون عملية إنهاء الحرب في أوكرانيا أسهل بكثير لو كانت صراعا ثنائيا بين موسكو وكييف، لكن المشكلة اليوم أن الحرب تصول وتجول في أوكرانيا، أما مفتاح الحل، فهو في الخارج وعنوانه العريض واضح، "ضمانات أمنية أميركية" لروسيا بكفالة أوروبية طبعا. وهو ما يعني أن أي حوار روسي - أوكراني لن يوقف الحرب، ولن يقترب حتى من حلها، وأن السبيل الممكن والوحيد للسلام هو عبر حوار أميركي-روسي جاد يؤدي إلى تفاهمات مقبولة للأطراف كافة.في موازاة ذلك، تتمثل المعضلة الرئيسية اليوم بأن الرئيس الروسي فلاديمير بوتين الذي يحاول الخروج من هذه الحرب، دخل في طريق لا يمكن الرجوع فيها، أما الرئيس الأوكراني فلودومير زيلينسكي فلا حول له ولا قوة. هذا ويبدو الأوروبي الذي يعاني من هذه الحرب أكثر من غيره عاجزا عن فعل أي شيء لإنهائها، وذلك في ظل تهميشه من قبل الروس والأميركيين على حد سواء.وبالتالي، يبدو الحل محصورا فقط بيد إدارة الرئيس الأميركي جو بايدن التي يتهمها البعض بأنها المسؤولة عن اندلاع هذه الحرب، وذلك من خلال تحريض كييف ضد الروس وإفشال محادثات جنيف لتقديم ضمانات أمنية لموسكو والتي سبقت هذه الحرب.طبعا إنهاء الحرب اليوم ممكنا وليس مستحيلا، لو كانت هناك إرادة أميركية للحوار وللوصول إلى حل. حل يكون مثلا يشبه أو على غرار حل أزمة الصواريخ الكوبية عام 1962، والذي كان عماده الأساسي نية واضحة من إدارة الرئيس جون كنيدي بالوصول إلى حل ينهي الأزمة، ويُرضي جميع الأطراف بمن فيهم الرئيس الروسي نيكيتيا خروتشوف.وعليه يرى الكثيرون اليوم أن الحرب في أوكرانيا لن تنتهي قريبا، وذلك في ظل غياب النية والرغبة الأميركية الحقيقة لتحقيق ذلك. كما يعتقد آخرون بأن الحرب ستنتهي فقط عندما يقرر البيت الأبيض فتح باب الحوار مع الروس على قاعدة المثل الفرنسي الذي يقول إن "من يصنع الحرب يصنع السلام"، وهو شيء لا يريده على ما يبدو، بل لا يفكر فيه الرئيس جو بايدن حاليا.