يسود في الأوساط الثقافية والإعلامية بالعديد من بلدان شمال إفريقيا والشرق الأوسط، أنّ "الإسلاموفوبيا" ليست سوى نظرة عنصرية غربية مقنّعة بالليبرالية، غير أنّ هذا الخطاب الاختزاليّ يُخفي بشكل كبير الأسباب المتعلقة بالجالية المسلمة واختياراتها، خصوصًا منها ما يتعلق بدور أنماط التديّن في إشاعتها، وكذلك دور المساجد والجمعيات في تكريس الهوة بين المسلمين المهاجرين والمجتمعات المضيفة.يعود الأساس الأول لظاهرة الخوف من الإسلام والمسلمين، إلى سبب تاريخيّ هو الحروب الصليبية التي مثّلت لقاءً تصادميًا دمويًا بين الإسلام والغرب، لم ينتهِ بنهاية الحروب، بل استمر من خلال التمثّلات التي غذّتها الإنتاجات المكتوبة والشفهية لقرون طويلة.زرع مشاعر النفور والكراهيةوتعود الظاهرة أيضًا إلى المرحلة الكولونيالية التي كرست أشكالًا من التعامل بين الإنسان الغربيّ الأبيض وباقي سكان المعمورة، قوامها نوع من التعالي والمركزية الغربية، وقد لعب الإسلام دور اللحام الإيديولوجيّ بين مكونات المجتمعات الإسلامية في مواجهة الاحتلال وتأطير المقاومة والحركات الوطنية.هذه العوامل حكمت نظرة الإنسان الغربيّ للجاليات المسلمة بعد المرحلة الاستعمارية، فأظهر نوعًا من التعاملات العنصرية لم يكن الجيل الأول من المهاجرين يشعر بها، حيث كان يعطي الأولوية لعلاقته بالدولة وللمكتسبات المادية والخدمات الاجتماعية، على العلاقة بالأفراد. ويفسر هذا الإعجاب الشديد الذي كان يعبّر عنه أفراد هذا الجيل بالدول الغربية ومؤسساتها مقارنة بواقع بلدانهم المتردي، كما كانت أزمة الهوية الناتجة عن حالة الاغتراب متحكمًا فيها عبر الحفاظ على علاقة وطيدة بالجذور وبالوطن الأصليّ وبالتقاليد والعادات الأصلية.هذه الروابط التي كانت تلعب دور التوازن النفسيّ سرعان ما شرعت في التلاشي والذوبان مع الجيل الثاني والثالث من المهاجرين، وذلك بسبب ضعف العلاقة بالوطن الأصلي، وظهور عامل جديد هو التشدد الدينيّ والتنظيم العالميّ لـ"الإخوان المسلمين"، هاتان الإيديولوجيتان اللتان امتلكتا شبكات تمويل هائلة، ونجحتا في استقطاب نسب كبيرة من أعضاء الجالية، حيث لعبتا لفترة معينة دور العزاء النفسيّ والتعويض عن حالة الاغتراب، وفقدان المرجعية بالنسبة لأعضاء الجالية الذين عانوا ضعف الاندماج، وساهم في ذلك بشكل كبير تفاقم الأزمة الاقتصادية وتزايد البطالة، ما دفع بالعديد من الشباب نحو المساجد التي يؤطّرها أئمة بعضهم سلفيون، لا يكتفون بدورهم الرسميّ بإقامة الصلاة والوعظ والإرشاد الدينيّ السمح والوسطي، بل يركزون على تكريس الخصوصية بمعناها المُغلق، ونشر ثقافة الممانعة ضد قيم حقوق الإنسان على الخصوص، وضرب ثقافة التعايش في الصميم إلى حدّ يصل إلى درجة زرع مشاعر النفور والكراهية لدى المواطنين غير المسلمين تجاه الجالية المسلمة، وبشكل كبير لدى اليمين المتطرف الذي تصاعدت سطوته بشكل مخيف في الأعوام الأخيرة، خصوصًا بعد الأحداث الإرهابية التي عرفتها العديد من البلدان الأوروبية.انتشار ظاهرة الإرهاب المسلحويلاحظ بشكل واضح استعمال القضية الفلسطينية وأخطاء سياسة الهيمنة المعتمدة لدى الخارجية الأميركية بشكل كثيف، ودول غربية أخرى، لتيسير عملية التأطير المنحرف لجزء كبير من المسلمين. وقد زاد من تأزم الوضع بشكل كبير، انتشار ظاهرة الإرهاب المسلح وظهور تنظيم "القاعدة" وفروعه، ما جعل الإسلام مرتبطًا في وجدان الإنسان الغربيّ بالعنف والدم، خصوصًا بعد أن تكاثرت الحوادث والوقائع الدموية التي كان أبطالها إسلاميّين وسلفيّين في كل من مالي والجزائر وليبيا وتونس، ومصر والعراق واليمن، والصومال وكينيا ونيجيريا، وأفغانستان وباكستان السودان، وغيرها من البلدان. من دون ذكر التفجيرات في البلدان الغربية نفسها وعلى رأسها واقعة 11 سبتمبر التي كانت فيصلًا بين زمنَين في ما يخصّ هذا الموضوع، وهو ما أدى إلى بروز ظواهر جديدة ذات خطورة في قارات أخرى، مثل ما حدث في أنغولا مؤخرًا، حيث تم حظر الإسلام رسميًا وهدم مساجد الأقلية المسلمة.كما أنّ تخلّف "الدول الإسلامية" وفشلها في بناء ديمقراطيات ناجحة، وفي تنمية مجتمعاتها، وإفراطها في استعمال الدين في اضطهاد أبنائها وعرقلة تطور بلدانها، رسّخ لدى الغربيّين فكرة ارتباط الإسلام بالاستبداد والقهر والظلم.من الخطأ إذن البحث عن حلول لـما يسمى "إسلاموفوبيا" فقط عبر السعي إلى إقناع الغربيّين بتغيير نظرتهم إلى الإسلام والمسلمين، اعتمادًا على بعض النصوص، ذلك أنّ هذه النظرة لا يمكن أن تتغير بدون أن يغيّر المسلمون سلوكياتهم واقعيًا، سواء في بلدانهم أو في بلدان المهجر، ذلك أنّ الحقيقة التي ينبغي أن تظلّ نصب أعيننا، هي أنّ الغرب لن يفهم أبدًا الإسلام إلا من خلال ما يفعله المسلمون، سواء بأنفسهم أو ببعضهم البعض، أو بغيرهم.