بعد زيارة الرئيس التركيّ رجب طيّب إردوغان إلى القاهرة، ولقائه الرئيس المصريّ عبد الفتاح السيسي في 14 فبراير الماضي، شخصت الأنظار إلى الخطوة التالية التي يمكن أن يقوم بها إردوغان لترميم علاقات بلاده مع دول الجوار، بعضهم يرى أنّ إردوغان لن يهدأ له بال، ما لم يُعِد العلاقات مع دمشق، فسوريا هي صلة الوصل بين تركيا ودول الخليج، كما أنّ فتح الطّرق الدوليّة سيجعل من تركيا جسرًا بين أوروبا والمشرق العربي، وإذا كان إردوغان يسعى لتحقيق الأمن القوميّ لبلاده، فإنّ هذا الأمن لن يتحقّق ما دامت تركيا على خلاف مع جارتها الجنوبيّة، التي تمتلك معها أطول حدود برّية 925 كلم، إضافة إلى أنّ تركيا تعاني مشاكل عدة: العلاقة الوثيقة بين الولايات المتّحدة و"قسد"، وسعي حزب الاتّحاد الديمقراطيّ المسيطر على قوّات "قسد"، والذي تعتبره أنقرة فرعًا من حزب العمّال الكردستاني – المصنّف إرهابيًا في تركيا - لتأسيس دويلة كرديّة في شمال شرق سوريا، وهذا ما يشكل خطرًا على الأمن القوميّ التركي.أما المشكلة الأكبر فهي أعداد اللّاجئين السوريّين الكبيرة في تركيا، والتي باتت تشكّل عبئًا على أنقرة، كما أنّ تركيا تشعر بالمنافسة على النّفوذ في سوريا، مع كلّ من روسيا وإيران والدول العربيّة.التطبيع بين سوريا وتركياالسؤال الآن: هل من الممكن أن تكون دمشق هي التالية في تطبيع العلاقات مع أنقرة بعد القاهرة؟ صحيفة "أيدنليك" التركيّة نقلت عن الصحفيّ تشتينار تشيتين قوله يوم السبت الماضي: إنّ صفحة جديدة ستُفتح في علاقات أنقرة مع دمشق، ليكشف أنّ الرئيس الروسيّ فلاديمير بوتين سيأتي إلى تركيا للقاء الرئيس إردوغان، وبناءً على النتائج سيتمّ تحديد موعد لقاء يجمع بين الرئيسين الأسد وإردوغان في موسكو. صحيح أنّ الرّئاسة التركيّة نفت ما قاله الصحفيّ تشتينار تشيتين، لكنّ إردوغان كان قد صرّح في 5 سبتمبر الماضي، أنّ نظيره السوريّ بشار الأسد، "يتابع من بعيد الخطوات المتّخذة ضمن الصيغة التركيّة - الروسيّة - الإيرانيّة - السورية، في ما يتعلق بالتطبيع بين أنقرة ودمشق"، داعيًا الأسد للتحرّك وفق الحقائق على الأرض، في حين قال وزير خارجيّته هاكان فيدان: "إنّ الباب سيبقى مفتوحًا لاستمرار الحوار مع دمشق، وفق تعليمات الرئيس إردوغان". في الجانب الآخر يؤكد الرئيس السوريّ باستمرار، أنّ "الانسحاب التركيّ من الأراضي السوريّة، شرط أساسيّ لعودة العلاقات الطبيعيّة بين دمشق وأنقرة، وهذا ما لم توافق عليه أنقرة حتى الآن، في حين تؤكد مصادر مطّلعة، أنّ المحادثات لم تنقطع بين الطرفين، سواء تلك التي تجري في موسكو أو في عاصمة عربيّة لم تحدّد اسمها، تسعى لإعادة العلاقات بين الجانبين، وأنّ النتائج قد تظهر قريبًا، وتستشهد هذه المصادر بالانسحاب التركيّ الخجول من إدلب، والضّغط الذي تمارسه أنقرة على فصائل ما يسمّى "الجيش الوطني"، و"هيئة تحرير الشام"، لتقليص أعدادها وتسفير المقاتلين الأجانب إلى خارج سوريا، والاستهدافات الجوّية الروسيّة لبعض المجموعات الراديكاليّة في إدلب والباب، إضافة إلى التّجهيزات الجارية في معبر كسب الحدودي.موسكو عرابة العلاقة بين دمشق وأنقرةربما يكون الموقف الروسيّ هو الأهمّ من بين كل تلك المواقف، لأنّ موسكو هي عرّابة التقارب بين البلدين، صحيح أنّ وزير الخارجية الروسية سيرغي لافروف، المشارك في منتدى "أنطاليا الدبلوماسي" قال، إنّ خطوات التّطبيع بين تركيا وسوريا أصبحت الآن غير ممكنة على خلفية ما يحدث في قطاع غزة، لكنّ البعض رأى في تصريح لافروف نوعًا من إضفاء السرّية على المحادثات الجارية بين البلدين، ويدلّ على ذلك بما قاله مدير إدارة الشرق الأوسط وشمال إفريقيا بوزارة الخارجية الروسية ألكسندر كينشاك، في فبراير الفائت، بأنّ روسيا تحثّ تركيا وسوريا على مواصلة الاتّصالات الأمنيّة في إطار عملية التطبيع، بهدف التوصّل إلى اتفاقات شاملة تأخذ مخاوف الجانبين في عين الاعتبار. وللتّذكير فإنّ روسيا كانت قد استضافت في ديسمبر من العام 2022 أول محادثات منذ 11 عامًا، بين تركيا وسوريا على مستوى وزيري الدّفاع، تلاها اجتماعات عدّة ثلاثيّة ورباعيّة بحضور الجانبين الروسيّ والإيراني. الخلاصة، وبحسب ما تشير الوقائع، فإنّ الوضع لن يستمرّ على ما هو عليه، وأنّ حالة الحرب بين البلدين لا بدّ أن تنتهي، إمّا بالعودة لاتفاقيّة أضنة الأمنيّة الموقّعة بين الطرفين العام 1998، أو بعقد اتفاقيّة جديدة تُنهي حالة العِداء بين البلدين، وتركّز على الأمن القوميّ لكلّ منهما، والتركيز الأكبر سيكون على إنهاء أو إضعاف "قسد"، سواء خرجت الولايات المتّحدة من سوريا أم لم تخرج!