ما حصل في سوريا ليس أقل من زلزال، ونتيجة ما حصل أنه وضع سوريا، جغرافيًا ودينيًا وعقائديًا، في مرحلةٍ جديدة وفي وضعِ غير مسبوق.خطورة هذا الزلزال أن ارتداداته ليست على سوريا فحسب بل على لبنان أيضًا، انطلاقًا من المعطيات التالية: مرحلة الإحباط الشيعي، بعد الإحباطين المسيحي ثم السني، منذ العام 1990 وحتى اليوم. سقوط حلفاء النظام السوريّ السابق في لبنان. مستقبل "حزب الله" في لبنان، بعد غياب الراعي السوري وبعد تراجع دور الراعي الإيراني.إذًا نحن أمام عملية خلط أوراق شاملة، وبناءً عليه، كيف يمكن تشريح الخريطة السياسية؟تساؤلات سورية رسم الخريطة يبدأ من سوريا. عاصمة الأمويين لن تعود إلى نظام البعث الذي حكمها منذ الانقلاب الأول في مطلع ستينيات القرن الماضي، ولن تعود إلى ما قبل نظام البعث، منذ استقلالها في أربعينيات القرن الماضي. سوريا اليوم أمام نظام حكمٍ جديد غير مسبوق: لا هو نظام ثوري، وغير معروف ما إذا سيكون نظامًا "إخوانيًا" واضحًا. كل ما هو واضحٌ إلى اليوم أنّ "جبهة تحرير الشام" استلمت السلطة في سوريا بعد انهيار نظام الرئيس بشار الأسد. أما كيف ستتكيَّف مع هذه المتغيِّرات، فهذا عائدٌ إلى الإجابة عن جملةٍ من التساؤلات، ومن أبرزها:كيف سيكون شكل الدستور الجديد، بعد تعليق العمل بالدستور الحالي؟كيف سيكون شكل البرلمان الجديد بعد تعليق عمل البرلمان الحالي؟ كيف سيتم التحول من النظام الأقتصاديّ الاشتراكيّ إلى النظام الأقتصاديّ الحر؟ ما ملامح العقد الاجتماعي الذي تحدث عنه أحمد الشرع (أبو محمد الجولاني) بين السلطة والطوائف؟ ما هو مصير الذين تمَّ تجنيسهم من باكستانيّين وأفغان وإيرانيّين وعراقيّين ولبنانيين، والذين ناهز عددهم مليونَي مجنَّس، بحسب إحدى شركات الدراسات الموثوقة؟ وما هي الآثار الديموغرافية بسبب هذا التجنيس، في بلد يناهز عدد سكانه العشرين مليون نسمة. وهناك مفارقة أنّ عدد الذين تم تجنيسهم يوازي تقريبًا عدد السوريين الذين نزحوا من سوريا بين العام 2011 ، سنة اندلاع الحرب، حتى اليوم."سوريا الجولاني" لا تشبه"سوريا الأسد" من الصعب تفصيل كل هذه التحولات في بلدٍ أراده الرئيس حافظ الأسد أن يكون "قوة أقليمية عظمى"، ولهذا حاول أن يمتلك الورقة الفلسطينية والورقة اللبنانية، وأن يكون مؤثِّرًا في الورقة العراقية والورقة الأردنية. نجح في مكان وفشل في مكان آخر، صراعه مع منظمة التحرير الفلسطينية بزعامة ياسر عرفات كان حروبًا لا تنتهي، كما أنّ دخوله إلى لبنان عام 1976 تحت غطاء "قوات الردع العربية"، تخللته حروب متلاحقة، وكانت منافسة شرسة مع البعث العراقي. اليوم، ووفق المؤشرات، التي ما زالت في بداياتها، فإنّ "سوريا الجولاني"، لا تشبه"سوريا الأسد"، فما هو النموذج الذي سيقدِّمه الجولاني لطمأنة المواطن السوريّ الموزَّع منذ العام 2011 على دول الجوار وعلى دول حوض المتوسط، بالإضافة إلى دول الخليج وأوروبا وأميركا؟ هل سيعطيه نموذجًا مطمئنًا؟ أم سيبقى النازحون حيث هُم؟تحديات هائلة ستكون ملقاة على عاتق النظام الجديد، وأبرزها: كيف سيتعاطى مع الجيش العقائديّ الذي بُني منذ أيام الرئيس الراحل حافظ الأسد وفق عقيدة البعث؟كيف سيتعاطى مع الحزبيّين في حزب البعث الأشتراكي الذين كانوا يشكِّلون رديفًا للجيش؟ حين سقط الرئيس صدام حسين عمدت السلطات من بعده إلى "اجتثاث" حزب البعث وإلى حل الجيش العراقي، فهل ستستفيد سوريا من هذه السابقة أو هذه التجربة؟ "سوريا الجديدة"، إذا صح التعبير، في بداية الطريق، قد تكون في خطوتها الأولى في رحلة الألف ميل، لكنّ الرحلة محفوفة بالألغام المزروعة من دون خارطة بأماكن زرعها، ما يشكل خطرَ أن تنفجر في أيّ لحظة.