هل قررت واشنطن إدارة ظهرها لحكومة بنيامين نتانياهو؟ هذا هو السؤال المطروح بإلحاح، بعدما امتنعت الولايات المتّحدة للمرّة الأولى، عن استخدام حقّ النّقض لعرقلة قرار لوقف إطلاق النّار في مجلس الأمن. واضح أنّ القرار نال 14 صوتًا مؤيّدًا، فيما اعتُبر الامتناع الأميركيّ موافقة ضمنيّة عليه. حتى أنّ المندوبة الأميركيّة في مجلس الأمن ليندا توماس غرينفيلد، أعلنت "أنّه كان من الممكن أن نصل لوقف إطلاق النّار قبل أشهر، لو قبلت "حماس" إطلاق الأسرى". لكنّها أردفت أنّ القرار يمكن أن يدخل حيّز التّنفيذ عند إطلاق أوّل أسيرة إسرائيليّة. بمعنًى آخر أنّ القرار الذي يطالب بوقف إطلاق النّار في شهر رمضان الذي دخل أسبوعه الثّالث، يمكن أن يؤدّي إلى وقف دائم لإطلاق النّار، إذا ما جرى إطلاق سراح جميع الأسرى.إسرائيل تدفع ثمن العام الانتخابيّ نحن إذًا أمام واقع مستجدّ في العلاقة التحالفيّة الوطيدة بين الولايات المتّحدة وإسرائيل، حيث بدأت حسابات الحملة الانتخابيّة الأميركيّة تختلط مع حسابات الحرب على حركة "حماس". وهذا يعني أنّه كلّما غاصت أميركا في الحملة الانتخابيّة المستعرة، مالت كفّة الحسابات الداخليّة الأميركيّة على الحسابات الجيوسياسية في أيّ بقعة من بقاع العالم. وإسرائيل مرشّحة بدءًا من هذه اللّحظة، بأن تدفع ثمن العام الانتخابيّ حتى شهر نوفمبر المقبل. صحيح أنّ رئيس الوزراء الإسرائيليّ بنيامين نتانياهو لوّح بإلغاء زيارة لواشنطن، كان من المقرر أن يقوم بها كلٌّ من وزير الشؤون الاستراتيجيّة رون ديرمر، ورئيس مجلس الأمن القوميّ تساحي هانغبي، لكنّ حكومة نتانياهو التي أصيبت بصدمة من جرّاء الموقف الأميركي، لن تغامر بالذّهاب في هذه اللحظة الحرجة، إلى تصعيد سياسيّ مفتوح مع إدارة الرئيس جو بايدن. ففي واشنطن يجول وزير الدفاع يوآف غالانت على مراكز القرار الأميركيّة في العاصمة الفدراليّة، حاملًا معه طلبات بمزيد من التّسليح النوعيّ الذي من شأنه أن يؤمّن المحافظة على تفوّق إسرائيل النوعي. إضافة إلى قيامه بتسويق معركة رفح، التي تُعتبر المعقل الأخير لحركة "حماس" في القطاع. والتي تعتبر حكومة نتانياهو، أنّ الامتناع عن اجتياح رفح، معناه أنّ إسرائيل خسرت الحرب. ومن المعلوم أنّ الخلاف بين حكومة نتانياهو وإدارة بايدن، لا ترتبط بموضوع المعركة بحدّ ذاته، بل بمسألة الخسائر بين المدنيّين التي تُجمع جميع العواصم الكبرى، على أنها ستكون كارثيّة. فإسرائيل فشلت حتّى الآن، في تقديم خطّة واضحة، مُقنعة وقابلة للتّنفيذ والنّجاح، لإجلاء المدنيّين إلى خارج منطقة العمليّات المتوقّعة في رفح.إسرائيل إلى "بيت الطّاعة"والخلاف الأميركيّ مع إسرائيل، لا يشمل مصير "حماس" التي تتّفق كلُّ من واشنطن وتل أبيب، أنّه يجب تقويضها في القطاع بشكل دائم. أكثر من ذلك، لا يمكن الرّهان على خلاف بين بايدن ونتانياهو يؤدي إلى افتراق استراتيجيّ بين البلدين. فالعلاقات أقوى وأعمق من أن تنهار حتّى بهذا الشّكل. لكنّ إدارة بايدن تسعى إلى إعادة إسرائيل إلى "بيت الطّاعة"، في مرحلة حرجة دوليًا تواجه فيه مصالح أميركا ضغوطًا هائلة، بشبب موقفها من حرب غزّة، ونجاح خصومها، الصين، وروسيا وإيران، في استغلال الحرب إلى حدّ بعيد، لدفع أجنداتها الدوليّة، بهدف قلب النّظام الدوليّ الأميركيّ- الغربي، الذي ساد بعد1989. إنّما إسرائيل التي تقاتل "وجوديًا"، قد لا تستجيب للقرار. ومثلها حركة "حماس" التي تعرف أنّ أيّامها في القطاع صعبة وربّما معدودة. وقد لا تكون مهتمّة بوقف إطلاق النّار، وإطلاق سراح الأسرى، إن لم يكن بمثابة إنهاء للحرب، ومقرونًا بانسحاب إسرائيليّ من القطاع. وهذا مستحيل في الوقت الحاضر.