نشر موقع "فورين بوليسي" مقالة تناولت شخصية حسين الشيخ، الرجل الثاني في السلطة الفلسطينية، والخليفة المتوقع لرئيسها محمود عبّاس. وأظهرت المقالة جهلًا شبه تام ينتشر في بعض الأوساط الأميركية، خصوصا الإعلاميّة منها، في شؤون الشرق الأوسط عموما، والشؤون الفلسطينية خصوصا، إذ قامت ”فورين بوليسي“ بأخذ قياسات الشيخ بحسب المقاييس الأميركية، من دون النظر إلى الظروف الفلسطينيّة المحيطة.فساد واختلاسروت المقالة صعود الشيخ إلى منصبه، فقالت إنه أمضى فترة في السجن الإسرائيلي أثناء سنيّ الشباب، بسبب نشاطاته الثورية والسياسية. وفي السجن، أتقن الشيخ العبريّة. ثم بعد الإفراج عنه، تدرّج صعودا في فتح والسلطة، وصار يلعب أدوارا في التنسيق والتفاهم بين السلطة وإسرائيل. ثم اتهمت المقالة الشيخ بالفساد والاختلاس من مال السلطة العام. كما اتهمته بالتحرش بزميلات في العمل. التعاون مع إسرائيل، بموجب التزامات السلطة دوليا، بحسب اتفاقية أوسلو وسائر الاتفاقات الموقّعة مع إسرائيل، والفساد المالي، والتحرش الجنسي، ساقتها "فورين بوليسي" لتخلص ضمنيًا إلى أنّ الشيخ ليس مناسبًا لموقع رئاسة السلطة.الفساد في السلطة الفلسطينية آفة منتشرة إلى حدٍّ أقنع الدول المانحة، خصوصا الخليجيّة منها، بتقليص مساعداتها. أما التحرش الجنسي، فمشكلة بين الفلسطينيين كذلك، ليس في أماكن العمل فحسب، بل في البيوت أيضًا، حيث يعاني عدد كبير من الفلسطينيات العنف المنزلي، وأنواع الاضطهاد الأخرى التي تصل حدّ جرائم الشرف. لا شك أنّ الفلسطينيين بحاجة ماسّة للتخلص من آفات الفساد واضطهاد النساء. لكن الى أن يحدث ذلك، هناك معايير أكثر فداحة في تقرير من سيخلف عبّاس، البالغ من العمر 88 عاما، وفي طليعتها قوة المرشح أمنيًا وعلى الأرض، ونفوذه لدى المؤسسات الأمنية ومقاتلي العشائر، إذ لا معنى لتقييم الشيخ في مواضيع الفساد والتحرش، إن كان الرجل غير قادر على الإمساك بالأرض بعد رحيل عبّاس.من ينافس حسين الشيخ؟ويعتقد البعض أنّ مقتل شقيق الشيخ، في شجار بين فلسطينيين قبل 3 أعوام، لم يكن صدفة، بل كان حادثا مقصودا، ورسالة وجّهها منافسو الشيخ حول مستقبل السلطة بعد عبّاس.من منافسي الشيخ، 3 شخصيات فلسطينية على الأقل، يبدو أنها تتفوق عليه في شعبيّتها بين الفلسطينيين، وخصوصا في صفوف الأجهزة الأمنية. يتصدر هؤلاء قائد ”الأمن الوقائي“ السابق في قطاع غزة محمد دحلان، الذي تُظهر استطلاعات الرأي التي يجريها ”المركز الفلسطيني للبحوث السياسية والمسحيّة“، حلول كتلته في المرتبة الثالثة بعد فتح وحماس، وحصولها على قرابة 7% من إجماليّ الأصوات. وتُظهر الاستطلاعات نفسها، أنّ شعبيّة دحلان هي ضعف شعبيّة الشيخ في حال ترشّحهما للرئاسة. وعلى الرغم من إصرار عبّاس على طرد دحلان من فتح، إلا أنّ الأخير ما زال يتمتع بعلاقات متينة داخل الأجهزة الأمنية.شخصية فلسطينية بارزة ثانية، هي اللواء توفيق الطيراوي، عضو اللجنة المركزية في فتح، وقائد الوقائي سابقا. تمرّد الطيراوي ضد قيام عبّاس بتمديد ولايته المنتهية في 2009 مرارا، وإدارته السلطة بمراسيم، وتنصيبه خليفة من دون استشارة المعنيّين، فغضب الرئيس الفلسطينيّ على الطيرواي، ونزع منه معظم المناصب التي كان يشغلها. ولكنّ الطيراوي، الذي سبق له أن صرّح أنّ عبّاس سيكون آخر رئيس للسلطة الفلسطينية، ما يزال يتمتع بشعبية واسعة في صفوف الأجهزة الأمنية، وكذلك تدين له بالولاء عدد من العشائر المسلحة في الضفة الغربية، وهو ما يجعل الطيراوي رقمًا صعبًا في عملية الخلافة، التي يمكنه أن يعرقلها، حتى لو بالعنف. ويتمتع الطيراوي بعلاقة جيدة مع دحلان، وقد يتحالف الاثنان لنسف أيّ عملية انتقال سلطة لا يوافق عليها أيّ منهما.الشخصية الثالثة هي اللواء جبريل الرجوب، وهو لا يزال في صفوف المرضيّ عنهم لدى عبّاس. سبق للرجوب أن قاد الأمن الوقائي، وأثار أداؤه اعتراضات كثيرة، وساهم في تلطيخ صورته. لكنّ الرجوب، الذي يرأس الاتحاد الفلسطيني لكرة القدم، لا يزال يتمتع بولاء عدد كبير من المنضوين في الأجهزة الأمنية، وهو ما يعني أنه في حال اندلاع مواجهات مسلحة لحسم موضوع خلافة عبّاس، من المرجح أن يكون الرجوب واحدا من اللاعبين.سيناريوهات ما بعد محمود عباسعلى أنه في حال اندلاع حرب أهلية بين خلفاء عبّاس، فهي لن تنحصر بينهم وحدهم، بل من المرجح أن تقوم التنظيمات من غير فتح، خصوصا حماس والجهاد الاسلامي، بمحاولة الإفادة من انشغال القوات الأمنية الفلسطينية في المواجهات بينها، للسيطرة على مناطق في الضفة، وقد ينجح أيّ من التنظيمات الإسلامية، أو الاثنان سويّة بالتضامن والتكافل، في اقتلاع السلطة الفلسطينية وأجهزتها الأمنية وحركة فتح، والاستيلاء على الحكم، كما فعلت حماس في قطاع غزة في العام 2007.على أنه على عكس غزة الملاصقة للبحر، تعلو الضفة الغربية على الساحل، وتكشف بذلك معظم إسرائيل، وهو ما يعني أنه في حال سيطرة حماس أو الجهاد الاسلامي عليها، فهي تمنحهما سهولة أكثر في ضرب أهداف إسرائيلية حساسة واستراتيجية، وهو ما يعني أنّ إسرائيل لن تقف متفرجة في حال خسرت السلطة الفلسطينية سيطرتها على الضفة، بل إنّ إسرائيل ستجتاح مناطق الحكم الذاتي الفلسطينية في المنطقتين ألف وباء، للسيطرة عليهما بشكل مباشر، مخافة وقوعهما في أيدي حماس والجهاد.سيناريوهات خلافة عبّاس متعددة، ولكنها دمويّة في معظمها. أما الطامّة الأكبر، فتكمن في انعدام الفهم الأميركي للوضع الفلسطيني، واعتقاد أنّ مشكلة خلافة عبّاس هي الفساد والتحرش، فيما المشكلة هي شيء مختلف تماما. هكذا لم يفهم الأميركيون العراق يوم تدخلوا في شؤونه، وهكذا جاءت نتيجة تدخّلهم كارثيّة.