في أغسطس 2023 وفي محافظة إدلب شمال غرب سوريا، قُتِل خليفة "داعش" الرابع، ليتسلم عنه أبو حفص الهاشميّ القرشيّ منصب الخليفة، والذي شهدت ولايته نشاطًا هو الأعلى منذ إعلان التحالف الدوليّ انهيار "داعش" في 2019.بعد شهرين فقط من تسلّم الخليفة الجديد، اندلعت حرب غزة بين حركة "حماس" وداعميها، وبين إسرائيل ومن وراءها، لينتقل الاصطفاف ذاته الذي شهدته الحرب الأوكرانية، إلى ساحة الشرق الأوسط، أميركا ودول أوروبا الغربية في مواجهة روسيا وإيران."داعش" يستغل حرب غزة ضد أميركالم يفوّت "داعش" فرصة استثمار هذه الأحداث، خصوصًا أنّ حرب غزة أحدثت في العالم الإسلاميّ عمومًا، وفي الشرق الأوسط على وجه الخصوص، شعورًا شعبيًا معاديًا باتجاه الولايات المتحدة وحلفائها، ليبدأ عناصره في زيادة عدد هجماتهم، وهو الأمر الذي تؤكده إحصائيات وزارة الدفاع الأميركية، حيث كان التنظيم وراء 121 هجومًا في سوريا والعراق خلال عام 2023، لكنّ العدد تضاعف خلال العام الحالي 2024، الذي لم ينتهِ بعد، ولم تنتهِ إحصائيّاته.انتعاشة "داعش" هذه، لم تقتصر على الأرض التي حكمها إداريًا قبل أعوام، بل امتدت إلى مناطق أخرى في العالم، حيث أعلن التنظيم مسؤوليّته عن هجوم نفذه انتحاريون على مسجد في سلطنة عُمان في يوليو، أدى إلى مقتل 9 على الأقل. حدثت كل هذه التطورات في ظل انشغال القوات الأميركية وحليفتها "قسد"، بالتصدي لهجمات الفصائل العراقية الموالية لإيران، التي كانت قد أعلنت بعد 7 أكتوبر عن عمليات "إسناد غزة"، من خلال استهداف القواعد والقوات الأميركية في العراق وشمال شرق سوريا، أثرت هذه التطورات الميدانية على حركة قوات التحالف الدوليّ في منطقة البادية السورية، وما يقابلها في الجانب العراقي، ما ساهم في عودة قدرة "داعش" على تنفيذ عمليات في هذه المناطق. وجدير بالذكر أنّ جميع هذه الفصائل العراقية مدعومة من إيران وروسيا، اللتين تحوّل تنافسهما السابق في سوريا إلى حالة تناغم وندّية، بعد الحرب الروسية- الأوكرانية. لم يكن وضع قوات سوريا الديمقراطية أحد أهم أعداء "داعش" في شمال سوريا، أفضلَ حالًا من حلفائها الأميركيّين، إذ يؤكد قادتها أنّ قدرات قواتهم في ملاحقة عناصر "داعش" قد تراجعت، بسبب استهدافها من قبل تركيا التي تسعى إلى إنهاء مشروع الأكراد في شمال شرق سوريا. وهو هدفٌ إستراتيجيّ ووجوديّ بالنسبة لأنقرة، وشاءت لعبة المصالح أن يتقاطع هذا الهدف مع رغبة دمشق باستعادة الجزيرة السورية وثرواتها النفطية الضخمة، من يد "قسد" وحلفائها الأميركيّين."داعش" يحاول إعادة تشكيل نفسه في ظل هذا المشهد المعقد والمتشابك، لم يكن على "داعش" إلّا استثمار هذه الصراعات في سبيل إعادة تشكيل نفسها، ويبدو بأنها بدأت خطواتها الأولى بنجاح، وهو الأمر الذي أكده وكيل الأمين العام للأمم المتحدة فلاديمير فورونكوف، خلال تقرير قدمه في فبراير الماضي، جاء فيه: "يواصل تنظيم "داعش" والجماعات التابعة له استغلال ديناميكيات الصراع وهشاشة الحكم".ديناميكياتٌ فكّ "داعش" رموزها، وأوجد الإستراتيجية الأنسب لاستثمارها، إذ لم يعد "داعش" يعمل على إقامة حكم مركزيّ ومناطق نفوذ كما في السابق، بل بات يسعى للانتقام، بغضّ النظر عن الآيديولوجيا، ثأرًا للهزيمة التي لحقت به، عن طريق هجماتٍ تنفذها مجموعات قليلة العدد وسريعة الحركة، وتساعد في تمويلها "حوالات" ذئاب منفردة تنتشر في كل مكان من العالم بحسب تقرير الأمم المتحدة، وهو الأمر الذي يرجح استمرار هجمات التنظيم ونجاحه في إلحاق الضرر بأعدائه. في التقرير ذاته يؤكد فورونكوف، أنّ "داعش يمكن أن يبقى لسنوات طويلة ولديه أهداف وتطلعات طويلة المدى، ووفق القيادة المركزية للجيش الأميركيّ، يحاول إعادة تشكيل نفسه".