بعد سقوط النظام السابق وتسلم قيادة العمليات المشتركة سدة الحكم في سوريا برزت صعوبات كثيرة من أهمها بناء جيش وطني سوري يجمع كل المكونات العسكرية الموجودة على الساحة السورية حتى لا يندلع القتال مجدداً بين هذه الفصائل ولا سيما أن أغلبها مدعوم من دول إقليمية ودولية.عملية دمج الفصائل في الجيش السوري الجديدصحيح أن الفصائل الموجودة مع الهيئة والتي كانت في غرفة الفتح المبين، كـ"أحرار الشام" و"جيش العزة"، و"أنصار الدين"، ومجموعات صغيرة منضوية ضمن إئتلاف "هيئة تحرير الشام" تخضع بشكل مباشر لقائد الهيئة أحمد الشرع، ولكن ماذا عن "الجيش الوطني" الذي يتألف من 41 فصيلاً ويبلغ تعداده حوالي 110 ألاف مقاتل، وهل سيقبل قادة فصائله الانضواء تحت قيادة الشرع؟ وهل سيقومون بحل فصائلهم بأوامر تركية باعتبار أن تركيا هي من ترعى الهيئة وبالوقت نفسه تدعم "الجيش الوطني" الذي قاتل معها في كل المعارك التي خاضتها في سوريا من درع الفرات إلى غصن الزيتون إلى نبع السلام إلى عملية فجر الحرية الدائرة حالياً ضد قوات "قسد"، وقد استطاع هذا الجيش انتزاع الشهباء وتل رفعت ومنبج متوجهاً إلى الرقة وعين العرب كوباني، ولكن ماذا بشأن الفصائل التي كانت تدعمها دول أخرى كـ"جيش الاسلام" و"جبهة ثوار سوريا" و"فصائل الجنوب"؟هنا يبرز سؤال كبير كيف ستحل مشكلة "قوات سوريا الديمقراطية" البالغ عددها حوالي 100 ألف مقاتل كما صرح قائدها مظلوم عبدي والمدعومة أميركياً بحوالي 2,000 مقاتل.وهل يمكن لقادة العمليات العسكرية أن تدمجهم في الجيش السوري الجديد وحليفتها تركيا تعتبرهم امتداداً لحزب العمال الكردستاني المصنف إرهابياً في تركيا ودول غربية وعلى رأسها أميركا؟ وهنا نصل إلى نقطة في غاية الأهمية تستخدمها تركيا حجة في وجه الولايات المتحدة ودائماً ما ترددها على مسامع القادة الأميركيين، كيف تدعمون منظمة إرهابية بحجة محاربة منظمة إرهابية أخرى؟!وبحسب تقارير موثوقة فإن لدى "داعش" حوالي 70 ألف مقاتل منتشرين في البادية السورية، وقد غنم هؤلاء الكثير من السلاح بعد انهيار الجيش السوري والمليشيات الإيرانية ما جعل قوة "داعش" تتصاعد عدداً وعتاداً، والبعض حذر من سعي "داعش" لمهاجمة الحكم الجديد وتهديد العاصمة دمشق، ولكن البعض الآخر استبعد أن تغامر "داعش" بذلك لسببين:الأول: أن الولايات المتحدة لن تسمح لها بذلك وهي كانت أنشأت ما يُسمى "جيش سوريا الحرة" لمحاربة "داعش" وإن كان عدده لايتجاوز 2,500 مقاتل.الثاني: أن قيادة العمليات المشتركة وبدعم من تركيا وتعاون من الجيش الوطني تراقب تحركات "داعش" ومستعدة للقضاء عليها قبل قيامها بأي تحرك .حصر السلاح بيد الدولة السوريةبالانتقال إلى الجنوب نرى أن فصائل الجنوب أو ما أطلقت على نفسها "غرفة عمليات فتح دمشق" هي أول من دخل العاصمة، كما أكد قائدها أنس الصلخدي في أول مقابلة له على التلفزيون الرسمي السوري بالقول إن فصائل المعارضة المسلحة "يد واحدة مع الجميع"ولكن كيف يمكن لقيادة العمليات المشتركة التعامل مع أحمد العودة الذي كان قائداً للواء الثامن ضمن الفيلق الخامس التابع لروسيا في محافظة درعا والبالغ عدد قواته حوالي عشرة آلاف مقاتل، وهو الملقب برجل روسيا القوي، فهل سيقبل العودة الانضواء تحت قيادة العمليات المشتركة، وهو الذي يرى في نفسه منافساً قوياً لأحمد الشرع؟!والسؤال الآخر: ماذا بشأن الفصائل المسلحة التي أنشأها البعض في السويداء كفصيل رجال الكرامة وجيش الكرامة وميليشيا حزب اللواء السوري وغيرها، وهل سيقبل هؤلاء الانضواء تحت قيادة الشرع مع الاختلاف بالعقيدة والإيديولوجيا؟!وماذا عن فلول النظام السابق؟ وكيف للقيادة الجديدة أن تحتوي حوالي نصف مليون مقاتل ما بين ضباط وصف ضباط تركوا سلاحهم وقُطعت رواتبهم سواء أكانوا في الجيش أو الشرطة أو الأجهزة الأمنية، ألا يشكل هؤلاء خطراً على الدولة الوليدة وهم الذين سيجدون أنفسهم عاطلين عن العمل، والخوف من مسارعة الدول المهزومة في الساحة السورية لاستغلالهم ودعمهم بالسلاح والمال لإثارة البلبلة والفوضى هناك؟يمكن القول: إن مرحلة بناء الدولة ما زالت في بدايتها وأهم خطوة يمكن أن تقدم عليها الدولة السورية الوليدة هي بناء جيش وطني من كل مكونات المجتمع السوري، وحصر السلاح بيد الدولة، وعدم السماح لأي فصيل بحمل السلاح مهما كلف الأمر حتى ولو كان مدعوماً من دول كبرى، الأمر الذي سيُهدد وحدة سوريا ويجعلها على فوهة حرب أهلية، وهنا يمكن القول: إن بناء الجيش وتوحيد الفصائل وحصر السلاح بيد الدولة أهم من عقد مؤتمر وطني والبلاد ما زالت ممزقة بين فصائل متناحرة ودول تحتل أجزاءً من أراضيها كما هو حاصل في الجولان السوري والمناطق لمحيطة به ووجود قواعد روسية وتركية وأميركية، وكل من هذه الدول لها من يأتمر بأمرها ويشكل خطراً على الدولة السورية الوليدة.