يبدأ الشيخ محمد بن زايد آل نهيان اليوم زيارة غير مسبوقة إلى الولايات المتحدة، وهي الأولى له منذ توليه رئاسة دولة الإمارات العربية المتحدة في 14 مايو 2022. كما تُعتبر الزيارة الأولى لمحمد بن زايد إلى بلاد "العم سام" منذ عام 2017، والأولى على الإطلاق لرئيس إماراتيّ منذ قيام الاتحاد إلى البيت الأبيض. وبالتالي، تُعدّ هذه الزيارة استثنائية وغير عادية بكل المقاييس، وقد قيل عنها الكثير خلال الساعات الماضية، حيث نالت اهتمامًا كبيرًا في الإعلام وعلى المستوى الشعبي، حتى قبل أن تبدأ، وذلك في ظل الاهتمام والترحيب الأميركيّ الكبير بالضيف الإماراتيّ المميز."مرحبا الساع"فبعبارة "مرحبا الساع"، وهو مصطلح إماراتيّ أصيل له دلالات إيجابية عديدة، رحبت بعثة الولايات المتحدة الأميركية إلى الإمارات، بزيارة الشيخ محمد إلى واشنطن. وقالت البعثة عبر حسابها الرسميّ في منصة "إكس"، تحت وسم "شركاء متحدون"، إنّ البلاد تتطلع لهذه "الزيارة التاريخية" لرئيس دولة الإمارات. وهو وصف مباشر ودقيق لهذه الزيارة، استعمله أيضًا المتحدث باسم مجلس الأمن القوميّ في البيت الأبيض، جون كيربي، الذي وصف هو الآخر زيارة الشيخ محمد بأنها "تاريخية". طبعًا، تشديد الجانب الأميركيّ على وصف هذه الزيارة بـ"التاريخية" لم يأتِ من فراغ. فزيارة الرئيس الإماراتيّ تحمل طابعًا استراتيجيًا بامتياز، إذ تجمع بين حليفين قديمين تربطهما علاقات تاريخية من الصداقة والتعاون والشراكة الوثيقة، تعود إلى عام 1971. فنحن نتحدث هنا عن أكثر من 50 عامًا من العلاقات المميزة بين البلدين، حيث كانت الولايات المتحدة من أوائل الدول التي أقامت علاقات دبلوماسية رسمية مع دولة الإمارات العربية المتحدة، ولها سفارة فيها منذ عام 1974. وعلى الرغم من أنّ العلاقات بين واشنطن وأبوظبي لم تكن في أفضل حالاتها خلال الأعوام الماضية، في بداية عهد إدارة الرئيس الديمقراطيّ جو بايدن، تأتي هذه الزيارة اليوم لتؤكد مدى عمق العلاقات بين البلدين. وهي في الحقيقة فرصة مهمة لإظهار أنّ العلاقات بين القوّتين، العالمية والإقليمية، متينة الجذور، وقد بُنيت بعناية على أسس ومبادئ ثابتة تحركها مصالح الشعبين فقط. ويمكن القول إنّ الجانب الأميركيّ قد أصاب فعلًا بوصف زيارة الشيخ محمد بالتاريخية، فهي بالفعل "تاريخية" في شكلها وتوقيتها ومضمونها، وحتى في أدقّ تفاصيلها. فمن حيث التوقيت، تأتي هذه الزيارة في فترة زمنية فارقة، على الصعيد الدوليّ والإقليميّ والأميركي. فهي تأتي في ظل استمرار الحرب الروسية في أوكرانيا، وترنّح المنطقة على وقع استمرار الحرب في قطاع غزة، من دون أن ننسى أنها تأتي في خضمّ المعركة الرئاسية الأميركية بين الجمهوريّ دونالد ترامب والديموقراطية كامالا هاريس، وفي وقت "عصيب" للرئيس جو بايدن، الذي أصبح قاب قوسين أو أدنى من الخروج من المشهد السياسيّ الأميركيّ والعالمي."إن المعرفة هي القوة"نعم، تُعدّ زيارة الشيخ محمد بن زايد اليوم "تاريخية" على الأصعدة كافة، فهي زيارة شاملة ومتكاملة تختلف عن أيّ زيارات سابقة. حيث سيتناول الجانبان خلال هذه الزيارة المجالات والشراكات كافة، القائمة بين واشنطن وأبوظبي، بالإضافة إلى تعزيز شراكات إستراتيجية جديدة ووثيقة. وبعيدًا عن السياسة والاقتصاد، اللذين سيحظيان بطبيعة الحال بحيّز كبير من برنامج الزيارة، هناك مجالان حيويان يحملان عنوان المستقبل ويستحقان التوقف عندهما: الطاقة النظيفة والتكنولوجيا المتقدمة، خصوصًا الذكاء الاصطناعي. في ما يتعلق بالطاقة النظيفة، من المفيد التذكير بحجم التعاون بين البلدين، حيث وقّعت الإمارات والولايات المتحدة في عام 2022، شراكة استراتيجية تهدف إلى استثمار 100 مليار دولار لتنفيذ مشاريع للطاقة النظيفة. هذه المشاريع التي من المقرر أن تبلغ طاقتها الإنتاجية 100 غيغاواط بحلول عام 2035، ستعزز أمن الطاقة وتدعم الجهود العالمية في مكافحة التغير المناخي. أما في ما يخص الذكاء الاصطناعي، الذي يُعدّ نقطة التقاء كبيرة بين البلدين، فإنّ التوقعات للتعاون في هذا المجال واسعة ولا حدود لها، خصوصًا أنّ دولة الإمارات تطمح لأن تصبح رائدة عالميًا في هذا المجال، بعد أن حققت الريادة الإقليمية فيه. وهنا يعود الفضل في هذا النجاح إلى جهود العديد من الشخصيات الإماراتية البارزة، وعلى رأسهم الشيخ طحنون بن زايد، الذي اختارته مجلة "تايم" الأميركية، ضمن قائمة أكثر 100 شخصية مؤثرة عالميًا في تشكيل مستقبل تقنية الذكاء الاصطناعي. باختصار، زيارة رئيس دولة الإمارات العربية المتحدة اليوم الولايات المتحدة، هي بالفعل زيارة تاريخية بكل ما للكلمة من معنى، وعنوانها المستقبل كما وصفها الدكتور أنور قرقاش، المستشار الدبلوماسيّ للشيخ محمد بن زايد، خصوصًا أنّ هذه الزيارة ستساهم بشكل كبير في صياغة سياسات أوضح للمستقبل، بالإضافة إلى رسم مستقبل معرفيّ أفضل، وخلق فضاء معرفيّ أوسع للإماراتيّين والأميركيّين على حدّ سواء، يستفيد منه العالم أجمع. يقول الفيلسوف الإنجليزيّ فرنسيس بايكون، "إنّ المعرفة هي القوة"، وهو مفهوم يدركه الشيخ محمد بن زايد جيدًا. لذلك، جعل التبادل المعرفيّ والاستثمار في المعرفة محورًا أساسيًا لهذه الزيارة، وذلك استكمالًا للجهود المبذولة منذ أعوام، لتمكين الإماراتيّين والارتقاء بهم إلى أعلى الدرجات في هذا المجال. وهذا أمر ليس بغريب على الشيخ محمد، الحريص دائمًا على تزويد أبنائه في دولة الإمارات بهذا النوع من القوة المستدامة، التي تساعدهم وترافقهم في طريقهم نحو رسم مستقبل أفضل يرقى لطموحاتهم وتطلعاتهم. اليوم، يصل الشيخ محمد بن زايد إلى الأراضي الأميركية ضيفًا عزيزًا ومُرحبًا به، يحمل معه الكثير من الفخر والاعتزاز، رافعًا رأسه عاليًا بما حققته الإمارات من إنجازات متعددة على الساحة العالمية. يصل الشيخ محمد إلى العاصمة الأميركية، مادًّا يد الشراكة والصداقة والسلام، ومستعدًا لرسم مستقبل أفضل وكتابة تاريخ مشرّف مليء بالأمل. فكيف يمكن أن نصف هذه الزيارة بأيّ وصف آخر، غير "تاريخية"؟