يجد نادي برشلونة الإسباني نفسه بين نارين: من ناحية، تراه مطالَباً بالمنافسة الجدية على لقبي الدوري المحلي ودوري أبطال أوروبا. ومن ناحية أخرى، تراه يعاني رواسب مشاكل مادية قد تعيق الرغبة الجامحة في العودة إلى لعب الأدوار الأولى على الساحتين.يبدو الوضع مشجعاً في الوقت الراهن، فهو على مرمى حجر من ريال مدريد وجاره "أتلتيكو" في ترتيب الـ"ليغا"، فيما انتزع بطاقة مباشرة مؤهلة إلى دور الـ 16 في الـ"تشامبيونز ليغ" بعدما احتل المركز الثاني خلف ليفربول الإنجليزي في الترتيب النهائي بين 36 فريقاً.رغم الواقع "الوردي"، خرج المدير الرياضي في النادي، البرتغالي ديكو، في الأيام الأخيرة، ليرسم صورة شاحبة نوعاً ما، مؤكداً: "لا أعتقد بأن برشلونة مرشح للتتويج باللقب الأوروبي. لتكون مرشحاً، عليك التواجد في ربع النهائي ونصف النهائي لسنوات عدة. وهذا لم يحدث"، وتابع: "علينا القيام بخطوة إلى الأمام لتحسين المردود. بغض النظر عن مدى الحماس الذي يتمتع به الفريق ومدى جودة أدائه، فإنه ليس المرشح للفوز".من جانبه، استبعد نجم برشلونة، بيدري، قبل 3 أسابيع تقريباً، فريقه عملياً من المنافسة على لقب الدوري، واعترف بأن قطبَي العاصمة هما المرشحان للتتويج. وأضاف اللاعب الذي كان قريباً من الانضمام إلى ريال مدريد قبل أن يرفض الأخير التعاقد معه عندما كان في سن الـ 15 إثر خضوعه لاختبارات في أكاديمية النادي: "ربما يتعين علينا أن نكون مثاليين ونفوز بالمباريات المتبقية كافة لنكون قادرين على التعويض".وجاءت تصريحات المدرب الألماني، هانزي فليك، في السياق نفسه. ورغم إشادته بالأداء في "الأبطال"، فقد أظهر بالمقابل تفاؤلاً حذراً تجاه المرحلة المقبلة، مؤكداً أن الهدف الأول المتمثل بالتأهل إلى دور الـ 16 تحقق، مع إدراكه لصعوبة المهمة في الأدوار الإقصائية في ظل قوة المنافسين، معترفاً بأن الفوز باللقب القاري يعد من أصعب الإنجازات في عالم كرة القدم.لغة المشجعينالرؤية الشاحبة نسبياً والآتية من إداري ولاعب ومدرب في فريق عريق كبرشلونة، لا تمثل اللغة التي يريدها مشجعو نادٍ اعتاد منصات التتويج، وهي مستغرَبة، خصوصاً أن "العملاق الكاتالوني" نجح في انتزاع أول ألقاب الموسم بتغلبه على غريمه ريال مدريد 2-5 في نهائي كأس السوبر المحلية بعدما سبق له الفوز عليه برباعية نظيفة في الدوري على استاد "سانتياغو برنابيو".صحيح أنه خسر أمام أتلتيكو مدريد، الجدي في المنافسة المحلية هذا الموسم، بنتيجة 2-1 في "كامب نو"، غير أن برشلونة الذي كان يتصدر ترتيب الدوري بفارق معتبَر من النقاط في الأسابيع الأولى من الموسم، استفاد من سقطات مفاجئة للمتصدر ووصيفه ليعود ويشعلالصراع على اللقب، علماً أنه مدعو لمواجهة "أتلتيكو" نفسه في ذهاب نصف نهائي مسابقة الكأس في 25 فبراير الجاري.الوضع المالي لبرشلونة يشكل العائق الأول في عملية بناء الطموح بمواجهة ريال مدريد الذي لا يشبع ألقاباً وتحصيناً لكتيبته بأفضل النجوم وآخرهم الفرنسي كيليان مبابي.الاستقرار المالي في "مدريد" يؤرق برشلونة الذي عانى حتى للحصول على الرخصة الكفيلة بتسجيل لاعبَيه داني أولمو وباو فيكتور موقتاً بعد قرار المجلس الأعلى للرياضة في البلاد والذي رفض فيه استئناف رابطة الدوري واتحاد اللعبة.نفد برشلونة بجلده بعدما حُكِمَ بتعليق الاتفاقية التي أدت إلى إلغاء تراخيص اللاعبين والحفاظ على صلاحيتها إلى أن يتم حل الاستئناف نهائياً بخصوص عدم اتباع النادي لقواعد اللعب المالي النظيف والالتزام بسلم الرواتب.واقع دقيق كاد أن يفضي إلى رحيل أولمو، أحد أعمدة تتويج إسبانيا بلقب "يورو 2024"، ويؤكد بأن برشلونة لا يملك ترف التغنّي باسمه فقط للقضاء على "الملكي" والتتويج بألقاب إضافية راهناً.كما أن تأكيد ديكو على أن لامين يامال مستمر مع الفريق إثر شيوع أخبار تشكك في إمكان بقائه، يشير بوضوح إلى أن النادي غير مستقر، على المدى البعيد وحتى القصير، إذ أن مجرد طرح الاحتمالية يعطي انطباعاً بأن النادي قد يضطر إلى التضحية بلاعبه الصاعد لدواعٍ مالية رغم كونه واحداً من أبرز نجوم العالم في سن الـ 17 فقط.يمتد عقد يامال حتى 30 يونيو 2026 كون اللوائح الإسبانية لا تسمح للاعب تحت الـ 18 بتوقيع عقد لأكثر من 3 سنوات، في وقت أشارت فيه مصادر من داخل النادي إلى أن النجم ذا الجذور المغربية سيوافق على التمديد لـ4. سنوات جديدة حتى 2030 بمجرد بلوغه سن الرشد، في الصيف المقبل.استقرار فليكفليك، من جهته، لم ينعم بالاستقرار منذ وصوله إلى كاتالونيا، إلى بيئة جديدة تحتاج إلى التركيز في أرضية اللعب وليس في مشاكل مالية تعيق الإتيان بمن هو قادر على تطبيق نهجه التكتيكي. آخر ما كان يحتاج إليه هو الشعور بالقلق إزاء "قضية أولمو" في ظل ضغوطات إعلامٍ لا يرحم وجمهور متطلب وغير متقبّل لفكرة "المرحلة الانتقالية". رئيس النادي، خوان لابورتا، يسعى بكل ما أوتي من قوة لانتشال النادي، محاولاً فرض توازن في الرؤية بين الجانبين الرياضي والاقتصادي. النتائج المسجلة في الملعب ليست من اختصاصه، وهو يعمل على الجانب الاقتصادي بشكل مكثف، ويستقصد وفريقه العامل التذكير بأمور قد لا يكترث بها المشجع، بينها افتتاح الملعب الجديد "سبوتيفاي كامب نو" والذي كلّف الخزينة الكثير بيد أنه يُتوقع أن تصل عائداته إلى 266 مليون يورو خلال السنوات الـ17 المقبلة، الأمر الذي يسهم بشكل كبير في تحسين الوضع المالي.وبموجب المعطيات الراهنة، يتوجب على المشجع الكاتالوني أن يقتنع بما قاله ديكو عن عدم قدرة برشلونة على إبرام العديد من الصفقات في الصيف المقبل نتيجة الوضع الاقتصاديوصعوبة توفيق أوضاع النادي مع قانون اللعب المالي النظيف و"لأن الفريق تَعزّز بلاعبين واعدين"، رغم حصده حوالي 89 مليون يورو حتى الساعة من مشاركته في نسخة الموسم الراهن من دوري الأبطال.اشتهر اللاعب السابق لفريق برشلونة، الفرنسي تييري هنري، بمقولة شهيرة جاء فيها: "الأندية الأوروبية كافة تخشى ريال مدريد... وريال مدريد يخشى برشلونة".يصح هذا القول أحياناً، تحديداً في الموسم الراهن الذي شهد فوزين للـ "بارسا" على الفريق المدريدي، لكن ينبغي عليه، في غضون السنوات القليلة المقبلة، أن يخشى على نفسه... من نفسه.