يصادف يوم 24 فبراير، ذكرى مرور عامين على بداية العملية العسكرية الروسية الخاصة في أوكرانيا، والتي يجب أن يُنظر لها من خلال سياقين، السياق العام والسياق الخاص. فالسياق العام يتمحور حول الصراع بين الغرب الجماعيّ والاتحاد الروسي، ونظرة الغرب لما يجب أن تكون عليه روسيا وحدودها، وهذه النظرة مرتبطة بتحجيم روسيا وعناصر قوتها، من خلال خلق نقاط ساخنة على الحدود الجغرافية - منطقة الاتحاد السوفياتي، وخلق الفوضى في مناطق الحدود الأمنية- الشرق الأوسط و آسيا الوسطى. أما السياق الخاص لهذه العملية العسكرية فيأتي في إطار دفع أخطار حقيقية عن الحدود الغربية الروسية مع أوكرانيا، وهذه الأخطار متصلة بتطورات قائمة على تاريخ سيّىء بين موسكو وكييف، وهنا يجب أن نتذكر أنّ السياق الخاص لهذه العملية العسكرية مرتبط بلا شك بالسياق العام. وهنا لو تم النظر باستفاضة لشكل وسير هذه العملية العسكرية، والتي نعتبرها مرحلة مهمة من مراحل حرب عالمية ثالثة، تدور منذ عامين بالتمام والكمال، سنجد أنّ هذه العملية أظهرت العديد من الظواهر المخفية، سواء في الداخل الروسيّ أو على مستوى العلاقات الخارجية الثنائية لروسيا مع دول العالم، وأهم هذه الظواهر وجدناها في عدم الاستعداد العسكريّ الكامل لهذه العملية، بالرغم من الاستعداد السياسيّ لها منذ فترة طويلة، وهذا الأمر رأينا ذروته في عملية التمرد العسكريّ التي قامت بها أجنحة داخل شركة فاغنر العسكرية الخاصة. كما ظهرت لنا طبيعة مستويات الحُكم في الداخل الروسي، والصراع ما بين الجناح الليبراليّ والمحافظين، وكذلك المتشددين، في العلاقات مع الغرب. وبالطبع خلال عامين رأينا كيف تفاعل الاقتصاد الروسيّ مع تسونامي العقوبات غير المسبوقة، وكيف أظهرت هذه العقوبات ضعف القطاع الصناعيّ الروسي، الذي يعتمد على قطع الغيار والمكونات الأجنبية.بين الأصدقاء والأعداء أما على مستوى العلاقات الخارجية لروسيا مع دول العالم، فيبدو لنا أنّ الأربعة والعشرين شهرًا السابقة، أظهرت الأصدقاء الحقيقيّين لروسيا، فموسكو أصبح من الواضح لها، أنها يمكنها الاعتماد على الأصدقاء العرب الكبار (مصر، والمملكة العربية السعودية، والإمارات العربية المتحدة) وهذا الأمر وجدناه في حجم التعامل في الشهور السابقة، وحجم الدور التي لعبته على سبيل المثال أبوظبي في عمليات تبادل الأسرى، وغيرها من الجهود الدبلوماسية في هذا الاتجاه. بالإضافة إلى ذلك بدا واضحًا لموسكو أنها لا يمكنها الاعتماد على الصين وتركيا، كما كان يُروج له في السابق هنا في روسيا، والخبرة الروسية خلال هذا الوقت مع هاتين الدولتين، ليست في المستوى الإيجابيّ الذي ينظر إليه الكرملين مع الدول العربية الكبرى. كما أنّ هذه الفترة أيضًا أظهرت كذلك عدم جدية الولايات المتحدة مع أصدقائها وحلفائها المهمّين، والبداية بالطبع مع أوكرانيا - رأس حربة الغرب في صراعه مع روسيا، فبعد أن كانت قد وعدت أوكرانيا بسرعة انضمامها للناتو قبيل العملية العسكرية الروسية، إلا أنها تراجعت عن هذا الوعد سريعًا بعد بدء العمليات العسكرية مباشرة. وحتى إذا نظرنا لحجم المساعدات المالية والعسكرية لأوكرانيا، فيبدو وكأنها كانت مرتبطة بأحداث معينة في الداخل الأميركي، وعلى مستوى العلاقات الثنائية الروسية-الأميركية، وفي الشهور الأخيرة انخفضت هذه المساعدات بشكل واضح، الأمر الذي أدى لعدم نجاح الهجوم المضادّ الاوكراني، ومؤخرًا خسارة أفدييفكا. لذلك بدأ قطاع عريض داخل النخبة الأوكرانية، في التفكير أنّ الولايات المتحدة دعتهم لهذه الحرب وتركتهم في منتصف الطريق.أميركا تتخلى عن الحلفاءوهنا في هذه الاتجاه يجب أن نذكر، كيف استطاعت واشنطن تدمير خطّي الغاز "نورد ستريم"، وبعدها بدأت مباشرة في بيع غازها المسال بأضعاف للدول الأوروبية الصديقة والحليفة لها. وعدم جدّية الحليف الأميركيّ ليست مرتبطة بأصدقائها الأوروبيّين، ولكن مع حلفائها في الشرق الأوسط وضمان أمنهم كذلك، فما يحدث في اليمن وفي باب المندب، والسماح بتنامي دور "الحوثيّين" في المنطقة، يؤكد أنّ الولايات المتحدة غير جادة في ضمان أمن حلفائها، بل بالعكس يمكن أن يكون لها دور ما في هذه الفوضى الموجودة في الشرق الأوسط. فمن أهمّ نتائج هذه الفترة السابقة من سير العملية العسكرية الخاصة، هي ظهور الوجه الحقيقيّ لواشنطن مع حلفائها.العملية العسكرية الروسية والتي لم تحقق أهدافها المعلنة كافة، مستمرة، وستستمر ما دام هناك رغبة غربية حقيقية في تحجيم وإضعاف روسيا، وهذه الرغبة إذا ما قلت-بوصول ترامب على سبيل المثال إلى البيت الأبيض، وتغيرت السياسة الغربية تجاه موسكو، سنكون أمام إمكانية لحل هذه المسائل الخاصة (السياق الخاص للعملية العسكرية الروسية)، أما إن زادت رغبة الغرب في تدمير روسيا، أو على الأقل استمرّت بالقدر نفسه، فسنكون بلا شك على مقربة من خلق مسارح جديدة بين روسيا والغرب، وهذه المسارح العملياتية تتجهز بالفعل لمثل هذا التطور، وللعلم هذه المسارح يُنتظر أن تكون منطقة بحر البلطيق، وبحر اليابان، والحدود مع الدول الإسكندنافية، وكذلك في القطب الشمالي.