كرة القدم "لغة عالمية"، لذا يبقى أمر تداولها واحداً، غير أنّ عناصرها، وخصوصاً اللاعبين، تختلف من مكان إلى آخر.المسألة مسألة عقليات، ومن هنا تنطلق الظواهر المختلفة المرتبطة باللعبة، بينها، على سبيل المثال، ظاهرة اللاعب النجم الذي يهدر موهبته لأسباب خارجة عن إطار "المستطيل الأخضر"، متأثراً بالمال، أو ربما الشهرة والنجومية، وقد يرتبط ذلك بانعدام الثقافة، أو حتى بالنظرة الخاطئة إلى القيم."كان بالإمكان أكثر مما كان"؟ ربما، خصوصاً أن المؤشرات المرتبطة بالموهبة الصاعدة لا تخطئ، فهي تنضج بشرط أن يجري الاعتناء بها، على أن يترافق ذلك مع رغبة جدية لدى صاحبها وتوافر بيئة صحية محيطة بالشخص المعني.أفضل ثلاثة لاعبين في تاريخ اللعبة الأكثر شعبية وأكثرهم موهبة تحدثوا في الأمر، فقال الأرجنتيني الراحل دييغو مارادونا الذي لم يكن لمسيرته الصاخبة خارج الملعب ذاك الأثر السلبي "القاتل" داخله كغيره: "عندما ينجح الإنسان، فإن سبب ذلك يعود إلى العمل الشاق. لا علاقة للحظ بتاتاً مع النجاح"، فيما ذكر مواطنه ليونيل ميسي: "عليك أن تحارب لتحقيق حلمك. عليك أن تضحي وتعمل بكل قوة في سبيل ذلك".أما البرازيلي الراحل بيليه فقال: "النجاح ليس حدثاً عرضياً، بل يحتاج إلى عمل شاق، مثابرة، تعلُّم، دراسة، تضحية، والأهم من كل ذلك عليك أن تشعر بالحب إزاء ما تقوم به أو ما تتعلمه للقيام به".الخروج عن النصلا يختلف اثنان على موهبة لاعب فريق يوفنتوس الإيطالي، الفرنسي بول بوغبا، خصوصاً أنه ساهم في تتويج منتخب بلاده بكأس العالم 2018، غير أنه كان لمسيرته أن تحوله إلى أسطورة وتعزز مكانته العالمية لولا "الخروج عن النص".قبل أيام، قررت محكمة مكافحة المنشطات الإيطالية إيقافه 4 أعوام بسبب تناوله هرمون الـ"تستوستيرون" المحظور في أغسطس الماضي، ما مثّل "ضربة قاضية" لمسيرته الاحترافية، إذ تعتبر هذه العقوبة القصوى المنصوص عليها في القانون العالمي لمكافحة المنشطات.في ضوء ذلك، رأى البعض أن مسيرة اللاعب (31 عاماً في 15 مارس الحالي) انتهت رغم أنه ما زال مرتبطاً بعقد مع "السيدة العجوز" يمتد حتى يونيو 2026.أسباب عدة أدت إلى اهتزاز صورة بوغبا التي غابت أساساً عن المشهد في السنوات الأخيرة، أبرزها توالي الإصابات، وخصوصاً حياته الشخصية الصعبة التي اعترف بأنها تأثرت سلباً بالأموال الطائلة التي حصل عليها من كرة القدم، من دون أن ننسى عملية الابتزاز التي تعرض لها من عصابة منظمة وتورُّط شقيقه ماتياس فيها ونشره تسجيلات فيديو تحدث فيها عن أسرار بول، مدّعياً بأنه يقوم بـ "السحر الأسود" لزملائه في المنتخب.أعلن بوغبا أنه سيستأنف قرار الإيقاف أمام محكمة التحكيم الرياضية، وكتب في حسابه على أحد مواقع التواصل الاجتماعي: "أنا حزين ومكسور القلب لأن كل ما بنيته خلال مسيرتي سُلِب مني".اختبار التوازنليس بوغبا أول من "يسقط" في اختبار التوازن بين الملعب والحياة الخاصة، فقد سبقه كثيرون ممن فرّطوا بموهبة كان لها أن تخطّ سطوراً إضافية من المجد، بينها المهاجم البرازيلي أدريانو الذي عُرف بـ"الإمبراطور" بفضل سرعته وقوته البدنية ومهاراته الفنية، إلا أن افتقاره للجدية وعشقه للسهر دمرا مسيرته. لكن ثمة سبب أكثر وقعاً لأفول نجمه يتمثل بوفاة والده التي دخل بعدها في حالة من الاكتئاب قضت على اسمه.اتجه نحو إدمان الكحول وزاد وزنه بشكل ملحوظ، وانتشرت أنباء حول تطوره في أعمال خارجة عن القانون في البرازيل.بعد مروره الرائع في إنتر ميلان الإيطالي، تاه اللاعب، ثم تهيأت أمامه فرص عدة للعودة عبر أندية في إيطاليا والولايات المتحدة والبرازيل، إلا أن المحاولات كافة باءت بالفشل.ولا يمكن المرور بنجم منتخب أيرلندا الشمالية وفريق مانشستر يونايتد الإنجليزي الراحل جورج بست دون التوقف عند مسيرة كانت لتضع صاحبها في ميزان المقارنة مع بيليه لولا إدمان الكحول الذي أجبره لاحقاً على زراعة كبد جديد.لم يدرك قيمة موهبته ولم يكن مستعداً للتعامل مع الشهرة بعدما تحول في أواخر الستينات وأوائل السبعينات نجماً رياضياً واجتماعياً جمع بين حسن المنظر والموهبة الكبيرة والشخصية الجذابة.قال يوماً: "أنفقت الكثير من المال على المشروب والنساء والسيارات السريعة. أما الباقي فقد بذّرته تبذيرا".ترك مانشستر يونايتد بعد مسيرة ناجحة، في 1974، عندما كان في الـ27 من عمره فقط أي في الفترة التي كان يفترض فيها أن يعيش قمة مستواه، ولعب بعدها لأندية مغمورة إثر تراجع اهتمامه باللعبة وتقهقر مستواه كنتيجة منطقية لإدمانه الكحول.أكبر المواهبتوج البرازيلي رونالدينيو مع منتخب بلاده بكأس العالم 2002 ومع برشلونة الإسباني بألقاب عدة. ورغم ذلك، ترك شعوراً لدى المتابعين بأنه لم يُبرز إمكاناته الكاملة.كان يُنتظر أن ينهي مسيرته واحداً بين أفضل اللاعبين على الإطلاق غير أن الانغماس في الحياة الليلية والعلاقات المتعددة مع الجنس الآخر والكسل المفاجئ حولته إلى ظل ما كان عليه.وينضم إلى الكوكبة الإيطالي من أصول غانية ماريو بالوتيلي الذي ينظر إليه اليوم على أنه رمز حزين للشهرة، بعدما سبق له خطف الأضواء لدى تسجيل هدفي منتخب بلاده أمام ألمانيا في نصف نهائي "يورو 2012".كان "سوبر ماريو" كسولاً ومزاجياً وصعب الطباع ويفتقر إلى الانضباط، الأمر الذي أدخله في مشاكل مع جلّ المدربين الذين عمل تحت قيادتهم في أبرز الأندية الأوروبية.ولا يبرر تفريطه بموهبته ما جاء على لسانه يوماً: "الأضواء كانت دائماً علي. بصرف النظر عن شخصيتي وكوني معجزة في سن المراهقة، أعتقد أن كونك أول لاعب أسود في تشكيلة منتخب إيطاليا ساهم في تحدث الناس دائماً عما فعلته خارج الملعب. رأيت زملائي يفعلون بعض الأشياء، لكن لو كنت أنا...".هذا غيظ من فيض للاعبين تمتعوا بالموهبة الفريدة غير أنهم خذلوا أنفسهم، أو ربما خذلتهم الظروف. وليس بوغبا سوى حلقة في سلسلة كبيرة من نجوم لم يُكتب لهم العمر المديد في سماء التألق.(المشهد)